نتصل بـ "الواي-فاي Wi-Fi" بينما نحتسي قهوتنا، أو نجلس في إحدى الحدائق العامة. يصعب على ساكني المدينة المتصلين دومًا بالإنترنت أن يتصوّروا مدينة بلا واي-فاي سريع ومجاني وغير محدود السعة. وفقًا لدراسة نُشرت على مدونة برنامج مضاد الفيروسات "آفاست Avast"، فإن 30% من الفرنسيين يتصلون مرة شهريًا بشبكات الواي-فاي العامة، و24% منهم يتصلون بها بواقع عدة مرات أسبوعيًا. ولكن هل ثمة إمكانية في أن نتصل بكل ثقة بشبكة واي-فاي عام؟
لماذا تتزايد شبكات الواي-فاي في الفضاء العام؟
صار الواي-فاي جزءًا لا يتجزأ من المدينة؛ هذه قاعدة بديهيّة لسكان المدينة. بدأت الحدائق العامة، والمقاهي، والمطاعم، ومكاتب العمل، وباقي الأماكن العامّة في توفير الوصول إلى الإنترنت.
في باريس، زوّد 260 مكانًا بعدة نقاط وصول لاسلكيّة، خاصةّ حدائق البلديّة، والمكتبات. وقد وصل عدد نقاط الوصول اللاسلكيّة في فرنسا إلى 13 مليون نقطة، ما يضع فرنسا على رأس قائمة الدول الأكثر توافرًا على نقاط وصول لاسلكيّة عامة، وفقًا لدراسة نشرتها شركة Maravedis Rethink، في عام 2014. وقد يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2018.
وليس من قبيل المصادفة إذن أن تكون فرنسا هي البلد الأكثر سياحيةً في العالم. فالوصول إلى الواي-فاي يوفّر على السيّاح إنفاق تكاليف باهظة على خاصيّة الـ "تجوال roaming"، التي يلجؤون إليها عند استخدام الهاتف النقال في الخارج.
"إن الواي-فاي هو أول وأهم معيار عندما يتعلّق الأمر باختيار الفنادق، فأهميته تسبق حتى وجبة الإفطار الفندقية أو مجانيّة ركن السيارات"، تقول فاني كلافل، مديرة شركة ZyXEL.
أمّا بالنسبة للمستخدمين المحليين، فالواي-فاي يتيح لهم اقتصاد نفقاتهم في ما يخصّ الاشتراك الشهري لإنترنت الهاتف المحمول، وهو اشتراك محدود لعدة غيغابايتات فقط شهريًا وفقًا لسعة كل اشتراك.
إن الأماكن التجارية تلحّ إلحاحًا شديدًا على سرعة نشر شبكات واي-فاي عامّة، وذلك بسبب أنها ترى في هذه الشبكات عاملًا جاذبًا للبيع وللزبائن، وللحفاظ عليهم أطول فترة زمنية ممكنة.
علاوةً على ذلك، فإن أسماء الزبائن وأسماء آبائهم وبريدهم الإلكتروني التي يُدخلها الزبائن أثناء اتصالهم بالشبكة إنما تشكّل معلومات قيّمة بالنسبة للعلامات التجارية.
هل علينا الحذر من شبكات الواي-فاي العامّة؟
لطالما كان تصفح الإنترنت خطرًا، ولذلك فثمة بعض المخاطر المتعلقة بعمليات الاتصال بشبكات الواي-فاي العامة. من بينها مثلًا –وهي مع ذلك ليست بالشائعة الحدوث- القرصنة المعلوماتية التي تقوم على التجسّس على المعلومات المتبادلة. "لا يوجد أي شبكة واي-فاي عامّة مشفّرة. تُقام الاتصالات كلها علنًا"، يحذّر تيري كارسنتي، نائب رئيس شركة Check Point المتخصّصة في الحماية الإلكترونية.
في قولِ آخر، فإن شخصًا ذا نوايا خبيثة يستطيع الاتصال على شبكة واي-فاي عامّة ومن ثمّ التجسّس سرًّا على كل الأشخاص المتصلة عليها، "كما لو أنه يتنصّت على محادثة تليفونية".
إن القرصان يستطيع القيام بما هو أكثر من مجرّد السماع السلبي من دون أن يفعل شيئًا. فيستطيع اللجوء إلى التقنيات المختلفة لخداع وتضليل المستخدمين، فيعطي مثلًا اسمًا شرعيًا لشبكة واي-فاي، ليس لها هذا الاسم في الحقيقة. فعندما يتصل الزبون بشبكة تُدعى "Hôtel de Paris officiel" ]الشبكة الرسمية لفندق باريس[، فهو في واقع الأمر قد يكون متصلًا على شبكة اختلقها عمدًا أحد القراصنة للاستئثار على بياناته ومعلوماته. يقول تيري كارسنتي في هذا الصدد "إن البيانات التي استحوذ عليها القرصان قد يُعاد استخدامها في ما بعد".
إن أكثر الأشخاص عرضةً لهذا النوع من التهديدات هم المسافرون لشؤون تتعلق بالأعمال، ومن يقضون إجازاتهم، الذين، فور وصولهم إلى المطار، يبحثون عن الاتصال بإحدى شبكات الواي-فاي.
في البلاد التي يحلّون عليها ضيوفًا، ليس أمامهم خيارات أخرى سوى اللجوء إلى شبكات الواي-فاي التابعة للفنادق التي يسكنون فيها، عادةً ما تكون مجانيّة وغير محدودة. وهي عادةً قد تشكّل الكثير من المخاطر. فالقراصنة يستخدمون شبكات الواي-فاي الخاصّة بالفنادق المرموقة لتجميع البيانات والمعلومات الشخصيّة والمهنيّة للضحايا. هذا النوع من الهجمات قريب الصلة من التجسّس الصناعي.
يحدث أن مقدّمي خدمات الإنترنت أنفسهم يستخدمون بصورةِ خاطئة البيانات والمعلومات الشخصيّة للمستخدمين. فوفقًا لتقرير نشرته "اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات"، في عام 2014، فإن العديد من مقدّمي خدمات الإنترنت يخلّون بأمور كثيرة. فعدد كبير منهم "يبقون على البيانات والمعلومات المتعلّقة بمحتوى الرسائل المتبادلة أو المواقع التي تمت زيارتها، مع العلم بأنه غير مسموح لهم بالقيام بذلك"، تشير الدراسة.
علاوةً على ذلك، فإن "اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات" توجّه لهم اللوم بسبب عدم وضع تعريف واضح ومحدّد لمدة الإبقاء على هذه البيانات والمعلومات، في الوقت الذي يسمح فيه القانون بالإبقاء عليها لمدة لا تزيد عن السنة بحدّ أقصى.
كما أن هذه المعلومات والبيانات مجهولة المصدر. فقانون 2006 الخاصّ بمحاربة الإرهاب يفرضّ على مقدّمي خدمات الإنترنت الإبقاء على معلومات وبيانات الاتصال بالإنترنت. في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد أسابيع من بداية حالة الطوارئ، طالبت إحدى ملاحظات الشرطة بمنع الواي-فاي العام من أجل الحدّ من عمليات الاتصال مجهولة المصدر.
كيف نحمي أنفسنا بشكل أفضل عند الاتصال بشبكة واي-فاي؟
إن تأمين تصفحنا على الواي-فاي العام يجب أن يصاحبه احترام بعض الممارسات السليمة. فيُنصَح مثلًا بعدم تفعيل خاصيّة Wi-Fi في جهازنا في الوقت الذي لا نستخدم فيه الإنترنت. فعندما نتركه مفتوحًا، نخاطر بأن الجهاز قد يتصل تلقائيًا بأقرب شبكة إليه.
بشكل عام، يتفق الخبراء الذين وجّهنا إليهم السؤال على فكرة أنه "يجب أن يتوقف المستخدمون عن إدخال أية كلمات مرور أو بياناتهم البنكيّة عند الاتصال بشبكات الواي-فاي العامّة" و"فيما يخصّ عمليات الشراء على الإنترنت أو تصفّح حسابات وسائل التواصل الاجتماعية، فإنه يُفضّل عادةً استخدام خدمة إنترنت الهاتف بدلًا من الواي-فاي العام.
لعدم تعريض البيانات والمعلومات الشخصية للخطر، فمن المهم التأكد من أننا نتصفّح مواقع مؤمّنة. وهو أمر يسهل التحقّق منه، فالموقع المؤمّن نجد بجانب عنوانه علامة "القِفل"، كما أنه يستخدم بروتوكول HTTPS في عنوانه. وهناك امتدادات مثل Norton Wifi Privacy أو Avast SecureMe تُتيح للمستخدم إمكانية تأمين عملية تصفحه على الواي-فاي العام عن طريق تشفير معلوماته وبياناته.
يرى خبراء التأمين الإلكتروني أن استخدام "شبكة خاصّة افتراضية VPN" يزيد من الأمان عندما نستخدم الإنترنت عن طريق شبكة واي-فاي عامّة. يقول تيري كارستني أنها "تنشئ نفقًا لا يمكن اختراقه لحماية عملية الاتصال بخوادم مقدّمي خدمة الـ VPN. ثم تنتقل البيانات بعد ذلك –التي تم تشفيرها على الجهاز- إلى خادم مؤمّن. فيكون التصفّح مرئيًا ولكن لا يمكن اختراقه أو فكّ شفرته".
غير أن من مساوئ الـ VPN هو أنه يستلزم إنفاق المال كما أن العوام لا يفهمونه بشكل جيد. وفقًا لـ "آفاست Avast"، فإن 4% فقط من مستخدمي الإنترنت يستخدمون VPN لتأمين هواتفهم الذكية.
هناك أيضًا عدة احتياطات علينا اتخاذها عندما نفتح شبكة الواي-فاي الخاصّة بالمنزل. "عندما يرغب أصدقاؤك أو جيرانك في الاتصال بشبكة الواي-فاي الخاصّة بك، فإنه يُفضّل أن تنشئ شبكة مخصّصة لهم عن طريق "راوتر" منزليّ مزوّد بهذه الخاصيّة. فهكذا، لن يستطيعوا الوصول إلى شبكتك ولا إلى كل الأجهزة المتصلة عليها، مثل حواسيبك، وهواتفك الذكية، والكاميرات"، يحذّر جيروم سايز. في حقيقة الأمر، كل شيء يعتمد على مدى ثقتك في أقاربك.