"لا يأس مع الحياة"، الجملة الشهيرة التى خلّدها التاريخ لـ مصطفى كامل، جسّدتها فيفي عبده عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، منذ سنوات قرّرت الراقصة الأشهر في مصر والعالم العربي، أن تعتزل الرقص، في البداية كان القرار أن تكتفي بتقديم عروض على خشبة المسرح، ضمن فقرات مسرحياتها الكوميدية، لتعتزل حياة الملاهي الليلية والفنادق، ثم اعتزلها المسرح، فلم يعد هناك بدّ من إعلان الاعتزال الكامل، لكنها الحياة التي لا تيأس منها فيفي عبده، فوهبتها وجمهورها، فيسبوك وإنستغرام وسناب شات.
لم يكذب أبريل/نيسان هذه المرّة، حين أهدانا فيفي عبده فى يومه السادس والعشرين، 64 عامًا من البهجة والفرح وحب الحياة. لم تسعَ يومًا إلى المجد، بل سعت إلى اللهو، فأتاها المجد مهرولًا، رقصت فيفي عبده، فشخصت الأبصار، مثّلت راقصة مصر الأولى، فهلل المشاهدون لكيد النساء، ظهرت فيفي عبده على الفيسبوك، فتأخر مارك في أن يضيف "الخمسة مواه" لقائمة التفاعلات على المنشورات، فانتقلت بحضورها الطاغي إلى عوالم الإنستغرام والسناب شات، أما لكل هذه البهجة وُجدت هذه التطبيقات؟
مليون متابع للراقصة الستينية على فيسبوك، حالة من النشوة تنثرها فيديوهات فيفي عبر عوالم التواصل الاجتماعي، لم تقصد في البداية أن تكون بتلك الأهمية لدى الكثيرين من رواد السوشيال ميديا، على اختلاف أذواقهم، كانت لعبة استخدمتها مثل كثيرين ممن تخطّوا الستين، لكن لم تصنع فيفي من اللعبة مقهى للمعاشات، أو كشكشا للفتاوى، بل جعلته واحة للمتعبين، وراحة للمهمومين، وملجأ للمكتئبين.
هنا الحساب "الرسمي"، تحمل الصفحة العلامة الزرقاء، التي تمنحها الأسطورة، قدرًا من الثقة، بقدر أكبر مما يمنحها مارك قدرها من التوثيق، صورٌ وفيديوهات ولحظات خاصّة تخصّ بها فيفى محبّيها، لا مجال لأخطاء غادة عبد الرازق في إنستغرام فيفي أو سنابها أو على صفحتها الخاصّة، فأمّ البنات لا تظهر أبدًا وهي تعاني من نوبات الاكتئاب، أو بعد إفراطها في احتساء الخمر، أو حتى قبل أن تنام، فهي دومًا متيقظة، في أوج نشاطها، بلا سيجارة أو كأس، يكفيها فقط موسيقى راقصة في الخلفية، وفستان مفتوح الصدر، تُظهر من خلاله ما لم يخفه الزمن، تتألق عطيات – اسمها الذي لا يعرفه مارك- عبر وصلات الرقص، بحركات ذهبت عنها خفّة الماضي، وأثقلتها هموم الحاضر، لكنها بقيت، وما هم عشّاقها بخفة الجسد، إذ أسكرتهم خفة الروح، متابعين كُثر للراقصة التي هزّت عرش الفيسبوك.
يعظها بعضهم قبل أن يعظ نفسه، يدخل ويتابع الصفحة "الخليعة" ليترك لها تعليقًا بانتظار أبو لهب لها على أبواب جهنم، وآخر يرشّح نفسه كخادم جيّد ورخيص الثمن ويجيد الطاعات، بينما تحاول الفتيات التعلّم من الأم المثالية، وصاحبة البهجة، وصانعة البسمة على الوجوه، لكن بلا فائدة، فرغم كل ما تقدّمه فيفي من دروس ممزوجة بخبرتها في الحياة، لم تزل إحداهن تكتب بعد أن تنشر فيديوهاتها على صفحتها: "روحي يا ولية ده انتي أكبر من أمي وأنا مش عارفة أعيش حياتي وإنتي عايشاها".
عبر حساباتها الافتراضية المختلفة، لا تتطرّق فيفي عبده أبدًا للسياسة، لا تتحدّث عن انتخابها للرئيس المصري، ولا عن كراهيتها للإخوان، لا تهتمّ بما يثار حولها من أزمات اقتصادية، أو عواصف مجتمعية، فقط ترقص وتضحك، وتجرّب جديد سناب شات، بالأرانب، والقطط، الكلاب، إلا المسجد الأقصى، وحده هو من أخرج فيفى من عزلتها للسياسة "اللي واقف ورا سلاح يحميه..معندوش قلب يقوّيه".
علق لها أحد السوريين على تدوينتها "ما يطلعلك تحكي وفي بينهم وبينكم معاهدات سلام"، أجابته الراقصة "اللي في القلب في القلب يا عنيا..ويعني بلدك اللي مامضيتش معاهدات..أنا بلدي حاربت المحتل 4 حروب..إنت مين؟"، ودون مواربة وصفت فيفي "إسرائيل" بالعدو المحتل، بلا جدل أو نقاش، وبإبتسامة عابرة ردت على من حاول التهكّم عليها "على الأقل في بلدي ما في علم صهيون يرفرف فوق سفارة بوسط القاهرة بعد أربع حروب"، تخطّت فوفا حدود الدبلوماسية الفنية هذه المرّة، وقررت أن "تفرش ملايتها: "للسوري الذي يعيش في تكييف سويسرا"ههههه.. ده قصر ديل يا عنيا..ولما العلم ما اتحطش عندك كسبنا إحنا صلاة النبي ماهما لسه محتلين أراضي عربية، بس أنا حرّرت بلدي بدراعى وحطيت عليهم.. ياريتها جابت دكر بط".
حكايات كثيرة تروى عما تقدّمه اليد اليمنى للراقصة المعتزلة من خيرات وصدقات، في آواخر التسعينات يروي الناس عن مائدة الرحمن التي كانت تقيمها في ضاحية المهندسين من دخلها، ومن جاءها فهو آمن من الجوع والفقر أيضًا، أما الآن فصدقاتها يعرفها جمهور متابعيها عبر فيسبوك، كثيرون هم من قدّمت لهم يد مساعدتها، كان أوّلهم عطيات، ربيبة الفنانة تحية كاريوكا التي تبنّتها فيفي عبده بعد وفاة كاريوكا، وآخرهم جنى، طفلة السرطان، التي رفضها "مستشفى 57357"، وقرّرت فيفي أن تتبنى حالتها إلى أن وافت الطفلة المنيّة، لا تنسى فيفي جمهورها من صدقاتها وتبرّعاتها، فتنهال عليهم بـ"الخمسة موااه، والخمسة أيوة، بقى ويلا بقى"، عبر فيديوهاتها اللايف، تذكرهم بأسمائهم، وأحيانا بصفاتهم وصفات أهلهم، إذا لزم الأمر أو تجاوز أحدهم حدود التعليقات اللطيفة التي تحبّها "فوفا".
في الغالب لا ترقص "فوفا" من أجل إبهار متابعيها بوصلاتها اللولبية، تعرف جيّدًا أن جسدها فارقته الإثارة؛ وأن حركاتها الثابتة والدائرية، لم تعد هي التى تُغوي متابعي الراقصات الجدد من جيل صافيناز، والفاتنات الروسيات والبولنديات، لكن شيئًا سحريًا لم تزل تملكه فيفي، يجعلها تتربّع على عرش قلوب متابعيها، ربّما تكون بساطتها، أو ربما "جدعنتها"، التي تدفع البعض لأن يلجأ إليها طلبًا لدعم مالي لإجراء جراحة عاجلة، أو تقويم أسنان باهظ، أو شراء سيارة للعمل عليها ودفع ثمنها بالتقسيط، حسابات فوفا لا تقبل التفرقة بين مصري وعربي مهما كانت جنسيته، ففيديوهاتها تجمع الجنسيات العربية، من المحيط إلى الخليج، تأتيها عروض التكريم باللامبورغيني عبر لايفاتها نظير سيلفي معها في أم الدنيا، تضحك فيفي وهي تتذكر الشائعات التي طاولتها في التسعينات بأنها إن وقفت على أموالها ستُصبح أعلى من برج القاهرة "تعالى خد السيلفي من غير اللامبورغيني".
لا تلجأ فيفي إلى حظر الأشخاص أو حظر تعليقاتهم، أو حتى حذف مالا يليق من كلمات تهديها إلى الطريق القويم أو تلك التي تسبّها وتقدحها، ولأنها ليست كالآخرين فقد ردّت برسالة أخيرة وجهتها عبر صفحتها لمنتقديها، لتخرس الألسنة "لكل اللي بيحاول يطلع عقده النفسية عليا..أنا كده وهفضل كده وليا جمهوري اللي بيحبني وأنا بحبهم..البهادورة والباقي كومبارس في الصورة..واللي في جمالي يفعل أفعالي واللي مش عاجبها من شعرها وهاجيبها ..خمسة موااه".