سلاح طالبان... الحركة تشتري ذخيرة وعتاد الجيش الأفغاني من السوق السوداء

30 مايو 2017
سوق سوداء لبيع سلاح الجيش الأفغاني (فرانس برس)
+ الخط -
اعتاد الجندي السابق في الجيش الأفغاني، واصف خان، ورفاقه في الكتيبة، فتح النيران على مواقع مسلحي حركة طالبان من دون سبب، انتظارا للرد بالمثل من قبل مقاتلي الحركة المنتشرين في إقليم ننكرهار شرقي البلاد، ما يؤدي إلى مواجهة مسلحة لا تستمر في الغالب سوى دقائق، يعمد واصف أثناءها إلى إبلاغ قيادته عبر اللاسلكي بأن مسلحي طالبان هم من بدؤوا بإطلاق النيران، وأنهم يردّون عليهم، لكن هذا الرد لم يكن يستمر كثيرا، "فقط بضع طلقات في الهواء"، كما يقول خان الذي ترك الجيش قبل عام، موضحا أن قسوة حياتهم على خط النار الأمامي وعملهم مقابل رواتب زهيدة، دفعاهم إلى السعي للحصول على المال بشتى الوسائل، وكان أكثرها سهولة بيع ذخيرة الجيش إلى مقاتلي طالبان، إذ يبلغ سعر الطلقة الواحدة 30 أفغاني (قرابة نصف دولار).

وتتفاقم ظاهرة بيع سلاح وعتاد الجيش الأفغاني، وفقا لما كشفه المفتش العام الأميركي لإعادة إعمار أفغانستان، جون سوبكو، والذي حذّر من أن "الجيش الأفغاني ينخره الفساد؛ إذ يبيع مجندون فيه أسلحتهم وذخائرهم إلى طالبان". مؤكدا، في كلمة أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن طالبان أمرت قواتها بالتزود بأسلحة ووقود من مقاتلي الجيش الأفغاني، بعد أن حصلوا عليها من الأميركيين. ويتفق فرانز ميشيل، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، مع سوبكو، في أن فساد الأجهزة الأمنية الأفغانية وصل إلى ذروته، مؤكدا، في بيان صدر في يناير الماضي، رصد عمليات بيع سلاح الشرطة والجيش إلى مقاتلي طالبان.


تنويع مصادر السلاح

تقوم الاستراتيجية العسكرية الجديدة لمقاتلي حركة طالبان على القتال طوال العام، بعد أن كانت عملياتها تتم خلال موسمي الربيع والصيف، ما رفع من حاجتها إلى التزود بالذخيرة والسلاح، وفق ما قاله القيادي الميداني في الحركة محمد شاه. مضيفا، في إفادة لـ "العربي الجديد": "الحركة كانت تعتمد في السابق على الأسلحة القديمة التي تركتها القوات السوفييتية في أفغانستان، وتصنع بعض الأسلحة الخفيفة، لكنها تعيش حاليا فترة ازدهار وتنويع في مصادر السلاح".

ويتطابق ما قاله شاه، مع ما جاء في شريط مصور بثته الحركة، في إبريل/نيسان الماضي، وتظهر في المقطع المصور تدريبات مقاتلي الحركة في مديرية قلعه زال بإقليم قندوز شمال شرقي أفغانستان، كما يتباهى قناص من الحركة بسلاحه قائلا: "بفضل الله نفوق جنود الجيش في كل المجالات، هذه أسلحتنا، وتلك أسلحتهم".


التراجع التكتيكي

يعتبر تراجع الجيش والشرطة من المواقع والمراكز الأمنية ظاهرة متفشية في كل أرجاء أفغانستان، ويتذرّع قادة الجيش بأن عمليات الانسحاب تكتيكية، أو حفاظا على أمن المواطنين. ولكن الأسباب الحقيقية لعمليات الانسحاب المتكررة هي اتفاق بين قادة الأمن والجيش وطالبان، يحصل عبره مقاتلو الحركة على جزء من السلاح والذخيرة الموجود في القواعد والمراكز الأمنية، فيما يتم بيع جزء آخر في السوق السوداء إلى المهربين والتجار، وهو ما وثّقه معدّ التحقيق عبر عملية استيلاء طالبان على مديرية قلعة زال بإقليم قندوز في بداية مايو/أيار الجاري، إذ أذاعت الحركة عقب السيطرة على مقري الحكومة المحلية والأمن تسجيلا مصورا أعلنت من خلاله السيطرة على مدرعات ودبابات وكميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، إثر تراجع الجيش والشرطة بحجة نفاد الذخيرة، وهو ما نفته الحكومة على لسان حاكم إقليم قندوز، محمد عمر، في بيان صحافي. مؤكدا فتح تحقيق حكومي في الواقعة، بعد إفادات من جنود عن تلقيهم أوامر بالانسحاب من دون أية مقاومة وترك السلاح والذخيرة في المكان، ومن بين هؤلاء الجنود عبد الصبور محمد يوسف، الجندي في مقر أمن مديرية قلعة زال، والذي كشف عن صدور أوامر من قادة الخط الأول بإطلاق النار، وبعدها بدقائق صدر أمر آخر بالانسحاب.


ويعقب القيادي في طالبان، محمد شاه، موضحا أنه: "عقب الاتفاق على سعر السلاح تدعو القيادات العسكرية طالبان إلى السيطرة على المواقع عقب اشتباك بالأسلحة الخفيفة يستمر دقائق، ويتم عقب ذلك ترك العتاد المتفق عليه، والذي يمكن لمقاتلي الحركة استغلاله في عمليات كثيرة ومهمة، مثل ما جرى في 22 إبريل/نيسان الماضي، بعد أن دخل انتحاريون يرتدون الزي العسكري ويقودون سيارة عسكرية إلى قاعدة شاهين العسكرية في مدينة مزار شريف، وقتلوا 150 جنديا".

وتصل أسلحة الجيش والأمن المباعة في السوق السوداء، إلى مقاتلي طالبان، بحسب لعل ولي المسؤول السابق في الإدارة المحلية في ولاية كنر، شرقي البلاد، والذي رصد عملية بيع سبع بنادق كلاشنكوف، من قبل جنود منسحبين من قاعدة عسكرية إلى تجار، باعوها بدورهم إلى مقاتلي طالبان.


تدخّل إيران

قبل توطيد علاقاتها بحركة طالبان، شكلت إيران مليشيات خاصة في بعض أقاليم جنوب أفغانستان، من أجل الدفاع عن مصالحها، لا سيما مشاريع توصيل التيار الكهربائي وبناء الطرق وإنشاء خط سكة حديد بين إيران وأفغانستان. ووفر السلاح الإيراني مصدر قوة لمقاتلي الحركة في ميدان المعركة، بحسب ما يؤكده حاكم إقليم هلمند، حياة الله حياة، والذي كشف عن عثور القوات الأفغانية على صواريخ إيرانية الصنع أطلقتها عناصر حركة طالبان ضد الجيش، في معارك جرت بمدينتي "كرمسير" و"سنكين" بين القوات الحكومية وطالبان.

وأكد أن التحقيقات كشفت أن عددا من الصواريخ غير المنفجرة والتي أطلقها مقاتلو الحركة على مقر حكومي في إقليم هلمند في يناير الماضي، مصنوعة في إيران، وفقا للبيانات المكتوبة على هذه الصواريخ.

وبحسب برويز محمد، الضابط في الجيش الأفغاني في هلمند، فإن جنوده يلقون حتفهم نتيجة استهداف مقاتلي طالبان لهم بأسلحة القنص الإيرانية المتطورة، والتي تصل إليهم عبر مليشيات طهران الخاصة المنتشرة في الإقليم والتي تتاجر في السلاح، وفق ما يؤكده الخبير الأمني محمد إسماعيل وزيري، لافتا إلى تنوع سلاح مقاتلي الحركة في الفترة الأخيرة، إذ كشفت الحركة في إصداراتها المرئية عن أسلحة إيرانية وروسية تتوفر لمقاتليها في أقاليم هرات وفراه ونيمروز وهلمند.

ثمة طريقة أخرى تصل عبرها الأسلحة القادمة من الخارج إلى طالبان؛ إذ تنتشر سوق سوداء للسلاح الخفيف والثقيل في المناطق القبلية الباكستانية والأفغانية، أهمها سوق مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار، وآخر في مديرية بهرامجه، بإقليم هلمند، وسوق في غني خيل في ننجرهار، وكذلك أسواق متعددة في المناطق القبلية الباكستانية. وتباع في تلك الأسواق أسلحة روسية وإيرانية، كما يؤكد الخبير الأمني وزيري.

محاولة وقف الظاهرة

تؤكد وزارة الدفاع الأفغانية أنها تولي قضية بيع سلاح قوات الجيش والشرطة إلى مقاتلي طالبان والتجار، أولوية كبيرة، بحسب ما قاله الناطق باسم الوزارة، الجنرال دولت وزيري، مشيرا إلى أن القضاء على الظاهرة من أولويات الحكومة. وفي إبريل/نيسان الماضي أحالت الحكومة الأفغانية عشرة ملفات لجنود ومسؤولين باعوا سلاحهم، إلى المحكمة العسكرية، من بينهم عدد كبير من الجنود في إقليم هلمند، جنوبي البلاد، وفق ما يؤكده مسؤول أمن إقليم هلمند، العميد ولي محمد، والذي حمّل فساد المسؤولين والجنود الذين يبيعون سلاحهم لمقاتلي الحركة، مسؤولية تراجع الحالة الأمنية في الإقليم.

ويقر حاكم إقليم هلمند، حياة الله حياة، بتفشي الظاهرة، قائلا "سلاح الجيش يباع إلى مقاتلي طالبان". غير أنه يعود إلى القول "الأمور تغيرت في الفترة الماضية، بعد اعتقال الحكومة تجارا وجنودا متورطين في الأمر، وقوات الجيش ستنتصر على مقاتلي الحركة"، وهو ما يختلف معه المسؤول السابق لتنسيق عمليات القوات المسلحة في ولاية هلمند، الجنرال عبد الجبار قهرمان، إذ يعتبر أن الجيش يخسر الحرب أمام طالبان في الإقليم بسبب الفساد المستمر والمتمثل في بيع أسلحة الجيش والشرطة إلى طالبان.