يوثق تحقيق "العربي الجديد" دوافع ومبررات الناخبين المسلمين للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذين ارتفعت نسبة تصويتهم ورضاهم عن أدائه، في عام 2020 مقارنة مع سنة 2016، على الرغم من سياساته العدائية والشعبوية.
-يبدي محمد خيرالله، عمدة مدينة بروسبكت بارك الواقعة في ولاية نيو جيرسي على الساحل الشرقي الأميركي، استغرابه من ارتفاع نسبة المصوتين المسلمين للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، في انتخابات عام 2020، إذ صوت 17% منهم له هذا العام مقارنة مع 13% في عام 2016، بحسب نتائج استطلاع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير - CAIR) والذي يعد أكبر منظمة للدعوة والحقوق المدنية الإسلامية في أميركا، وشمل سبر آراء 844 أسرة ناخبة مسلمة مسجلة في قاعدة بيانات ضمت نصف مليون ناخب أميركي مسلم من جميع الأعراق.
ومن خلال تواصله مع بعض المسلمين ممّن صوتوا لترامب، يؤكد خيرالله لـ"العربي الجديد" أن تحسن الاقتصاد في عهده كان الدافع الرئيسي الذي حدا بهم إلى انتخابه، إذ انخفضت البطالة من 4.9% إلى 4% في عهده، وبقيت عند 4% من أكتوبر/تشرين الأول عام 2018 وحتى أكتوبر 2020، بحسب التقرير الصادر عن المكتب الأميركي لإحصاء العمالة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كما انتعش سوق الأسهم وخاصة مؤشر داو جونز لأكبر 30 شركة، ورغم ما تركته جائحة كورونا من آثار، إلا أن العديد منهم كان يعتقد أن ترامب قادر على نقل الاقتصاد للأفضل بعد زوالها. بحسب خيرالله.
العامل الاقتصادي لعب دوراً في تصويت المسلمين لترامب
بالمقابل صوت 69% من الناخبين المسلمين، للمرشح الديمقراطي الفائز بالانتخابات جو بايدن، في حين كانت نسبة من صوتوا في الانتخابات من العينة التي شملها الاستطلاع 84% وفقا لتوضيح الدكتور نهاد عوض، المدير التنفيذي لكير، والذي يرجح أن نسبة المصوتين لترامب فعليا تفوق 17%، لأن 10% رفضوا الإجابة عن سؤال "لمن أعطيت صوتك؟"، "ومن المعروف أن هناك أشخاصاً خجلوا من القول إنهم صوتوا لترامب"، حسب قوله، مضيفا أنهم توقعوا قبل إجراء الاستطلاع حصول ترامب على أصوات أكبر من المسلمين.
وتقدر اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز (ADC)، عدد الأميركيين من أصول عربية بـ 3.5 ملايين. ويشكل اللبنانيون والسوريون العدد الأكبر بينهم، ويقع أكبر تجمع للأميركيين العرب في منطقة ديترويت الكبرى بولاية ميشيغن والتي أسهمت في وصول ترامب إلى الحكم، حين فاز فيها بفارق بسيط بلغ 10 آلاف و704 أصوات فقط في انتخابات عام 2016.
لماذا صوّت المسلمون لترامب؟
يؤيد المحامي الأميركي من أصل فلسطيني، كمال نعواش، والمرشح السابق لمجلس الشيوخ في ولاية فرجينيا، سياسة ترامب الداخلية بنسبة يصفها بأنها تتراوح بين 70% و90%، وصوت له في انتخابات 2016 و2020، إذ يمثل ترامب له حالة من الدفاع عن قيم يؤمن بها، ولا يتعلق هذا الأمر بكونه مسلما، بحسب قوله، مشيرا إلى أنه لا يتفق مع الجمهوريين في سياستهم الخارجية، خاصة عدم السعي للسلام في الشرق الأوسط، ودعمهم اللامحدود لإسرائيل، ويعارض نقل السفارة الأميركية للقدس، بالإضافة إلى قطع الدعم عن الفلسطينيين كما يقول لـ"العربي الجديد"، مع ذلك دعم ترامب رغم صعوبة اتخاذ القرار بشأن التصويت لأي مرشح خلال العشرين سنة الماضية، واصفا الأمر بـ"عملية مرهقة وقد تكون أقرب إلى التعذيب الذهني"، مستدركا أن المرشحَين ترامب وبايدن لم يقدما شيئا يذكر للفلسطينيين، لكن تأييده لترامب يتعلق بسياسته الداخلية، ويتفق معه في تعيينات المحكمة العليا، وموقفه من قضايا البيئة والهجرة والتجارة.
ومنح مسلمون من أصل سوري، أصواتهم لترامب في الانتخابات الأخيرة، وفقا لخالد صفوري، المستشار السياسي لمركز ميريديان للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، مؤكدا أن تصويتهم لترامب بسبب عدائه لإيران، قائلا يوجد أميركيون سوريون احتفلوا بمقتل القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
ومن هؤلاء المعلمة ريم رضوان المقيمة في فرجينيا، والتي تؤكد أنها صوتت لترامب هذا العام عندما رأت أنه يضغط على إيران وحزب الله، واغتال سليماني، وكان قد أطلق صواريخ على مواقع للنظام السوري بسبب استخدامه الكيماوي، لذلك منحته صوتها أملا في أن يستمر بالضغط على النظام السوري. "أي شخص يساعد الشعب السوري سأصوت له"، تقول رضوان، مشيرة إلى أنها تأملت سابقا أن يساند باراك أوباما الثورة السورية، لكنه خذل السوريين وتركهم يموتون بالبراميل المتفجرة و"الديمقراطيون بشكل عام كذبهم مفضوح". على حد تعبيرها. وصوت مسلمون إيرانيون مناهضون للنظام الحالي في طهران أيضا لترامب، كما يقول صفوري مضيفا أن الأمر مرتبط بضغوط ترامب على النظام الذي يرفضونه ويعارضونه.
وتقدر السيناتور في ولاية فرجينيا غزالة هاشمي، والتي عملت في الحملة الانتخابية لبايدن منسقة مع الجالية المسلمة، نسبة المسلمين الذين صوتوا لترامب بـ 20%، وهي "نسبة صادمة" كما تصفها، خاصة بسبب مواقفه، ومنها إصداره أوامر بحظر دخول رعايا سبع دول مسلمة إلى أميركا وتابعت لـ"العربي الجديد" :"هؤلاء ناقضوا أنفسهم بتصويتهم له، لأن سياسته كانت مع تقسيم العائلات على الحدود الجنوبية، والتضييق على اللاجئين، وقراراته كانت بمثابة هجوم على القيم العائلية"، قائلة "نحن كمسلمين لا بد أن ندافع عن العدالة الاجتماعية" لكن كثيرا من المسلمين دائما يدعمون الحزب الجمهوري لولائهم للقيم الأسرية مثل رفض الإجهاض والمثلية والاستفادة المادية خاصة في مجال الضرائب.
ويقول الصحافي الأميركي من أصول عراقية شريف الشامي والمقيم في ديترويت ولاية ميشيغن، بأنه أعطى صوته لترامب عام 2016، بسبب وعوده بالقضاء على داعش، وأكد بأن معارفه العراقيين من الكلدان المسيحيين، صوتوا لترامب في 2016 و2020. لكن الشامي انقلب على ترامب هذا العام وكان مدفوعا بعدم وفائه بعهوده، إذ يؤيد الشامي الحشد الشعبي قائلا :"الحشد ساعد على هزيمة داعش ورغم ذلك ترامب لا يدعمه. بالإضافة إلى أسباب تتعلق بخطابه المبطن وتعامله مع الدول العربية كأنه يستأجرها"، قائلا إن المنظمات العربية في ديترويت اتحدت ضد عنصرية ترامب وهو ما ساهم في خسارته في الولاية التي كان قد كسب أصواتها في 2016.
ويتفق الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بواشنطن، أسامة أبو رشيد، مع الآراء السابقة في أن بعض ناخبي ترامب يدينون بالولاء لقيم الحزب الجمهوري المحافظ، وفي المقابل فإن ناخبين من المسلمين كان لهم حسابات أخرى في الانتخابات الأخيرة، إذ صوت كثير منهم ضد ترامب بسبب فرضه ضغوطا على المليشيات في العراق، وعلى حزب الله ودعم السعودية في حرب اليمن ضد الحوثيين.
دوافع لم تغيرها عنصرية ترامب
أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم (ISPU) نشر في الأول من أكتوبر الماضي، أن تأييد المسلمين لترامب أعلى من أي سنوات مضت، إذ ارتفعت نسبة موافقتهم على أدائه من 13% عام 2018، و16% عام 2019، لتصل إلى 30% عام 2020. في حين يرى ديفيد رمضان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج ميسون والنائب الجمهوري السابق في برلمان ولاية فرجينيا، أن غالبية المسلمين الذين صوتوا لترامب دعموا الحزب الجمهوري، وقليلون دعموا شخص ترامب نفسه ولا تزيد نسبتهم عن 5%، موضحاً أنه توجد شريحة من الداعمين من أصحاب الأعمال الذين يستفيدون من خفض الضرائب، بموجب قانون الضرائب الأميركي الذي صدر في 22 ديسمبر/كانون الأول عام 2017، ونص على خفض ضريبي كبير، وفق ما جاء في مركز السياسات الضريبية الأميركي المستقل. وهناك أسباب اجتماعية وراء تعلق المسلمين المحافظين بالحزب الجمهوري، مثل رفض الإجهاض، وزواج المثليين، وتعيين قضاة محافظين مرجعهم القيم الأسرية التقليدية، حسب عوض.
نسبة الموافقة على أداء ترامب الوظيفي ارتفعت بين المسلمين إلى 30%
ويؤكد الدكتور خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي للدراسات في واشنطن أن الناخب الجديد الذي يشارك في التصويت للمرة الأولى أو الثانية، يميل غالبا للحزب الديمقراطي، أما أبناء الجيل الثالث والرابع فدائما يصوتون للحزب الجمهوري. ويختلف الجيل الثاني من المسلمين في نيوجرسي على سبيل المثال، عن الأسر التي هاجرت إلى أميركا في السابق، وفق تأكيد خير الله، قائلا: "هؤلاء أكثر انفتاحا ولهم رأي انتخابي مختلف عن آبائهم، والناحية الاقتصادية أهم عندهم في قرارهم من أمور مثل دعم مرشحهم للمهاجرين، والأهم في هذه الانتخابات أن وجود ترامب في الحكم شجع كثيرا من المسلمين على الترشح، إذ فاز فِي نيو جيرسي وحدها خمسة مسلمين بمقاعد في سباقات الانتخابات المحلية، ضمن 57 مرشحا أميركيا مسلما من أصل 110 ترشحوا لمختلف المناصب، وفازوا في انتخابات مجالس الولايات".
ضعف الاهتمام بالسياسة الخارجية
يقول جهشان إن نسبة تصويت المسلمين للحزب الجمهوري ستظل تتراوح بين 20% إلى 35%، لأن 50% من نسبة الناخبين المسلمين هم من الأفارقة الأميركيين، وهؤلاء غير مرتبطين بالقضايا خارج أميركا، بل ينصب اهتمامهم على الشؤون الداخلية التي تمس حياتهم في الداخل الأميركي، مبينا أنه كلما استقر المهاجر اقتصاديا كلما زاد ارتباطه بالحزب الجمهوري، لأن له مصالح شخصية اقتصادية يدعمها الجمهوريون. في حين تراوح نسبة تأييد الجمهوريين بين المسلمين من أصول عربية بين 20% و30%، وهو ما يؤيده الباحث أبو رشيد قائلا: "يشجع مسلمون سياسة ترامب الخارجية الانعزالية، معتبرين أن هذا يصب في مصلحتهم".