استمع إلى الملخص
- تلعب المؤسسات غير الرسمية مثل نقابة المحامين الإسرائيلية دورًا في قمع الفلسطينيين من خلال ملاحقة المحامين الفلسطينيين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس تبني النقابة لمصالح الاحتلال.
- يشارك المجتمع المدني الإسرائيلي في القمع عبر منظمات مثل "بتسلمو"، التي تراقب منشورات الناشطين الفلسطينيين، مما يؤدي إلى اعتقالهم أو فصلهم من العمل.
تتكامل أدوار مؤسّسات الاحتلال الرسمية والأهلية لقمع فلسطينيي الأراضي المحتلة في 1948، إذ تهددهم شرطة الاحتلال، ومن بعدها تستهدفهم عصابات بإطلاق الرصاص على المنازل، أو تصل إليهم تهديدات من مجهولين على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.
- "أريد أن أرى لؤي في تظاهرة"، رسالة تحدٍ وتحذير أطلقها قائد شرطة عارة التابعة للواء حيفا شمالي فلسطين المحتلة، عبر رئيس المجلس البلدي، لتصل إلى الأسير المحرر والناشط السياسي في الداخل المحتل لؤي الخطيب، الذي قال في إفادته لـ"العربي الجديد" إنه اضطر لإغلاق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي بعد كم كبير من التهديدات بالإيذاء الجسدي وصلت إليه من حسابات مجهولة عقب تحذير قائد الشرطة له في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مع بدء معركة طوفان الأقصى في قطاع غزّة.
تكرّر ما جرى مع الخطيب مع آخرين، منهم المحامي والناشط في حركة أبناء البلد (سياسية تنشط في الداخل المحتل) أحمد خليفة والأسير المحرر والناشط الجماهيري محمد جبارين اللذين وصلت إليهما تهديدات بالقتل في حال مشاركتهما في أي نشاط جماهيري مساند لقطاع غزة، ولاحقا، أطلق مجهولون النار على منزليهما، قبل اعتقالهما في 19 أكتوبر إثر مشاركتهما في تظاهرة بمدينة أم الفحم في الداخل المحتل، وفق ما ذكرته محاميتهما ميسانة موراني لـ"العربي الجديد".
جرى توجيه تهم لهما تتعلق بالتحريض والتماهي مع "تنظيم إرهابي"، ليجرى توقيف خليفة أربعة أشهر، قبل أن يُحوّل إلى الاعتقال المنزلي، ولا يزال يحاكم حتى هذه اللحظة، وهو ممنوع من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيما قضى جبارين ثمانية أشهر في السجون وحُوِّل بعدها إلى الاعتقال المنزلي بشرط وضع سوار إلكتروني ومرافقته في المنزل من أحد الكفلاء، على أن تستمر محاكمته، كما تقول موراني.
سن قوانين استغلال أخرى
تجيز المادة 216 (أ) بند 4 من قانون العقوبات الإسرائيلي لسنة 1977 اعتقال "كل من يتصرّف في مكان عام بطريقة قد تؤدي إلى الإخلال بالسلام ستة أشهر"، وينضوي البند هذا على مفاهيم فضفاضة أتاحت لشرطة الاحتلال اعتقال مئات الفلسطينيين في الداخل، كما تقول المحامية هديل أبو صالح التي مثلت 90 معتقلا من منطقة حيفا وحدها، مع بدء قمع الحراكات الخاصة بفعاليات التضامن مع قطاع غزّة في أكتوبر 2023.
وتعرّف المادة 34 من قانون العقوبات الإسرائيلي "المكان العام" بأنه "الطريق أو المبنى الذي يكون للجمهور الحق في الوصول إليه دون شرط الدفع، وأي مبنى يستخدم لأغراض التجمع العام أو الديني أو الجلسات العلنية"، ومع ذلك، جرى اعتقال نشطاء من منازلهم، كما تؤكد المحامية أبو صالح لـ"العربي الجديد"، مثل ما حصل في حالة الناشط اليهودي المناهض للصهيونية يوآف بار الذي اعتقل في 29 أكتوبر من منزله بتهمة التحريض والتماهي مع "تنظيم إرهابي".
اعتقال مدرس موسيقى بسبب أغنية "عصفور طل من الشباك"
وتتضمن المادة المذكورة مفهوما فضفاضا آخر، وهو "الإخلال بالسلام"، بحسب المحامية أبو صالح، وهو ما تسبّب في اعتقال نشطاء لأسبابٍ لا يمكن للقانون الإسرائيلي أن يعاقب عليها، مثل ما حدث مع مدرّس الموسيقى علي بكري الذي جرى اعتقاله من داخل مدرسة كفر ياسيف في فبراير/ شباط الماضي بشبهة "الإخلال بالسلام" بسبب أغنية "عصفور طل من الشباك" التي ردّدها لطلابه، وفق ما تكشفه رسالة اطلع عليها معدّ التحقيق، كان المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية "عدالة" قد أرسلها إلى المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال جالي بهراف ميارا في إبريل/ نيسان الماضي.
يتضح أثر الحالة القمعية التي ذكرتها أبو صالح في ما كشفته دراسة نشرها المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (مؤسسة أهلية فلسطينية تعنى بالحقوق الرقمية) في أغسطس/ آب 2024 تحت عنوان "الأمان الرقمي بين الشباب الفلسطيني في الداخل... دراسة حول التحدّيات والتهديدات في ظل الحرب"، إذ قال 70% من عينة الدراسة إنهم يفعّلون رقابة ذاتية على أنفسهم قبل كتابة منشوراتهم، وقد تعززت هذه الظاهرة بعد مصادقة "الكنيست" (برلمان الاحتلال) في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 على التعديل التاسع المتعلق باستهلاك "المنشورات الإرهابية"، والذي ينص على فرض عقوبة السجن عاماً لكل من يطلع بانتظام على محتوى يعتبره القانون الإسرائيلي "محرّضاً على الإرهاب"، وهو ما يعني إمكانية الملاحقة لمجرد المتابعة لصفحات أو منشورات من دون شرط القيام بنشاطات.
لذا، يعتقد الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، امطانس شحادة، أن المؤسّسة الإسرائيلية الرسمية استباحت كل القوانين، بحجة وجود حالة الطوارئ، واستغلت ذلك لشرعنة قمع المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 بمشاركة من المستوى القضائي، وكلما اقتضت الحاجة لتشديد الإجراءات، كانت تتّجه إلى سن قوانين أو تعديل أخرى، مثل؛ تخفيف شروط حصول الإسرائيليين على السلاح بهدف الردع، والاستناد إلى بعض بنود القانون لتكثيف الاعتقالات على أساس الرأي.
المؤسّسات غير الرسمية شريكة في القمع
تعدّ المفاهيم الفضفاضة مدخلا ليس فقط لشرطة الاحتلال لقمع فلسطينيي الداخل المحتل في العام 1948، وإنما لمؤسّسات وهيئات غير رسمية؛ مثل نقابة المحامين الإسرائيلية، كما تقول المحامية سلام ارشيد التي تتولى الدفاع عن خمسة من زملائها أحيلوا إلى لجان تأديبية لدى نقابة المحامين الإسرائيلية بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، جرت مراجعة أحدهم مع طلب استيضاح منه، وهي مرحلة أولى في الإجراءات، وحُوّل اثنان إلى لجنة الطاعة المسؤولة عن مراجعة امتثال المحامين للوائح النقابة في إجراء ثانٍ، وآخران إلى محكمة النقابة وهي المحطة النهائية، منهم المحامي فؤاد سلطاني، الذي ينتظر جلسة استماع لدى لجنة الطاعة بتاريخ 14 فبراير المقبل.
ويوضح سلطاني، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن نقابة المحامين وجهت إليه ما يشبه لائحة الاتهام، تضمنت خمسة منشورات، منها؛ مشاركته منشورين، للمفكر العربي عزمي بشارة، في 14 أكتوبر 2023 يستهجن فيه عدم طرد السفراء الإسرائيليين من عواصم الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال، والثاني في التاريخ نفسه يتضمن استنكارا ضمنيا لمجزرة المستشفى المعمداني، ويتضمن صورة الدمار مع تعليق: "هنا آثار الأقدام البربرية في غزة"، بينما يعزو في أحد منشوراته ما حدث في 7 أكتوبر (2023) إلى ممارسات وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير بحق الأسرى.
واعتبرت "لائحة الاتهام" المقدمة بحق المحامي سلطاني، التي اطلع عليها معدّ التحقيق، أن مشاركته وكتابته المنشورات المذكورة تعدّ تعبيراً غير لائق وتصرّفا سافراً لا يليق بمهنة المحاماة ويضر بأخلاقياتها، وهذا يطرح سؤالاً بشأن سقف الأخلاقيات التي تعتمده نقابة المحامين الإسرائيلية، تقول المحامية ارشيد التي ترى أن النقابة تتبنّى مصالح الاحتلال الأمنية والسياسية، وتحجّم أي صوت ورأي لا يتوافق مع هذه المصالح، والدليل أنها قدّمت منشورات لمحامين إسرائيليين يؤيدون حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، ولم يُتخّذ أي إجراء بحقهم أو حتى مراجعتهم، واقتصرت الملاحقات على المحامين الفلسطينيين في الداخل المحتل، الذين لا يستطيعون مزاولة المهنة من دون تصريح من النقابة.
المجتمع المدني الإسرائيلي في خدمة القمع
يتضح من وثيقةٍ اطلع عليها معدّ التحقيق دور منظمة "بتسلمو" اليمينية، التي تزعم، عبر موقعها، إنها تُعنى بحقوق الإنسان، في جمع منشورات المحامي سلطاني وترجمتها.
وبالاطلاع على صفحتها في "فيسبوك"، يتبين وقوفها خلف اعتقال المحامي سرّي خورية من شفا عمرو، شمالي فلسطين المحتلة، وفصل المحامي المقدسي محمد عليان، وفتح تحقيق لدى الشرطة مع الناشط أمجد شبيطة، بسبب نشاطاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا منع ظهور المحامي وعضو الكنيست السابق عبد المالك دهامشة على قناة كان العبرية، بعد ضغوط من المنظمة، "ما يعزز فرضية تكامل الأدوار بين المؤسسة الرسمية للاحتلال والمنظمات اليمينية لقمع فلسطينيي الداخل"، بحسب شحادة والمحامية ارشيد.
بالإضافة إلى ما سبق، يكشف تقرير لجمعية كيان (مؤسسة حقوقية في الداخل المحتل) عن عملها، في الفترة ما بين أكتوبر 2023 ومارس/آذار 2024، على حالة فصل لسيدة حامل من عملها بما لا يتوافق مع بنود القانون التي تمنع فصل الحوامل من دون تصريح مسبق من وزارة العمل، وإرغام عمال على تقديم استقالاتهم تحت التهديد بالملاحقة القانونية، وتعليق بعض معاهد التعليم العالي تعليم بعض الطلبة مؤقتا وإبعاد آخرين عن الدراسة بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بوقف الحرب أو تتضمن آيات قرآنية أو اعتماد السواد في صورة البروفايل على فيسبوك، بإجمالي 801 حالة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى أكتوبر 2024، وفق ما أكدته المديرة العامة لكيان نسرين طبري في مقابلة مع "العربي الجديد".
قمع بسبب الصمت
تفيد طبري بأن المرأة الحامل المشار إليها في التقرير تعمل في حضانة أطفال، وبسبب رفضها إبداء رأيها حول أحداث 7 أكتوبر خلال نقاش على مجموعة "واتس آب" تابعة للموظفين، هاجمها زملاؤها معتبرين أنها مناصرة لحركة حماس، وقام مدير الحضانة بمراجعة صفحتها على "فيسبوك"، ووجد صورة لها في المسجد الأقصى قبل ثلاث سنوات مرفقة بتعليق "الله غالب"، وهو ما كان سببا كافيا من وجهة نظره لفصلها، وفي إحدى الحالات، جرى تهديد موظفة في سلك التعليم من قبل زملائها بإخبار أهلها أنها تقيم علاقة عاطفية مع شاب إذا لم تبدِ رأيا مؤيدا للحرب على قطاع غزّة، وفي ظل ما سبق توثيقه، يتفق شحادة وطبري على أن المسار القضائي الإسرائيلي أصبح أقل تأثيرا بسبب بنيته وتوجهاته في ظل هيمنة اليمين وخضوع الجمهور الإسرائيلي للتبريرات الأمنية.
نقابة المحامين الإسرائيلية وجمعيات حقوقية تشارك في قمع فلسطينيي الداخل
أما بالنسبة للكنيست (برلمان دولة الاحتلال) فهناك أغلبية مطلقة لليمين الذي يمرر قوانين ضد الفلسطينيين بدعم من المعارضة الإسرائيلية أيضا، لأن عملية القمع بالداخل المحتل ليست قضية خلافية بين أقطاب الحياة السياسية لدى الاحتلال، يقول شحادة.