تجارة الشهادات الوهمية... طريق الترقية والوصول إلى مناصب قيادية في الكويت

05 يناير 2025
توجيه حكومي بمراجعة جميع الشهادات الصادرة بعد عام 2000 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشف تحقيق عن شبكة تزوير شهادات جامعية في مصر، حيث يتم توفير شهادات مزورة للكويتيين، مما يثير قلقاً حول مصداقية الشهادات وتأثيرها على سوق العمل في الكويت.

- يواجه النظام القانوني في الكويت تحديات في مكافحة تزوير الشهادات، مع تسجيل 150 قضية حتى نهاية 2022، وتستمر المشكلة بسبب عدم تشديد الرقابة على الشهادات الخارجية.

- يتسبب التزوير في هدر مالي كبير، حيث يحصل المزورون على بدلات ورواتب غير مستحقة، وتعمل الحكومة على استرداد المبالغ وتعزيز النزاهة في القطاعين العام والخاص.

يوثق تحقيق "العربي الجديد" آلية تزوير شهادات جامعية وما بعدها في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، عبر سماسرة يعملون في مصر، ويسوقون بضاعتهم لكويتيين يسعون إلى الترقي ونيل ميزات وظيفية ورواتب أكبر دون وجه حق.

- ينتقد النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي فارس العتيبي تجاهل الدولة لسنوات تشديد الرقابة على الشهادات الصادرة عن جامعات خارج البلاد، كإجراء ضروي، منعاً لتوظيف أو ترقية أشخاص غير مؤهلين يحملون شهادات مزوّرة، إذ فتح التلكؤ باباً كبيراً للتلاعب والتحايل وهدر أموال الدولة.

ومن بين مظاهر هذا التجاهل، رفض مقترح تقدّم به العتيبي وأربعة نواب آخرين قبل حل مجلس الأمة في فبراير/ شباط 2024، لتعديل بعض أحكام القانون رقم 78 لعام 2019 في شأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة، ونصّ على حظر قبول أي شهادة غير معادلة من وزارة التعليم العالي عند توظيف أي شخص في الجهات الحكومية، ليؤدّي عدم اشتراط معادلة الشهادات إلى استمرار موظفين في العمل لأعوام عديدة عبر شهادات مزوّرة، بحسب البيانات التي كشفتها لجنة التحقيق البرلمانية التي شكّلتها وزارة التعليم العالي بالشراكة مع مجلس الوزراء والتي كشفت تحقيقاتها التي بدأت منذ عام 2015، واستمرت حتى منتصف عام 2022، وجود 142 كويتياً حصلوا على شهادات وهمية ومزورة من جامعات مصرية عدة، في ظاهرة تمثّل اتجاراً وتلاعباً علمياً يكشف التحقيق كيف حصل ولماذا ومن المسؤول عنه؟

 

طريق الترقية والامتيازات

يستحوذ الكويتيون على 79.6% من وظائف القطاع الحكومي، إذ يشغلون 451.5 ألف وظيفة من إجمالي 474 ألفاً، وفق تقرير أرقام سوق العمل في الكويت لعام 2024 والصادر عن الإدارة المركزية للإحصاء (حكومية).

و"يسعى الموظفون إلى تحصيل درجات علمية أكبر لنيل ميزات مالية ترافق المناصب القيادية في دولة توفر رواتب مجزية للعاملين في قطاعها الحكومي ولا تتوافر في مؤسسات القطاع الخاص، ما يدفع بعضهم للحصول على الشهادات المزورة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، والوصول إلى مناصب غير مستحقة والرواتب الكبيرة والامتيازات الوظيفية المتعددة"، بحسب العتيبي.

يشتري كويتيون شهادات مزوّرة عبر وسطاء يعملون في جامعات مصرية

وتشهد أروقة المحاكم منذ سنوات العديد من قضايا التلاعب في الشهادات الجامعية التي تُكتشف بين الحين والآخر، وفق تأكيد المحامي أحمد دشتي صاحب مجموعة احتكام القانونية بالكويت، الذي أشار إلى أنه مع نهاية عام 2022 بلغت الأزمة ذروتها بتسجيل 150 قضية، وفق رصد أجراه وزملاءه المحامين المطلعين على تلك القضايا.

وعقب تطبيق وزارة التعليم العالي آلية سنوية لمكافحة التزوير تشتمل على معادلة الشهادات منذ يوليو/ تموز 2021، تراجع العدد إلى 49 شهادة مزورة جديدة تقدم بها كويتيون للمؤسسات المشغلة بين عامي 2019 و2023، بحسب ما ذكره التقرير السنوي الرابع لاستراتيجية الكويت لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد​​​​​ لعام 2023، الصادر عن الهيئة العامة لمكافحة الفساد - نزاهة (حكومية) في مارس/ آذار 2024.

كيف يقع التزوير في مصر؟

توصلت لجنة التحقيق البرلمانية إلى أن وافداً مقيماً في الكويت تورّط في عمليات تزوير مجموعة من الشهادات التي اكتشفت حقيقتها، مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 300 و500 دينار (ما يعادل 1000 و1500 دولار) للشهادة الواحدة، واعترف بأن تلك الشهادات صادرة عن جامعات حقيقية في مصر لكنها وهمية، وبحسب رد اللجنة فإن التحريات جارية لاكتشاف المتورطين الآخرين.

"العربي الجديد" تتبع آلية تزوير الشهادات الجامعية في مصر، إذ خاض رحلة بحث طويلة للوصول إلى الطرف الأساسي في منظومة التزوير، وهو موظف في جامعة عين شمس بالقاهرة رفض الإفصاح عن اسمه للموافقة على الحديث، مقرّاً في تسجيل صوتي مع معد التحقيق الذي التقاه في العاصمة المصرية نهاية أغسطس/ آب المنصرم أنه نجح في استخراج مئات الشهادات المزورة من الجامعة لكويتيين وغيرهم ممن لجأوا إليه، وتم ذلك بمساعدة مجموعة من زملائه في العمل دون علم عميد الكلية التي يعمل فيها، في مقابل مبالغ مالية كبيرة تجاوزت ثلاثة آلاف دولار للشهادة الواحدة، مستغلّاً أن النظام المتبع في الجامعات المصرية يسمح لبعض المتنفذين أو المرتشين باختراقه وصولاً لإصدار شهادات وهمية دون أن يكون الحاصل على الشهادة قد درس فعلا في الجامعة.

آلية تزوير الشهادات الجامعية في مصر

وتبدأ القصة عندما يتواصل معه أحد الوسطاء المصريين "الذين يتعامل معهم ويعتبرهم محل ثقة" على حد تعبيره، طالباً منه إعداد شهادة مزوّرة لأحد الزبائن، ويتم الاتفاق على المبلغ المطلوب بحسب جنسية الشخص، "ويستغرق الأمر وقتاً لانتظار الفترة الأمثل، وهي نهاية العام؛ أي وقت إصدار آلاف الشهادات للخريجين، ما يسمح بدسّ الشهادات المؤقتة المزورة ضمن الحقيقية".

الصورة
نموذج للشهادة المؤقتة (العربي الجديد)
نموذج للشهادة المؤقتة التي يمكن تمريرها لمكتب عميد الكلية لختمها واعتمادها لشخص لم يدرس في الجامعة (العربي الجديد)

و"يحصل الخريج على الشهادة المؤقتة أولاً، وهي التي يمكن تزويرها بتمريرها إلى مكتب عميد الكلية لتوقيعها وختمها دون أن يدري أحد، ويمكن للشخص الذي يحصل عليها التقدّم إلى وظيفة في الخارج ضمن الاختصاص المذكور في الشهادة"، كما يقول الموظف. ولا يمكن للحاصل على شهادة مزوّرة تصديقها من الجهات الرسمية في مصر أو سفارة دولته، لأنه لا أساس لتلك الشهادة التي تعتبر مجرد ورقة لا يعتدّ بها وصاحبها ليست له أي بيانات في الجامعة، وهو الأمر الذي تنبهت له العديد من الدول مؤخراً، وبالأخص الكويت التي باتت تشترط على الحاصلين على شهادات من جامعات خارجية تقديم النسخة الأصلية مصدقة وموثقة من الخارجية المصرية والقنصلية الكويتية في القاهرة في حال كان الشخص ملتحقاً بجامعة مصرية، وهذا التشدد لم يكن قبل عام 2019، إذ كانت نسبة تزوير الشهادات تصل إلى 10% سنوياً، لوجود طلب كبير، بخاصة من الخليجيين، "وهؤلاء لا يعملون في البلاد، وبالتالي فإن تزوير شهادة جامعية لن يضرّني في شيء، كونه سوف يسافر إلى بلده ولن يستخدم تلك الشهادة المزوّرة في مصر"، يقول المصدر، كاشفاً أنه زور شهادات لمصريين أيضاً للعمل بها في الخارج، "أحدهم تخرج فنّيّاً صناعياً من معهد وطلب شهادة بكالوريوس في الهندسة زوّرتها له ليعمل بموجبها في أستراليا".

 

مبالغ هائلة

تكشف الوثيقة التي حصل عليها "العربي الجديد" برقم 754518 والصادرة بتاريخ 30 مايو/ أيار 2024 عن وكيل وزارة التربية بالتكليف، متروك المطيري، وموجهة إلى وكيل وزارة التعليم العالي، أن وزارة التربية خاطبت ديوان الخدمة المدنية بشأن أربعة من العاملين ممن جمعوا بين الوظيفة والدراسة وحصلوا على شهادات مزوّرة، ليتم سحب البدلات منهم، وتشير الوثيقة إلى أن التحريات جارية بشأن الموظفين لدى الوزارة الحاصلين على شهادات للدراسات العليا ممن التحقوا منذ عام 2019 وعددهم 2730 شخصاً.

ولا تقتصر مراجعة الشهادات على وزارة التربية، إنما وجّه ديوان الخدمة المدنية في 2 يناير/ كانون الثاني 2024 مخاطبات إلى جميع الوزارات والجهات الحكومية الخاضعة لرقابته، لتزويده بالبيانات الكاملة عن الشهادات الدراسية العليا (فوق الثانوية) لجميع الموظفين من المواطنين والمقيمين الحاصلين عليها بعد عام 2000 لاكتشاف المزورة منها.

الصورة
اكتشاف موظفين يحملون شهادات مزورة في الكويت (العربي الجديد)
ديوان الخدمة المدنية يجري مراجعة لشهادات جميع الموظفين من المواطنين والمقيمين ممن حصلوا عليها بعد عام 2000 لاكتشاف المزورة منها (العربي الجديد)

ويحصل حامل شهادة الدكتوراه في وزارة التربية على بدل شهادة يعادل 400 دينار شهرياً (1302 دولار)، أي ما مجموعه 4800 دينار سنوياً (15.620 دولاراً)، فيما يحصل حامل شهادة الماجستير على 200 دينار شهرياً (650 دولاراً)، أي 2400 دينار سنوياً (7810 دولارات)، أما الحاصلون على شهادة دكتوراه من أعضاء الوظائف الإدارية فيبلغ حجم الزيادة الشهرية على رواتبهم 150 ديناراً (488 دولاراً) أي ما مجموعه 1800 دينار سنوياً (5858 دولاراً)، بينما يزداد الراتب الشهري لمن يحصل على شهادة ماجستير من أعضاء الوظائف الإدارية بمقدار 75 ديناراً شهرياً (244 دولاراً)، أي 900 دينار سنوياً (2930 دولاراً)، بحسب توضيح المطيري لـ"العربي الجديد".

 

استرداد البدلات

فور اكتشاف التزوير في شهادة الموظف يجرى إبلاغ وزارة التعليم العالي لإلغاء بياناته من نظام التوظيف مع وقف البدل وترتيب المديونية المستحقة عليه منذ تاريخ الصرف بعد الحصول على المؤهل المزور، تزامناً مع إحالته إلى النيابة العامة للتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية.

150 قضية تزوير شهادات نظرتها المحاكم الكويتية حتى نهاية 2022

ويحق للقاضي أن يعاقب المدان بالتزوير في هذه الحالة برد المبلغ مضافاً إليه كغرامة قدرها ضعف أو ضعفي إجمالي المبلغ الذي حصل عليه منذ بدء صرف الزيادة، حسب قرار القاضي وتقديره، بحسب توضيح المحامي دشتي، مستدلاً بإحدى القضايا التي تولّى العمل عليها وهي خاصة بمواطنة كويتية، زوّرت شهادة بكالوريوس في تخصص التربية من جامعة عين شمس المصرية منذ 12 عاماً عبر تواصلها مع وسيط كويتي أحالها بدوره إلى آخر مصري أعدّ لها شهادة مزورة، وكانت في الوقت هذا تعمل مدرّسة لمادة الاجتماعيات منذ تعيينها في عام 2004 بعد حصولها على شهادة المرحلة الثانوية (الصف الثاني عشر)، إذ يحق للكويتيين الذين أتموا المرحلة الثانوية العمل في الوزارات والإدارات والمؤسسات والهيئات العامة والشركات المملوكة للدولة أو التي تساهم فيها بنسبة لا تقل عن 51%، وفي القطاع العسكري أيضاً، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الرسمي لديوان الخدمة المدنية.

وبعد حصولها على شهادة البكالوريوس المزوّرة، يكمل دشتي، أنها حدّثت مؤهلاتها العلمية على النظام المرتبط بديوان الخدمة، وأصبحت مستحقة للزيادة في الراتب، وبالفعل نالت 30 ديناراً كويتياً كزيادة شهرية (100 دولار)، ولدى اكتشاف أمرها جرت إحالتها إلى القضاء لارتكاب جناية تزوير، وفي فبراير الماضي، قضت المحكمة بعد سنوات من التقاضي بردّ جميع المبالغ التي حصلت عليها دون وجه حق إلى الدولة، بالإضافة لغرامة مالية بقيمة 100% من إجمالي المبلغ المسترد، لكنها لم تخسر وظيفتها.