طيران المقاومة... تصنيع محلي لاحتياجات معركة السابع من أكتوبر

مقاومة 1
22 أكتوبر 2023
+ الخط -

تكشف مجريات معركة السابع من أكتوبر عن تطور التصنيع المحلي لسلاح المقاومة، إذ استخدمت ثلاثة أنواع من الطائرات التي ساهمت في نجاح أهدافها ابتداء من تدمير منظومة السيطرة والقيادة الإسرائيلية وصولاً إلى الإنزال الجوي.

- استفاق الأربعيني الغزي محمود النجار وجيرانه في ساعة مبكرة من صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، على إطلاق مكثف للصواريخ من قبل المقاومة وهي أصوات صارت "معتادة" كما يصفها، غير أنهم هذه المرة فوجئوا بمقاومين يطيرون في السماء وآخرين يعملون على اللحاق بهم بواسطة محركات مزودة بمروحة كبيرة ومظلة طيران ترفعها لتحلق عاليا.

ويقطن النجار شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، ويقول إنه وجيرانه تساءلوا عن ماهية هذه الأجسام الطائرة، وإلى أين تتجه، وما هي إلا دقائق حتى شوهدت تهبط داخل غلاف غزة، بعد اجتياز الجدار والعوائق الأمنية شرق القطاع، ليبدأ بعدها دوي إطلاق النار والانفجارات، التي نجمت عن اشتباك عناصر المقاومة مع جنود الاحتلال المكلفين بحماية الحدود.

تصنيع محلي لاحتياجات المعركة

تمكنت حركة "حماس"، من تصنيع نموذج فريد من طائرات إنزال المظليين، عبر الجمع بين محرك الدراجات النارية والمظلات، وتمكنت من التحليق لمسافة بين 3 و5 كيلومترات، وهي كافية للوصول إلى الأهداف، بحسب إفادة المحلل العسكري اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي.

وتتراوح تكلفة المظلة الآلية التي تعمل بالطاقة (powered parachute أو motorised parachute) بين 1500 دولار أميركي و4 آلاف دولار، وتعد نوعا من الطائرات البسيطة التي تتكون من مظلة مع محرك وعجلات وسرعتها من 40 إلى 60 كم/ساعة وأقصى ارتفاع يمكن أن تصل إليه 5 كيلومترات، ويمكن تصنيفا باعتبارها مركبة صغيرة بثلاثة إطارات معلقة بمظلة شراعية ومجهزة بخزان وقود في حده الأقصى يكفي ما بين ساعة وثلاث ساعات، وتجمع تلك الطائرات الشراعية بين ميزة المظلة التقليدية، وقوة الدفع التي توفرها المحركات، لمنحها القدرة على الانطلاق من الأرض بقوة دفع يمكن التحكم بها بواسطة المظلي ولم تتمكن "القبة الحديدية" التي تتركز بطارياتها في محيط القطاع، من إسقاطها لكونها غير مؤهلة لاستهداف الأجسام التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة، كما أنها مصممة من مواد ذات بصمة ردارية (المقطع الذي يستطيع الرادار رؤيته من الطائرة) قليلة مثل الأعواد الخشبية والحديدية الخفيفة بهدف إعطاء الطائرات قوة دفع عالية، وبحسب الخبير الاستراتيجي والعسكري إبراهيم حبيب، المحاضر في كليات أمنية وشرطية بغزة، فإن تلك الطائرات كانت المفاجأة الأبرز في المعركة، ولها الفضل الأكبر في نجاحها، وتجاوز أكبر عائق دفاعي في فلسطين بل في المنطقة بأسرها، والمسمى بالجدار الذكي، الذي استغرق بناؤه ثلاث سنوات، بتكلفة قاربت 4 مليارات شيكل (مليار دولار أميركي)، وبطول 65 كيلومترا، إذ يلتف حول قطاع غزة من الناحيتين الشرقية والشمالية، ويمتد إلى عمق كبير تحت الأرض، ومزود بوسائل مراقبة الكترونية متطورة، وله هدف واحد، منع التسلل إلى غلاف غزة.

ثلاث مهمات لطائرات المقاومة

استوحت المقاومة خطة اقتحام غلاف غزة من تدمير خط بارليف في حرب أكتوبر عام 1973، كما يقول اللواء الشرقاوي، مشيدا بنجاح خطة التضليل التي استمرت لأشهر وظهرت خلالها "حماس" بأنها لا ترغب في الحرب، بينما كانت تعد للمعركة.

تتراوح تكلفة المظلة الآلية التي تعمل بالطاقة بين 1500 و4 آلاف دولار

وأكد أن تنفيذ العملية استخدم نفس أسلوب حرب أكتوبر، باستغلال فترات خمول عند الإسرائيليين في عيدهم، واختيار يوم إجازتهم، وفي الصباح الباكر، وهذا كله أسهم في إنجاح العملية، لكن الجزء الأهم في نجاحها، يضيف الشرقاوي، أنه كان في طريقة الهجوم وشكله، عبر الاستخدام البارع للطائرات، وقسمها لثلاث أنواع حسب المهمات.

النوع الأول استطلاعية مُسيرة، مهمتها جمع المعلومات، وتحديد نقاط تمركز القوات، خاصة الدبابات، ومراكز السيطرة، والثاني عبارة عن مُسيرات محملة بقذائف، عملت على تدمير الربوتات الآلية، ومراكز الاتصال والتحكم، والدبابات، ثم جاء النوع الثالث وهو الأهم، وهي طائرات الإنزال المحملة بالمقاتلين، وفق ما رصده الشرقاوي والخبير العسكري رامي أبو زبيدة.

و"نجح مسلحو حماس بالسيطرة أولاً على 8 مواقع للجيش في فرقة غزة، ودمروا الأسلحة، ومراكز الاتصالات والمراقبة، ما أدى إلى تعطيل قدرات القيادة والسيطرة، كما توجهت فرقة من نخبة المقاتلين إلى حاجز بيت حانون "إيريز" وقامت بتدميره، ثم فتحوا بواباته وتوجهوا نحو بلدة "سديروت" ثم فجروا البوابات ومناطق عند السياج مما سهل الوصول لباقي القوات براً ودون أي عائق" كما تؤكد مصادر التحقيق ومن بينها مصدر عسكري مطلع رفض الكشف عن هويته لخطورة الأمر، قائلا إن ما حدث كان عملية إنزال جوي فريدة وجديدة، شكلت الحلقة الأهم في نجاح الاقتحام، إذ إن عشرات المقاتلين هبطوا عبر طائرات شراعية صنعتها المقاومة بأبسط المواد في ظل ظروف الحصار ومنع العديد من المواد من دخول القطاع.

لكن المقاومة صممت الطائرات بطريقة جديدة وفريدة، تتواءم مع جغرافية وطبيعة الأرض، حتى يمكن لها التحليق بواسطة المحرك، مع إمكانية توجيهها، وهبوطها في منطقة العمليات، كما يقول المحلل العسكري أبو زبيدة مشيرا إلى أهمية إفشال منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية بعد تدمير ممنهج لمراكز الرصد والتحكم.

ولم تستغرق عملية الوصول إلى المواقع العسكرية وقتا طويلا، وهذا ما شكل صدمة ومفاجأة للجنود الإسرائيليين، ممن استفاقوا على المقاومين فوق رؤوسهم، وشل قدرتهم، وأحدث لديهم رعبا وهلعا، حتى أن الكثير من الجنود أسروا وقتلوا ومعهم سلاحهم ولم يستطيعوا إطلاق رصاصة واحدة، حسب ما يؤكده حبيب.

توقيت مثالي يناسب أهم خطوات المعركة

جرى اختيار توقيت مثالي من حيث الطقس الملائم واختيار ساعات الصباح الباكر حين تكون سرعة الرياح ملائمة كما يوضح الشرقاوي، وهو ما ساعد على سلاسة وسهولة انطلاق المظلات العاملة بالطاقة، دون وجود ما يعيقها أو يسقطها وبالتالي تمكنت قوات النخبة من الاقتحام ومن ثم دخلت موجات القوات الرديفة عبر درجات نارية ومركبات دفع رباعي، وحتى بعضهم سيراً على الأقدام.

خطة فتح ثغرات في الجدار المحيط بغزة مستوحاة من تدمير خط بارليف

وبلغت سرعة الرياح في توقيت تنفيذ العملية ما بين 4 و6 كيلومترات في الساعة، وتعد منخفضة جدا بحسب موقع وتطبيق "Windy" المتخصص بأحوال الطقس وهذه السرعة مناسبة للطيران الشراعي، إذ يجب ألا تتعدى سرعة الرياح 15 كيلومترا في الساعة، من أجل تحليق مناسب وآمن للطائرة الشراعية، في حين يؤكد الخبراء أنه يمكن التحليق بسرعة رياح أعلى على أن لا تتجاوز 20 كيلومترا في الساعة، وتغلبت تلك الطائرات على معضلة عدم وجود مرتفعات تساعد على انطلاقها في القطاع، عبر الاعتماد على مروحة المحرك للدفع والمظلة للطيران، ووفق الشرقاوي فإن البصمة الردارية لها منخفضة جدا، كما أن تزامن انطلاقها مع إطلاق مكثف لمئات الصواريخ التي ملأت السماء، خلق حالة من الإرباك والتشويش في رادارات الاحتلال التي عجزت عن اكتشافها في ظل تحليقها المنخفض، وقصر المسافة التي قطعتها.

الصورة
مقاومة 2
صنعت المقاومة الطائرات الشراعية من أبسط المواد في ظل الحصار على غزة (Getty)

وتصنع المظلة من قماش النايلون الذي لا ينفذ الهواء من خلاله، وتنتفخ بعد امتلائها بالهواء وبالتالي يمكن للمقاوم الطيران ثم الهبوط على الهدف وفق المهمة المحددة، وعن طريقة عمل تلك الطائرات قال البروفيسور ذيب غنيم المتخصص في علم الفيزياء، ومؤلف كتاب "الكهربية والمغناطيسية"، بأن المروحة الكبيرة تستخدم للدفع الهوائي عبر تشغيل المحرك الذي يمكن المروحة من الدوران، وتنطلق الدراجة مسرعة إلى الأمام وبمساعدة مروحة الدفع الهوائي يبدأ "تجميع" الهواء داخل المظلة الشراعية، فترتفع شيئا فشيئا إلى الأعلى، بالتحكم في بعض الزعانف المرتبطة بالشراع ويدير دفتها من يستقلها، ويوجهها بواسطة ذراعين على جانبيها، وعند ارتفاعها في السماء تعتمد حركة الوحدة على مروحة الدفع الهوائي، الذي يعمل شبيها لتوربين الطائرة، وعند الهبوط يتم ذلك عبر تخفيف حركة المروحة شيئاً فشيئاً من خلال تقليل تدفق الوقود للمحرك، مع استخدام حركة الزعانف المخصصة مما يؤدي الى الهبوط التدريجي السلس الى أن تستقر على الأرض.

ويأتي استخدام الطائرات الشراعية في اقتحام مواقع الاحتلال كامتداد لما سبق وقامت به المقاومة، في نوفمبر/تشرين الثاني 1987 إذ نفذ أربعة مقاتلين فلسطينيين وعرب هجوما واستهدفوا معسكر "غيبور" القريب من منطقة بيت هلال في فلسطين المحتلة، وقتل ستة جنود إسرائيليين وأصابوا آخرين.

لماذا انهارت الدفاعات الإسرائيلية سريعاً؟

في شهر مايو/أيار، من العام الماضي أعلن قائد فرقة غزة في جيش الاحتلال الإسرائيلي نمرود ألوني، عن رصد تشكيل حركة حماس لوحدة "مظليين" قادرة على تجاوز الحدود، وتمتلك طائرات شراعية بمحرك (تركترون طائر)، وأضاف قائد فرقة غزة خلال حديثه مع مستوطني غلاف غزة: "مهندسو حماس تمكنوا من صناعة هذا النموذج الخطير".

ويؤكد حبيب أن نجاح الاستعداد وتصنيع ما تحتاجه المعركة أسفر عن تدمير خطوط دفاع العدو، وأدى إلى تدفق المقاومين وحتى مواطنين عاديين تمكنوا من الدخول إلى بلدات غلاف غزة دون عائق، كما تواصلت عمليات اقتحام الحدود في اليوم الثاني والثالث من العملية، إذ أعلنت "كتائب القسام"، عن تمكنها من أسر مجموعة جديدة من الجنود الإسرائيليين ونقلهم لغزة، مساء الثامن من أكتوبر، وإرسال تعزيزات، واستبدال مجموعات، وهو ما يشكل فشلا إضافيا.

لكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ يتوقع حبيب تأثيرات ديمغرافية واسعة، قائلا :"سكان غلاف غزة بعضهم سيغادر بلا عودة، لأن مهما جرى بعد ذلك، أصبحت تلك المناطق غير آمنة، ناهيك عن تطوير المقاومة لسلاحها الفعال، وتحسين قدراتها مستقبلا".