تحقيق الكويت1
12 مارس 2023
+ الخط -

تهاجم قوارب قراصنة ينشطون في الخليج العربي ويعرفون بـ"السلابة" صيادين كويتيين يعملون في المياه الاقتصادية للبلاد، وينهبون معدات وتجهيزات القوارب وحصيلة اليوم، بينما يعمل خفر السواحل والجيش على التصدي لهم.

- قرر الخمسيني المصري عطا الله السيد خلف ترك عمله في مهنة الصيد بالكويت والعودة إلى بلاده عقب الحادثة "المخيفة"، التي تعرض لها هو ورفاقه، في 13 يونيو/حزيران 2020، إذ اعترضهم 3 قراصنة أو "سلّابة" كما يطلق عليهم في الكويت، أثناء تواجدهم في المياه الاقتصادية وتحديدا على بعد 15 ميلا عن الشاطئ.

ورغم حالة الاستسلام التام التي أظهرها الصيادون، إلا أن السلابة، ومن أجل الحصول على أكبر غنيمة، روعوهم عبر قطع إصبع أحدهم، ما أدخلهم في نوبة غضب وهيجان وتمكنوا من مهاجمتهم والسيطرة على أحدهم وتسليمه إلى خفر السواحل الكويتية، كما يقول عطا لله لـ"العربي الجديد".

ويتزايد تهديد القراصنة لحياة الصيادين وممتلكاتهم في المياه الاقتصادية الواقعة بعد انتهاء عرض البحر الإقليمي لدولة الكويت بمسافة اثني عشر ميلا بحريا مقيسة من خطوط القاعدة الخاصة بالبر الرئيسي والجزر الكويتية، بحسب إفادة رئيس الاتحاد الكويتي لصيادي الأسماك ظاهر الصويان، والذي يوضح لـ"العربي الجديد" أن العصابات البحرية تتسلل إلى المياه الاقتصادية لتنهب ما تحمله القوارب الكويتية من معدات وأسماك، مشيرا إلى أن هذه المناطق البحرية تابعة للكويت، وفقا للمرسوم رقم 317 لعام 2014 بشأن تحديد المناطق البحرية لدولة الكويت، إذ تنص المادة 6 منه على أن: "تكون لدولة الكويت منطقة اقتصادية خالصة تقع مباشرة وراء بحرها الإقليمي (يمتد لمسافة اثني عشر ميلاً بحرياً) وملاصقة له وتمتد إلى الحدود البحرية مع الدول المجاورة والمقابلة لدولة الكويت، تمارس فيها ذات الحقوق والصلاحيات التي تمارسها في بحرها الإقليمي في ما يتعلق بالمواد والثروات الطبيعية بالإضافة إلى الحقوق والصلاحيات المقررة بالمادة 56 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المشار إليها".

تهديد قطاع الصيد

على الرغم من محاولات خفر السواحل والجيش التصدي للسلابة "لكنهم يتزايدون"، كما يقول الصويان، محذرا من تداعيات خطرهم على قطاع الصيد الكويتي، والذي يساهم في الحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد عبر تزويد السوق المحلي بـ 40% من الأسماك والقشريات، بحسب بيانات الاتحاد الكويتي لصيادي الأسماك، وتبدو خطورة الأمر في تخوف الصويان من التداعيات المادية والنفسية التي تهدد 3000 شخص يعملون في المهنة، حسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من الهيئة العامة للبيئة والثروة السمكية، قائلا: "خلال عام 2022 سلب 85 لنشا، وقد يُسلب لنشان أو ثلاثة خلال يوم واحد"، موضحا أن القراصنة يطلقون النار على زجاج القوارب ويجبرون طواقم الصيد على التوقف، ومن ثم يسرقون المعدات وأجهزة الملاحة والهواتف النقالة وجميع المتعلقات الشخصية، وبالطبع حصيلة الصيد، ما كبد أصحاب التراخيص خسائر فادحة، خاصة أن هناك قوارب تعرضت للسلب عدة مرات خلال شهر واحد، ويصعب إعادة تجهيزها مرة أخرى بالمعدات عالية التكلفة.

سلب القراصنة 85 لنشاً كويتيا خلال عام 2022

في المقابل، لا يحمل الصيادون سلاحا للدفاع عن أنفسهم ما حدا بمن قابلهم معد التحقيق إلى المطالبة بتغيير القانون وتسهيل ترخيص أسلحة تساعدهم في حماية أنفسهم ضد السلابة الذين لا يمكن التصدي لهم بأيد خالية وبالتالي ليس أمامهم من خيار سوى ترك كل شيء خلفهم والفرار في محاولة للنجاة بأرواحهم كما يقول الأربعيني محمود إبراهيم عزالرجال، والذي يعمل في شركة صيد كويتية تشغل 20 صيادا على 8 مراكب (طلب عدم ذكر اسمها حتى لا يتضرر عمله).

وتعرض عز الرجال و6 من زملائه لهجوم من 4 قراصنة أثناء عملهم على بعد 12 ميلا من الشاطئ، في 13 يونيو/حزيران 2022، إذ اعترضوا طريق عودتهم في نهاية يوم عمل شاق وهددوهم بالقتل، وطلبوا منهم التوقف وتفريغ حمولتهم وتسليمهم جميع المتعلقات الثمينة من هواتف ونقود، ولم يكن أمام الصيادين من بد سوى الاستجابة لمطالبهم خوفا على أرواحهم ومن أجل أن يعودوا إلى الكويت، مؤكدا أن عدم مقاومتهم حافظت على حياتهم ومشيرا إلى أنهم عرفوا بأن القراصنة إيرانيون من خلال حديثهم معهم.

أين يزداد خطر القراصنة؟

وصلت حالات القرصنة في السنوات العشر الأخيرة إلى 500 حالة، وفق تقديرات الصويان، مشيرا إلى أنها ظاهرة مستمرة منذ 20 عاما، وما زالت المحاولات جارية للقضاء عليها كليا من قبل خفر السواحل والجيش الكويتي، لكن أكثر الفترات التي شهدت نشاطا كبيرا للسلابة كانت قبل 8 سنوات، وهي الفترة التي سبقت توقيع اتفاقية أمنية ثلاثية بين الكويت وإيران والعراق، لمكافحة أنشطة التهريب والسلابة الناشطين في مياه الخليج العربي.

الصورة
تحقيق الكويت 2

وتصدر الإدارة العامة لخفر السواحل الكويتية تعميمات مستمرة وموجهة إلى الصيادين للتشديد على ممارسة عملهم في أماكن الصيد بالمياه الإقليمية الكويتية الخاضعة للمراقبة والحماية من قبل قوات خفر السواحل، أما قوارب الصيد التي تخرج إلى المياه الاقتصادية فلها مسارات محددة، تفاديا لمواجهة مجموعات القراصنة القادمين من الدول المجاورة وعلى رأسها إيران والعراق، لقرب المسافة معهما، لكن ابتعاد بعض الصيادين عن تلك المسارات سعيا للحصول على كميات أكبر من الأسماك أو أنوع أخرى من الكائنات البحرية التي لا تعيش إلا في أعماق الخليج العربي يعرض بعضهم لهجمات القراصنة الموجودين في الخليج العربي بين الحين والآخر ويعترضون سبيل من يضل طريقه، خاصة على مسافة 14 ميلا بحريا من الشاطئ الكويتي، كما يوضح مصدر أمني في الإدارة العامة لخفر السواحل الكويتية رفض الإفصاح عن اسمه لعدم حصوله على تصريح بالتحدث مع وسائل الإعلام.

يستولي القراصنة على تجهيزات القارب وحصيلة الصيد

لكن كيف تخترق عصابات السلابة المياه الاقتصادية؟ يرد المصدر الأمني على السؤال السابق بأن القراصنة لا يخترقون مياه الكويت الإقليمية ولكنهم يتواجدون في المياه الاقتصادية، وبالتالي ليس من مسؤولية خفر السواحل مواجهتهم، مشيرا إلى أن حالات اختراق المياه الإقليمية نادرة ويتم التعامل مع المخترقين فورا من خلال رصد التحركات غير المجدولة في المنطقة البحرية، وعبر تلبية نداء الاستغاثة القادم من الصيادين، وفي أغلب الأحوال يفر السلابة سريعا خوفا من التعمق داخل المياه الإقليمية لأنهم يعرفون أن قوات خفر السواحل ستصل إليهم سريعا، كما حصل في الثاني من يونيو الماضي، إذ تمكن خفر السواحل من ضبط طراد إيراني دأب على سلب لنشات الصيد الكويتية في المياه الإقليمية والاقتصادية قرب جزيرة أرياق قارورة البحرية، بعد ورود بلاغ من صيادين تعرضوا للسلب بالقرب من الموقع، لكن الصويان يرى أن الوضع يتطلب توفير المزيد من نقاط الحماية التابعة للجيش الكويتي في مياه الخليج حتى يستطيع الصيادون الاستمرار في عملهم دون خوف، مع ضرورة التنسيق بشكل أكبر مع دول الجوار، وتحديداً إيران والعراق، للقضاء على ظاهرة القراصنة من المنبع، من خلال تشديد نقاط الحراسة البحرية.

وعززت الكويت منظومتها الأمنية البحرية من خلال شراء مجموعة من الرادارات الحرارية الحديثة، والتي ترصد حركة أي أجسام غريبة قد تدخل إلى المياه الإقليمية الكويتية أو تخرج منها، وبالتالي يمكن متابعة ورصد أي محاولة من القوارب غير المرخص لها بدخول المياه الإقليمية واعتراض طريقها والتعامل معها، كما يقول المصدر الأمني الكويتي، مضيفا أن المسؤولية أولا وأخيرا تقع على عاتق الصيادين الذين عليهم الالتزام بالتعليمات وعدم الخروج إلى المياه الاقتصادية والاكتفاء بالصيد في المياه الإقليمية.

وعندما يضبط خفر السواحل القراصنة، سواء في المياه الإقليمية، أو الاقتصادية، يجري تحويلهم إلى القضاء الكويتي، الذي يتعامل مع تلك الحالات وفق قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لعام 1960، الذي يصنف الجرائم بحسب مجرياتها إلى جنايات وجنح، والجنايات هي الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس المؤبد أو الإعدام في حالة وفاة أي ضحية بسبب مهاجمة القوارب، أما الجنح، كالسرقة والنهب، فعقوبتها الحبس المؤقت لمدة 3 سنوات.

خسائر كبيرة

يجيد القراصنة فنون التسلل والهروب بسرعة في مياه الخليج العربي، ما قد يؤدي إلى فشل هروب الصيادين منهم، لاسيما أنهم مدججون بالأسلحة ويتعمدون ترهيب الضحايا، كما يقول راشد الشطي مالك أحد قوارب الصيد، مبينا أن تكلفة إعادة تجهيز القارب وتزويده بمعدات السلامة والأجهزة اللاسلكية من جديد تقارب 1600 دينار كويتي (5218 دولارا) بخلاف خسائر الصيد والتي تتراوح بين 300 دينار و500 دينار أي ما يتراوح بين 978 دولارا و1630 دولارا، ويحدد الشطي تلك الأرقام من واقع تجربته، إذ خسر قبل 3 أعوام أحد قوارب الصيد الذي استولى عليه السلابة، مقدرا خسارته بـ 10 آلاف دينار، أي ما يعادل 32612 دولارا.

تحقيق الكويت 3

ويجمع 7 صيادين وملاك قوارب التقى بهم معد التحقيق في ديوانية صيادي منطقة شرق ووسط مدينة الكويت، على حجم الخسائر الكبيرة وما يفاقم معاناتهم أنهم في حال التقدم إلى وزارة الداخلية بشكوى من التعرض للسلب في البحر يواجهون خيارين كلاهما مر، أولهما أن تسجل شكوى وبالتالي يتم حجز القارب حتى صدور حكم نهائي في القضية، بحسب توضيح الصياد سعد إبراهيم، المطلع على ما حدث مع زملاء مروا بالتجربة، معتبرا الأمر بمثابة كارثة لأن المتهم مجهول وبالتالي فان انتظار إصدار حكم نهائي والإفراج عن القارب قد يستغرق 3 أشهر ما يؤدي إلى خسائر تتضاعف يوما وراء يوم، أما الخيار الثاني فهو أن يُترك الأمر يمر مرور الكرام وبالتالي يخسر الصياد ومالك القارب أموالهم دون الحصول على أي تعويض، كما يقول الصياد عز الرجال الذي صار يشعر بقلق وخوف دائمين، بعد أن تعرض لهجوم السلابة، حتى أنه طالب إدارة الشركة بتشغيله في أي شيء عدا الخروج إلى البحر بعدما كادت حياته تنتهي في لحظة هو ومن معه، لكن الشركة طلبت منه الحصول على أسبوع عطلة حتى يستعيد عافيته ويعود مرة أخرى إلى مصدر رزقه الذي يخشى أن يذهب ضحية له.