رهائن المساومات السياسية [3-4]... عراقيون يرفضون العودة والموت في غابات أوروبا

بغداد

محمد الزيدي

avata
محمد الزيدي
22 نوفمبر 2021
استغلال بيلاروسيا لأزمة المهاجرين
+ الخط -

لم تدم فرحة العشريني العراقي أمير توفيق طويلا بعد تمكنه من الوصول إلى ليتوانيا برفقة ثمانية عراقيين تعرف إليهم عقب وصوله إلى بيلاروسيا في التاسع من يوليو/تموز الماضي، إذ أجبروا على تسليم أنفسهم للقوات الليتوانية، نتيجة احتياجهم لمراجعة مستشفى لتدارك تدهور صحة أحدهم، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "عانينا في الغابات بين بيلاروسيا وليتوانيا وسط موجات البرد القارص، وتناولنا أوراق الأشجار سداً للجوع وشربنا من مياه غير صالحة، وفي النهاية فشلنا في تحقيق مبتغانا".

وقرر توفيق المتحدر من محافظة النجف، الهجرة بحثا عن ملاذ آمن يقضي به ما تبقى من حياته بعيداً عن أزيز الرصاص وتهديد المسلحين، بعد إطلاق النار عليه من قبل عناصر مجهولة في ساحة الخلاني وسط بغداد مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019 إثر مشاركته في التظاهرات الشعبية المنددة بالأداء الحكومي، ثم اختطافه لمدة ثلاثة أيام من قبل جماعات مسلحة مجهولة في مايو/أيار 2021، مضيفا أنه اشترى فيزا سياحية من أحد مكاتب السياحة والسفر في ضاحية السعدون وسط بغداد مقابل 1100 دولار أميركي بحثا عن وطن آمن. لكنه بدلا من ذلك عاش أوضاعا مزرية، مع 230 لاجئا عراقيا في مخيم غير مؤهل أقيم على عجل ويضم مهاجرين متواجدين على الحدود الليتوانية البيلاروسية، قائلا :"نتناول وجبة طعام واحدة خلال اليوم".

المهاجرون محاصرون في كرفانات مهترئة

يؤكد مرصد أفاد الحقوقي (مستقل)، وجود 700 عراقي محاصرين على الحدود البيلاروسية البولندية، ونحو 300 آخرين عالقين بظروف سيئة مماثلة بين بيلاروسيا وكل من دولتي ليتوانيا ولاتفيا. ويقول زياد السنجري المتحدث باسم المرصد لـ"العربي الجديد" :"العالقون يعانون من ظروف جوية وصحية قاسية، مشيرا إلى أن تعامل السلطات معهم لا يراعي معاناتهم ولا حقوقهم الإنسانية إذ توفي عراقيون داخل الغابات، نتيجة انخفاض درجة الحرارة، وآخرون تعرضوا لإهمال طبي، متعمد من السلطات البولندية".

ووفقاً لاتصالات هاتفية أجراها معد التحقيق مع عدد من المهاجرين على الحدود البولندية فإن قرابة 500 عائلة عراقية، تترقب مصيرا مجهولا على الحدود البيلاروسية الليتوانية، بعدما احتجزتها القوات الليتوانية في مخيم عبارة عن كرفانات مهترئة منذ 21 يوليو/تموز الماضي، ومن بينهم ذو الفقار المالكي (32 عاما)، مضيفا لـ"العربي الجديد": "لا نجد ما نأكله، ومرعوبون ومصيرنا مجهول" لكنه يؤكد عدم رغبة العوائل المهاجرة بالعودة إلى البلاد، حتى وإن ماتت برداً وجوعاً على الحدود. 

وترافق الشاب الذي يعمل موظفاً في قسم طباعة الكتب والمناهج الدراسية في وزارة التربية العراقية، زوجته المحامية، وطفلهما الرضيع البالغ عاما ونصف العام، كما يروي مضيفا، "القوات الليتوانية تمنعنا من مغادرة المخيم وتهدد من يحاول ذلك بالسجن لمدة 6 أشهر"، مشيراً إلى أنهم نظموا تظاهرات داخل المخيم مطلع شهر أغسطس/آب الماضي، للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي البائس، لكن القوات الليتوانية قمعتهم بعنف مفرط، وقطعت عنهم شبكة الإنترنت والتيار الكهربائي لمدة يومين".

الصورة
مهاجرون

الانتهاكات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها المهاجرون العراقيون، يؤكدها عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية فاضل الغراوي قائلا "المهاجرون العراقيون العالقون عند حدود بعض دول الاتحاد الأوروبي تعرضوا لانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان، تسببت بإلحاق أضرار جسدية ونفسية في العشرات منهم".

وبحسب الغراوي، فإن حرس الحدود في بولندا وليتونيا ضربوا المهاجرين وتعمدوا إهانتهم وعدم فتح مخيمات إيواء لهم على حدود البلدين، وتركوهم في الغابات يواجهون أقسى الظروف المناخية إذ وصلت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، داعياً وزارتي الخارجية والهجرة العراقيتين إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية والإنسانية للضغط على مختلف دول الاتحاد الأوروبي لتقديم الدعم الإنساني للمهاجرين، وترغيبهم في العودة الطوعية.

من المستفيد من سفر المهاجرين غير النظاميين؟

يكشف مسؤول عراقي في إدارة عمليات وزارة الهجرة في بغداد، عن وجود "شبكات سمسرة ومكاتب سفر غير قانونية تحقق معها المخابرات العراقية حاليا، كما تحقق مع جهات في أربيل لمعرفة تفاصيل أكثر عن كيفية استغلال الراغبين في السفر للتربح من وراء الظاهرة عبر تقديم وعود زائفة برحلات ميسرة والتخلص من معاناتهم من الأحوال المعيشية". وهو ما حدث مع الثلاثيني الكردي ستار محمود، والذي وصل إلى بيلاروسيا من محافظة أربيل برفقة أربعة من أصدقائه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعدما ضاقت به السبل في الحصول على فرصة للتوظيف، ما أجبره وعائلته المكونة من ثلاثة أفراد على الهجرة.

الصورة
عراقيون

ووصل محمود إلى الحدود البولندية بمساعدة أحد المهربين بعد أن دفع له ألف دولار، واستطاع تجاوز الحدود في رحلة سير على الأقدام استمرت ثلاثة أيام داخل بولندا، من دون أكل أو شرب، حتى أوقفته القوات البولندية وأعادته إلى بيلاروسيا، بحسب قوله، مؤكدا على أنهم شاهدوا وفاة شخصين على الحدود البيلاروسية مع بولندا، بسبب موجات البرد واستخدام القوات البولندية الغاز المسيل للدموع، حتى ضد الأطفال والنساء.

صعوبة وتعقيد الأوضاع التي يعيشها المهاجرون هناك دعت محمود إلى اتخاذ قرار العودة إلى بلاده وبالفعل قدم طلبا للسفارة العراقية وتم تحديد موعد عودته في الخميس 18 نوفمبر بعدما تحطمت آماله في الوصول إلى أوروبا كما يقول لـ"العربي الجديد"، متابعا "الحكومة عليها تدارك ما يعانيه المهاجرون على الحدود وإقناعهم بالعودة الطوعية قبل أن تُرتكب بحقهم مجازر بعد أن تنتهي المساومات الجارية". 

ويلقي رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية أرشد الصالحي باللائمة على ما يسميها السياسات الحكومية الخاطئة التي دفعت العراقيين إلى الهرب من البلاد، قائلا لـ"العربي الجديد ": "الدولة العراقية وسياساتها هي من دفعت الشباب العراقي إلى الهرب بعدما ضاقت بهم سبل العيش". ويطالب الصالحي، دول بولندا وليتوانيا باحترام معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، موضحاً أن المهاجرين العراقيين وغيرهم يعانون من ظروف مروعة ووضع فظيع، وفق تعبيره، بينما يطالب الغراوي وزارة الخارجية، بالتحرك في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للحصول على دعم دولي لإنهاء معاناتهم، ووضع حد للانتهاكات المنافية لقوانين اللجوء دولية والتي يتعرضون لها.

خطوط تجارية أقلت العراقيين إلى مينسك

استقل المهاجرون العراقيون خطوط طيران غير مباشرة للوصول إلى بيلاروسيا، بحسب تأكيد عضو البرلمان العراقي المنتهية ولايته، صادق المحنّا لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى  وجود خط ترانزيت عبر الإمارات وتركيا ودول أخرى، وليس عبر العراق بشكل مباشر للوصول إلى مينسك.

ويقول مسؤول عراقي في إدارة عمليات وزارة الهجرة في العاصمة بغداد، إن معلومات اللجنة الوزارية المشكلة من جهاز الأمن الوطني ووزارتي الخارجية والداخلية إضافة إلى وزارة الهجرة، تؤكد أن غالبية المهاجرين خرجوا من العراق برحلات ترانزيت عبر خطوط تجارية سواء من مطارات الإمارات أو تركيا، وكذلك دمشق الدولي"، ويضيف أن بلاده أبلغت بعثة الاتحاد الأوربي رسميا في الخامس عشر من نوفمبر الجاري، بأن عملية وصول العراقيين المهاجرين إلى بيلاروسيا لم تكن من خلال رحلات مباشرة من مطارات عراقية، بل كانت من خلال رحلات رسمية عبر شركات خطوط جوية تجارية تعمل في الشرق الأوسط بطريقة الترانزيت وعبر مطارات معروفة.

وأوقف العراق الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا ودول مجاورة أخرى لها مطلع أغسطس/آب الماضي، بعد تفاهمات مع الاتحاد الأوربي عقب اتهامات وجهها مسؤول أوروبي إلى الجهات العراقية المختلفة بدعم نقل مهاجرين غير قانونيين، وفق المصدر ذاته.

رحلات جوية مجانية لإعادة العراقيين

يقدر المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس، أعداد العراقيين الموجودين حاليا بين الحدود البيلاروسية والبولندية بثلاثة آلاف مهاجر، فيما يعيش قرابة 570 مهاجراً عراقياً في ثمانية مخيمات داخل الحدود البولندية وفقاً لقوله، مضيفا لـ"العربي الجديد"، جميع العراقيين العالقين حالياً عند الحدود لا يمتلكون صفة اللجوء الدولية، وجميعهم وصلوا إلى هناك بطريقة غير شرعية، كاشفاً عن تسجيل حالات وفيات حتى الآن لسبعة مهاجرين بسبب الظروف الجوية القاسية، وما تعرضوا له من قبل حرس حدود البلدين خلال رحلة محفوفة بالمخاطر، ويتوقع وجود جثث لمهاجرين عراقيين لم يتم العثور عليها لحد الآن، ويكشف عن نشاط دبلوماسي تجريه وزارة الهجرة والمهجرين مع سفراء دول الاتحاد الاوروبي في بغداد يتضمن تنسيقاً عالي المستوى مع المنظمات الدولية المعنية بقضايا المهاجرين، بهدف حماياتهم وإيقاف الانتهاكات التي يتعرضون إليها.

وتابع: "غادرت لجنة حكومية عليا إلى ليتوانيا وبولندا وبيلاروسيا من أجل الوقوف على معاناة العراقيين وتسهيل عمليات عودتهم إلى البلاد". ووفقاً لعباس، فإن الحكومة العراقية تبذل قصارى جهدها في سبيل إقناع المهاجرين بالعودة الطوعية إلى البلاد عبر رحلات جوية مجانية، بالتعاون مع وزارة النقل ووزارة الخارجية العراقية، ويؤكد أن الخطوط الجوية العراقية أعادت 430 شخصا حتى تاريخ 18 نوفمبر الجاري، ضمن ما يعرف بالعودة الطوعية والرحلات ما تزال مستمرة لإعادة من يرغب بذلك.

لكن المحنا يقول: "على الحكومة أن تفكر كيف توفر للناس ما يحتاجون إليه قبل أن تفكر في إعادة من هاجر إلى داخل العراق، وللأسف، نفسية المواطن العراقي محطمة بسبب الفشل في إدارة البلاد بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، الهجرة باتت ردة فعل طبيعية للشباب العراقي بعد ما وصل لمرحلة يأس غير مسبوقة".

ذات صلة

الصورة

سياسة

نشرت قناتا "تفريغ فاغنر" و"أوركسترا فاغنر" على "تليغرام"، اليوم الأربعاء، مقطع فيديو يظهر فيه مؤسس الشركة، يفغيني بريغوجين، وهو يلقي كلمة أمام المرتزقة القادمين إلى بيلاروسيا. 
الصورة
يهاجرون بحثا عن الأمان المفقود في بلدانهم

تحقيقات

يظهر 9 يمنيين في مقطع مسجل أول أكتوبر الماضي، وهم يكابدون أوضاعاً قاسية على الحدود البيلاروسية البولندية، إذ ترتجف أجسادهم من لسعات البرد، بينما يطالبون الحكومة اليمنية بسرعة التدخل، فيما ناشد آخرون منظمات حقوق الإنسان نجدتهم قبل هلاكهم
الصورة
تطلب بولندا من المحتجزين دفع تكاليف توقيفهم

تحقيقات

على طول طريق التهريب، تنتشر عصابات مسلحة، تنهب هواتف المهاجرين وأكواد المبالغ المالية التي يتم وضعها في مكاتب التأمين بتركيا أو أربيل أو بيروت بموجب اتفاق بين المهرب والمهاجر، ما دفع بعضها إلى طلب التواصل عبر مكالمات مرئية للموافقة على تسليم المبلغ
الصورة
استغلال سياسي لمعاناة اللاجئين

تحقيقات

وقع آلاف العرب من سورية والعراق واليمن رهائن للمساومات السياسية بين بيلاروسيا ومن ورائها روسيا وبولندا وليتوانيا ومن خلفهما الاتحاد الأوروبي، إذ استدرجهم نطام مينسك لإمساك أوراق يمكنه عبرها تخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة عليه، ونيل اعتراف بنظامه