اقتحم أفراد من قوات الدعم السريع منزل السيدة السودانية فاطمة يوسف (تم تعريفها بهذا الاسم حفاظا على خصوصيتها)، في حيّ المعمورة شرق الخرطوم، في الخامس من مايو/أيار الماضي، وروعوا ساكنيه بالسلاح، وتحت التهديد اغتصبوا الأم وبناتها الثلاث حتى الفتاة القاصرة لم تسلم منهم، من دون أن يتمكّنوا من الخضوع لبروتوكول المعالجة السريرية للاغتصاب في غضون 72 ساعة والذي يقدم علاجا للأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي وموانع للحمل، بسبب الجهل بإمكانية طلب المساعدة والمعاناة من الصدمة والخوف والخجل، لتكون النتيجة حملا قسريا للقاصر، بحسب ما روته لـ"العربي الجديد" المحامية وعضو هيئة محامي الطوارئ، رحاب مبارك، والتي توثق الانتهاكات والجرائم المرتكبة في السودان منذ بدء الحرب في 15 إبريل/نيسان الماضي.
ما هو حجم ظاهرة الاغتصاب في زمن الحرب؟
لا تعد حالة السيدة يوسف وحيدة من نوعها إذ تدخل ضمن عملية استهداف ممنهج لنساء السودان، بعدما وصل عدد الاعتداءات الجنسية المتصلة بالنزاع الدائر في السودان والمبلغ عنها حتى 8 أغسطس/آب الماضي إلى 128 حالة، بحسب ما وثقته وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
وتتوزع جرائم الاغتصاب التي وثقتها الوحدة إلى 60 حالة في العاصمة، و43 في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور من بينهن 12 حالة عنف جنسي في معسكر كلمة للنازحين قرب نيالا، وتوفيت إحداهن نتيجة مضاعفات الاعتداء الشديد، و25 حالة في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وأجمعت الناجيات أن الجناة في جميع هذه الحالات كانوا عناصر من قوات الدعم السريع، كما توضح لـ"العربي الجديد" مديرة الوحدة سليمى إسحق الخليفة، وتكشف أن الدعم السريع استهدف في غالبية الوقائع الموثقة الشابات والمراهقات من سن 12 إلى 29 عاما. إلا أن السيدات الأكبر سنا لم ينجون أيضا، فقد وثقت هيئة محامي الطوارئ اغتصاب سيدة خمسينية من قبل أفراد من الدعم السريع في مدينة النخيل غرب أم درمان، بحسب المحامية مبارك والتي توضح كيف وقعت الحادثة قائلة: "إن المرأة لظروف الحرب، ظلت وحيدة بالمنزل، وفي غياب زوجها هاجمها أفراد بزي الدعم السريع واغتصبوها بلا شفقة، ورفضت الضحية في بداية الأمر الخضوع لبروتوكول المعالجة السريرية للاغتصاب، أو الذهاب للطبيب، كما رفضت توثيق حالتها، وبعد تدخلنا اقتنعت بتناول العلاج، وإبلاغ زوجها بما تعرضت له".
وبحسب الخليفة، فإن أكثر المناطق التي سجلت فيها حالات اعتداءات جنسية هي مدينة الخرطوم بحري شمال العاصمة، والتي تقع تحت سيطرة الدعم السريع منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، معتبرة أن العدد الفعلي لحالات الاغتصاب أعلى مما تتمكن الجهات المختلفة من توثيقه، على سبيل المثال وثقت الوحدة 60 على مستوى الخرطوم، لكن العدد الحقيقي والحالات المخفية أكبر.
استهداف ممنهج للنساء
تنتمي غالبية ضحايا جرائم الاغتصاب التي ترتكبها قوات الدعم السريع إلى أسر فقيرة ورقيقة الحال اتخذت من عمارات قيد الإنشاء مساكن تأوي إليها في ظل الظروف الحالية، كما أنهن ينحدرن من أعراق غير عربية في الأصل، إلى جانب سنّهنّ الصغيرة، كما تروي الخليفة حول الروابط المشتركة لضحايا الاعتداءات الجنسية التي جرى توثيقها عبر الحالات، مؤكدة أن الاغتصاب ممنهج ويستهدف العناصر من الفتيات والسيدات على أساس العرق والانتماء القبلي، ويتكرر نمط الاعتداء نفسه، والذي يتم في كثير من الأحيان أمام الأسرة، وتنعدم فيه مسألة إشباع الرغبة الجنسية، بل يحدث بمقصد التحقير والإذلال، إذ استخدم الفاعلون في أغلب الحالات الموثقة التي تعرضت للاغتصاب الجماعي الإهانات العرقية.
ما سبق، يؤكده تقرير أصدرته هيومان رايتس ووتش في 17 أغسطس الماضي، بعنوان دارفور: قوات الدعم السريع ومليشيات حليفة تغتصب العشرات، "ويوثق عبر شهادات ناجيات وعاملات مع المنظمات الإغاثية والفرق الطبية أن قوات الدعم السريع، ومليشيات متحالفة معها اغتصبت عشرات النساء والفتيات في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وهاربات إلى تشاد، بين أواخر إبريل وحتى نهاية يونيو/حزيران 2023، حيث استهدفهن المهاجمون بسبب انتمائهن إلى إثنية المساليت (مجموعة عرقية تتحدث لغة خاصة)، وفي بعض الحالات، لأنهن كن ناشطات مجتمعيات معروفات.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش حالات 78 ضحية للاغتصاب بين 24 إبريل و26 يونيو الماضيين، وينقل تقريرها شهادات ناجيات تحدثن بأن معظم مجموعات المهاجمين رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع الكامل أو الجزئي، وبعضهم كانوا يرتدون ملابس مدنية، وفي كثير من الحالات، قدِموا في مركبات تحمل علامات قوات الدعم السريع، وهو ما يتطابق مع ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد"، وفي جميع الحالات التي رصدتها هيومن رايتس ووتش، ارتكب المغتصبون أيضا انتهاكات جسيمة أخرى، منها الضرب، والقتل، ونهب المنازل، والشركات، والمباني الحكومية أو حرقها، كما أكدت جميع الضحايا أن المهاجمين ذكروا صراحة هويتهم الإثنية واستخدموا شتائم عنصرية ضد المساليت أو غير العرب بشكل عام، حتى أن عددا من الضحايا كذبن عندما اقتحم أفراد من الدعم السريع مكان سكنهن وطالبوهنّ بمعرفة قبيلتهنّ، لكن ذلك لم ينجيهن، إذ كان أولئك على معرفة بضحاياهم غالبا، وفي أربع حالات وثقتها المنظمة ذكر المهاجمون صراحة عمل النساء اللواتي اعتدوا عليهن، وفي إحدى الحالات ذكروا عمل زوجها، ما يشير إلى أنهم كانوا يعرفون من اعتدوا عليهن.
ماذا يجري في المشافي؟
سجلت مبادرة ناجيات (تقدم الدعم الطبي والنفسي والقانوني للناجيات من جرائم الاغتصاب في حرب 15 أبريل) 18 بلاغا ووثقت وفاة 3 حالات بعد اغتصابهن، في الفترة الممتدة بين 12 مايو/أيار وحتى 11 يونيو الماضي، بحسب إسراء مالك، اسم مستعار لطبيبة متطوعة في المبادرة وفي غرفة طوارئ بالخرطوم، والتي طلبت عدم ذكر اسمها حفاظا على أمانها كونها في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وكانت أولى الحالات التي وثقتها المبادرة في حيّ الحاج يوسف (المايقوما) بالعاصمة، حيث تم اختطاف الضحية البالغة من العمر 22 عاما من الطريق، وأصلها من جبال النوبة، واقتيدت الى بناء غير مكتمل وتم اغتصابها إلى جانب سيدتين أخريين، قبل أن يطلقوا سراحهن، بحسب إسراء التي تعاملت مع الحالة لدى لجوئها إلى غرفة الطوارئ عقب الاعتداء عليها، للحصول على العلاج المخصص.
وفي مدينة سوبا جنوب شرق العاصمة، اختطفت قوات الدعم السريع 7 نساء في مايو الماضي، واحتجزن بمزارع غرب سوبا، وتم الاعتداء عليهن بالتناوب لمدة أسبوع، ما تسبب في وفاة إحداهن لاحقا وقالت الطبيبة إسراء: "النساء بعد إخلاء سبيلهن لم يسجلن أي شكوى، ووصلت واحدة منهن فقط إلى مستشفى شرق النيل ولفظت أنفاسها قبل إسعافها".
وتؤكد إسراء أن جميع الناجيات اللواتي وصلن إلى غرفة الطوارئ حصلن على الأدوية الوقائية التي استطاعوا تأمينها.
ورصدت الكوادر الطبية في غرفة طوارئ بحري 15 حالة اغتصاب لضحايا تتراوح أعمارهن بين 13 و26 عاما، بحسب الطبية النفسية مآب محمد المتطوعة في غرفة الطوارئ، مؤكدة أن هذه الإحصائية بسيطة جدا مقارنة بالحالات على أرض الواقع.
محاولات انتحار وتدمير نفسيات الضحايا
حاولت ناجية عشرينية، في مدينة الخرطوم بحري أن تضع حدا لحياتها بعد 15 يوما من تعرضها للاغتصاب من عناصر تابعة للدعم السريع منتصف يونيو الماضي، بحسب الناشطة الحقوقية إيناس مزمل المطلعة على حالتها، موضحة أن السيدة تعاني من تبعات نفسية خطيرة ووضع صحي سيئ، وترفض الحديث عما حصل، وامتنعت عن إبلاغ أسرتها بالواقعة خوفا من إلقاء اللوم عليها أو إيذائها أو التعدي عليها بالضرب، ولم تخبر سوى صديقتها المقربة، قبل أن تحاول الانتحار، وحاليا أحيلت الضحية إلى مشفى بشرق السودان لتلقي العلاج النفسي والطبي، بعد خروجها من منزلها بمساعدة متطوعين وناشطين.
وتبدأ الأعراض النفسية عند أول مواجهة في محاولة لمعرفة ما جرى مع الضحية، كما توضح إيناس. وتظهر طبيعة الأعراض تلك جليّة في حديث إحدى الناجيات الذي نقله تقرير هيومان رايتس ووتش السابق، بقولها: "اغتصبني أحدهم بينما انتظر الآخرون في الخارج. ثم جاء آخر واغتصبني، وبعد أكثر من شهرين، ظلت تفاصيل الهجوم تلازمني، أبكي كثيرا، وعندما أبكي، حلقي يؤلمني، لا أستطيع النوم، لا أشعر أنني طبيعية، عندما أسير في الخارج، أتوه باستمرار، لا أستطيع أن أجد طريقي عندما أحاول الذهاب إلى أي مكان".
وتوضح الطبيبة النفسية مآب محمد أن المرأة المغتصبة، في غالبية الحالات تصاب بما يطلق عليه اضطراب الصدمة والاكتئاب والقلق، إلى جانب شعورها بالوصم stigma، وكلها عوامل تحفزها على محاولة إنهاء حياتها، أما التأثير العضوي يتمثل بنزيف حاد بسبب الاغتصاب الجماعي والعنيف، إضافة إلى تهتك المهبل، وهذ يؤثر على الجهاز التناسلي للضحية.
ندرة العلاج اللازم لضحايا الاغتصاب
مع دخول الحرب شهرها الخامس، تزداد الحاجة إﻟﻰ ﻣزﯾد ﻣن أدوية العلاج والوقاية من تبعات ما بعد الاغتصاب من أجل ﻣﻧﻊ اﻧﺗﻘﺎل ﻓﯾروس الإيدز، لكن الأمر يصطدم بتوقف عمل 55 من أصل 79 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات بسبب الاقتتال، وفقا للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، إلى جانب خروج 244 صيدلية عن الخدمة وفقا لنقابة الصيادلة.
وتعيش النساء والفتيات في السودان حالة من الخوف، وكثيرات اضطررن للهروب من منازلهن أو توقفن عن الخروج لقضاء أي غرض في الخرطوم ودارفور، بحسب رصد مزمل، وهو ما اعتبرته جريمة وترويعا في حد ذاته. ونبهت إلى رصد حالات كثيرة تعرضت لاعتداء جنسي لكن لم يستطعن الوصول لخدمات الرعاية الصحية والنفسية، وأخريات لا يجرؤن على الإفصاح عما حدث لهن حتى لأقرب الأقربين كالأم أو الأسرة بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالجريمة، وما يفاقم الصعوبات، انهيار مؤسسات الدولة والغياب التام للمنظومة العدلية في السودان وتحديدا الخرطوم ودارفور، ما أدى إلى تعقيد الوضع القانوني واستحالة الوصول للعدالة للناجيات والضحايا في الوقت الراهن، وفق إيناس التي تشير إلى أن دورهم ينحصر في التوثيق وتقديم الخدمات للناجيات.
وتكشف الطبيبة إسراء عن عدم توفر أقراص Contraplan وهي وسيلة منع حمل طارئة، وهو ما تؤكده الخليفة بشأن شحّ هذا الدواء الأساسي في ظل ازدياد الحالات، لذلك تتوقع ازدياد حالات الحمل من الاغتصاب، لا سيما مع عدم تمكن أعداد كبيرة من المعتدى عليهن من الحصول على العلاج اللازم في حينه، في ظل عدم وجود مسارات آمنة، وهو ما حصل مع هناء الراضي، اسم مستعار لضحية اغتصاب عمرها تسعة عشر عاما، إذ اكتشفت حملها في مايو الماضي، وذكرت الخليفة التي وثقت الحالة، أن الفتاة تعاني من اكتئاب نفسي حاد جراء ذلك.
وتكشف الخليفة عن توجه جديد لقوات الدعم السريع، يتمثل في جمع التقارير الطبية المتعلقة بالضحايا من المرافق الطبية تحت التهديد، قائلة "إنها لا تعلم إن كان ذلك مؤشرا لمحاسبة عناصرهم، أم اتجاها لإخفاء وطمس الأدلة"، معتبرة أن التعامل العسكري بكل الأحوال يشكل مصدر تهديد وقلق لمقدمي الخدمة الطبية والناجية معا.
جرائم حرب
يحظر القانون الإنساني الدولي على أطراف النزاع المسلح تعمد إيذاء المدنيين، ويعتبر ارتكاب الاغتصاب، أو أيّ شكل آخر من أشكال العنف الجنسي، انتهاكاً لاتفاقيات جنيف بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وخرقاً خطيراً للمادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف، ويشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وبالإضافة إلى ذلك، يشكّل "الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة"، جريمة ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي ظل استمرارية الجرائم التي يرتكبها أفراد الدعم السريع، ترد مديرة الإدارة العامة لحماية المرأة والطفل التابعة لوحدة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لدى قوات الدعم السريع، سمر إبراهيم تيراب، بأنهم حريصون على رصد الانتهاكات الجسيمة التي قام بها الجيش ضد المدنيين العزل، منذ اندلاع الحرب في السودان، واتهمت القوات المسلحة السودانية بالتضليل الإعلامي والكذب وذلك "من خلال صناعة مسرحيات سيئة الإخراج في محاولات يائسة لتجريم قوات الدعم السريع ومن بينها فبركة مقطع فيديو مدعين أنها عملية اغتصاب ومحاولة إلصاق الفعل الشنيع بمقاتلي الدعم، وتوجيه أبواقهم لإثارة مشاعر السودانيين في محاولة يائسة لكسب التعاطف الشعبي"، حسب ما جاء في ردها المكتوب على "العربي الجديد". مؤكدة استعدادهم التام للتعامل والتنسيق مع كافة الأجهزة المعنية بحقوق الإنسان والمرأة، كما أكدت جاهزية الدعم السريع للتحقيق المشترك الذي يمكن أن يتقصى الحقائق عمليا على أرض الواقع والعمل مع مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة لمنع العنف الجنسي المرتبط بالنزاع القائم وحماية ضحاياه وتوفير ظروف آمنة تمكنهم من الحصول على الإنصاف عبر المؤسسات الدولية العدلية ووضع حد لإفلات الجناة من العقاب.
ووسط تبادل الاتهامات، تتزايد حالات النزوح من الخرطوم خوفا من الأسر على بناتهن من الاغتصاب، وفق ما تؤكده الطبيبة مآب والتي غادرت وشقيقاتها الحيّ الذي تقطنه في العاصمة بعد وقوع حالات اغتصاب عديدة فيه، قائلة: "خوفي الأكبر كان على شقيقاتي الصغيرات"، بعد اطلاعها على الحالات الموثقة والتي كانت اغتصابا جماعيا على يد عناصر الدعم للسريع الموجودين في أحياء بحري لفتيات كنّ في طريقهن إلى المتجر أو لجلب المياه، أو تم اقتحام منازلهن واختطافهن أمام ذويهن.