تتفاقم أمراض الجهاز التنفسي في الكويت التي تشهد ارتفاعاً قياسياً في عدد المصابين بها نتيجة التغيرات المناخية التي تؤدي إلى زيادة التصحر والعواصف الرملية التي ينتج عنها تركيز ذرات الغبار والجسيمات الملوثة للهواء.
- أصيبت الطفلة الكويتية مريم بداح المطيري (5 أعوام)، بالربو منذ عام، عقب موجات الغبار المتلاحقة التي ضربت البلاد، كما يقول والدها لـ"العربي الجديد"، موضحا أن ابنته تعاني من ضيق في التنفس يتفاقم عندما تهب العواصف الرملية والترابية، ما يجعل أفراد أسرتها يتابعون حالتها دوريا في عيادة الجهاز التنفسي.
وتتشابه حالة المطيري مع حالات 5 أطفال وثق معد التحقيق معاناتهم في ظل "ارتفاع قياسي لأمراض الجهاز التنفسي في الكويت بسبب تلوث هوائي مقلق"، بحسب ما جاء في دراسة صادرة بالعنوان ذاته عن مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (كويتي) في 16 فبرير/ شباط 2020.
وتؤكد الدراسة أن معدلات الإصابة عند الأطفال ارتفعت في عام 2018 إلى 18% وارتفعت بين الشباب إلى 15%، محذرة من أن "المشاكل المرتبطة بالتنفس والالتهابات الرئوية زادت بنسبة 94% منذ عام 2017".
و"قفز مرض التهاب الجهاز التنفسي في السنوات العشر الماضية الى المرتبة الثالثة للأعراض المتواترة والمزمنة في الكويت والتي تهدد الصحة وخاصة لدى الأطفال"، حسب المصدر السابق، والذي يشير إلى أن "أعراض مرض الربو زادت في الكويت، بسبب ارتفاع في تلوث الهواء الخارجي والداخلي (مثل التدخين غير المباشر)".
وخلال عام 2021 عانى 40% من مرضى الربو من مضاعفات حادة، وزار 89% من بينهم غرف الطوارئ، كما توضح الدكتورة عبير البحوه، مديرة إدارة تعزيز الصحة في وزارة الصحة، والتي قالت لـ"العربي الجديد"، إن الكلفة السنوية لعلاج الربو تبلغ 60 مليون دينار كويتي (196 مليوناً و142 ألف دولار أميركي).
تغيرات المناخ تفاقم معاناة الأطفال
بلغ إجمالي عدد الكويتيين مليوناً و420 ألفاً و836 نسمة، بينهم 478 ألفاً و116 طفلاً، بينما بلغ عدد الوافدين مليونين و796 وافداً، بينهم 222 ألفاً و906 أطفال، حسب تقديرات الإدارة المركزية للإحصاء لعام 2022.
وخلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى فبراير/شباط 2023 وصل عدد مراجعي عيادات الحساسية في مركز عبد العزيز الراشد التخصصي للحساسية (حكومي)، إلى 22618 مراجعا، بواقع 15498 كويتيا و5712 وافدا، و30% من إجمالي المراجعين من الأطفال.
ويراوح عدد مراجعي عيادات الحساسية في المركز ما بين 80 و90 ألف مراجع سنويا، يشكل الأطفال منهم 40%، وفق تأكيد الدكتورة منى الأحمد، رئيسة قسم أمراض الحساسية والمناعة بالمركز، ويعد الرقم كبيرا بالمقارنة بما كان عليه الحال في عام 2012، إذ "استقبل المركز 31286 مريضا يعانون من أعراض الربو من أصل 40760 زيارة خلال العام 2012"، وفق دراسة "تأثير ظروف جودة الهواء على مرضى الربو في الكويت"، المنشورة في مجلة Journal of Allergy & Therapy (تصدر عن Longdom Publishing SL الإسبانية) في مايو/أيار 2014.
ارتفعت معدلات الإصابة بالربو لدى الأطفال إلى 18% في عام 2018
ويعتبر "التعرض للمواد المستنشقة والجزيئات التي قد تثير ردود فعل تحسسية أو تهيج الشعب الهوائية من أقوى عوامل الخطر التي تفاقم مرض الربو"، حسب ما جاء على موقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 7 مايو 2019، بعنوان "مرضى الربو يحتاجون إلى الحذر الشديد من تلوث الهواء".
و"يمثل تطور نسق التلوث الهوائي خطراً حقيقياً قد يسبب زيادة الوفيات المبكرة، مع تسجيل زيادة غير مسبوقة لإصابات الجهاز التنفسي كالربو والالتهابات التنفسية"، حسب دراسة "ارتفاع قياسي لأمراض الجهاز التنفسي في الكويت بسبب تلوث هوائي مقلق"، والتي حذرت من أن "التصحر زاد بالكويت ومحيطها الجغرافي بسبب ارتفاع متوسط الحرارة (في الصيف إلى 50 درجة مئوية) وطول فتراتها، في حين التهم التوسع الاقتصادي والعمراني مساحات واسعة، مقابل محدودية جهود تلطيف انعكاسات الاحتباس الحراري، ما يدفع بقوة إلى زيادة ارتفاع معدلات احتمالات تلوث هوائي بسبب قلة الأمطار وجفاف التربة وتفتت الطبقات السطحية لها وتحولها إلى أتربة وغبار مترسب".
تطور نسق التلوث الهوائي يمثل خطراً حقيقياً قد يسبب زيادة الوفيات المبكرة
وتقع مصادر الغبار الرئيسية في شمال وشمال غرب الكويت، حسب ما توضحه المهندسة سميرة الكندري، المديرة العامة للهيئة العامة للبيئة بالوكالة، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، على وجود ثلاثة أنواع من الغبار (تبدأ من 21 مايو وحتى 19 يوليو/ تموز)، وهي الغبار المتطاير، ويستمر 42 يوماً أحياناً، والعالق (ذرات جافة معلقة في الهواء مع رياح هادئة أو خفيفة وأحيانا ساكنة) لمدة 32 يوماً، والعواصف الترابية، وتقول إن الرياح الشمالية الغربية الجافة والحارة والتي تسمى محلياً برياح السموم تنشط خلال الفترة من 3 إلى 15 يوليو، متسببة في حدوث عواصف ترابية شديدة تتكرر خلال أربعة أشهر وتستمر في الغالب حتى أكتوبر/تشرين الأول.
و"تزداد قابلية الأطفال للحساسية بسبب التحولات البيئية، نظرًا لأن تغير المناخ قد يسبب العديد من الآثار غير المتوقعة والمستمرة والمؤثرة على أمراض الجهاز التنفسي التحسسية"، وفق تقرير "تغير المناخ وتلوث الهواء وأمراض الجهاز التنفسي التحسسية: دعوة للعمل من أجل المهنيين الصحيين" المنشور في موقع المكتبة الوطنية للطب (تابعة لمعاهد الصحة الوطنية الأميركية) في 24 يونيو/ حزيران 2020.
مؤشرات خطيرة لتلوث الهواء
تصل نسبة تلوث الهواء المتمثل بالغبار القادم من العراق والربع الخالي بالسعودية إلى 50%، فيما تتوزع النسبة المتبقية بين المصادر الصناعية، مثل حركة السيارات الناتجة عن ارتفاع أعدادها ومحطات توليد الطاقة ومصانع البتروكيماويات ومصافي تكرير النفط وغيرها من المصادر البشرية، كما يقول الدكتور علي الحمود، عضو اللجنة الفنية لجودة الهواء والصحة في منظمة الصحة العالمية، والمتخصص في السلامة والصحة المهنية والبيئية في مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية (مؤسسة كويتية مستقلة).
وتعمل الشبكة الوطنية لرصد جودة الهواء الخارجي التابعة للهيئة العامة للبيئة على قياس نسب 13 ملوثا للهواء على مدار الساعة، منها ستة ملوثات رئيسية، هي أول أكسيد الكربون (CO)، وثنائي أكسيد النيتروجين (NO2)، وثنائي أكسيد الكبريت (SO2)، والأوزون (O3)، والجسيمات الدقيقة ذات القطر 2.5 ميكرومتر (PM2.5)، والجسيمات الدقيقة ذات القطر 10 ميكرومترات (PM-10)، حسب الدكتور الحمود، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إن الهيئة تقيس ملوثات الهواء في 15 محطة موزعة على 13 منطقة كويتية.
و"ارتفع متوسط التعرض السنوي للجسيمات الملوثة للهواء PM2.5 من 56 ميكرومترا في 2018 إلى 61 ميكرومترا في 2019، وبذلك فاقت نسبة مستويات التلوث بها المعدلات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية للمتوسط السنوي البالغ 10 ميكرومترات لكل متر مكعب"، وفق دراسة "ارتفاع قياسي لأمراض الجهاز التنفسي في الكويت بسبب تلوث هوائي مقلق" ومؤشر تلوث الهواء.
وتغيرت البيئة الكويتية وصارت آثار التلوث ملموسة منذ الغزو العراقي في عام 1990 وتحديدا منذ مأساة حرق الآبار النفطية والتي أدت إلى تلوث بيئي غير مسبوق في تاريخ المنطقة، فضلا عن الغازات الصادرة عن مصافي تكرير النفط في مناطق الأحمدي والفحيحيل والصباحية والرقة، جنوب الكويت، كما يعتقد الأربعيني ناصر العجمي، مشيرا إلى أنه يتعرض في منطقة الفحيحيل حيث يسكن لاستنشاق غاز الأمونيا (قلوي يتكون من النتروجين والهيدروجين)، الصادر عن مصافي النفط، وتابع متحدثاً لـ"العربي الجديد": "أعاني وأبنائي من مرض الربو وحساسية الصدر".
حلول للتقليل من الخسائر الصحية والاقتصادية
تصل الخسائر الناجمة عن العواصف الرملية والغبار سنويا إلى 190 مليون دينار (570 مليون دولار)، حسب تأكيد الدكتور مانع السدیراوي، القائم بأعمال المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إنه أطلقت مبادرة في أكتوبر 2022 بالشراكة مع الأمم المتحدة، تحمل اسم "مشروع التكيف والصمود" بكلفة 4 ملايين دينار (13 مليون دولار)، لتخفيف الأضرار الناتجة عن الغبار والخسائر الصحية والاقتصادية، ويضيف أن هذا المشروع المستقبلي سيعمل على تقليل تأثير العواصف الرملية والترابية العابرة للحدود وتحديدا القادمة من جنوب العراق.
وتعمل هيئة البيئة على تنفيذ مشروع مدته 3 سنوات يهدف إلى تطوير نظام متكامل لرصد وإدارة جودة الهواء إضافة إلى تحسين مراقبة انبعاثات الهواء من المصادر الثابتة والمتنقلة وتطوير قاعدة بيانات جغرافية موحدة لملوثات الهواء، ودراسة تأثير تلوث الهواء على صحة الإنسان، ومراجعة وتحديث المعايير الوطنية لجودة الهواء والحدود المسموح بها للانبعاثات من المصادر، وتحديد مصادر ملوثات الهواء في الكويت وتطوير الاستراتيجية الوطنية لجودة الهواء وخطط العمل لتحسين جودة الهواء، وفق المهندسة الكندري.
لكن الدكتور رأفت ميساك، عضو لجنة حماية الحياة الفطرية في الجمعية الكويتية لحماية البيئة (غير حكومية)، يقول: "توجد صعوبة كبيرة في التحكم أو السيطرة على العواصف الرملية والغبارية، ولكن يمكن تخفيف حدتها عبر الفهم العميق لطبيعتها"، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد": "الكويت شرعت في تنفيذ مشروع وطني ضخم منذ يوليو 2021 باسم (سور الكويت الأخضر) لزراعة نصف مليون شجرة بهدف تخضير حدود الكويت البرية والرامي لتحويل الكويت إلى واحة خضراء بالتزامن مع نشر الثقافة البيئية المجتمعية، وهو ما يتمنى المواطن العجمي تحققه من أجل تخفيف الأضرار الصحية التي يعاني منها، هو والكثير من الكويتيين ولا سيما الأطفال"، كما يقول.