خسر الأربعيني العُماني علي الحبسي، مشروعه الصغير، والذي أسسه في عام 2019 بتكلفه 30 ألف ريال عماني (78 ألف دولار أميركي) بعد فقدانه وظيفته في القطاع الخاص، بسبب عمليات الإغلاق بعد الإعلان عن اكتشاف فيروس كورونا (كوفيد - 19) بالسلطنة في فبراير/شباط 2020.
سعى الحبسي إلى الحصول على دعم من الهيئة الحكومية لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي خصصت تمويلاً طارئاً لمواجهة تأثير الجائحة، لكن محاولاته باءت بالفشل، بسبب اشتراط حصول صاحب المشروع على بطاقة ريادة الأعمال، كما يقول لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن من شروط نيل البطاقة، التفرغ لإدارة المؤسسة، وبالتالي لن يكون قادراً على الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي كما يتمنى.
على عكس الحبسي، وافقت الهيئة على 160 طلباً لأصحاب مشاريع صغيرة ومتوسطة من الحاصلين على بطاقة ريادة، حتى التاسع والعشرين من أغسطس/ آب 2021، وفق إحصائية منشورة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، مؤكدة تخصيص 900 ألف ريال (2 مليون و337 ألف دولار) لتلك المشاريع.
وبلغ عدد المؤسسات الحاصلة على بطاقة ريادة الأعمال حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 24918 مؤسسة من إجمالي 60153 مسجلة لدى الهيئة التي أطلقت البرنامج التمويلي الطارئ في 26 مايو/أيار 2021 بسقف يصل بمبلغ الدعم إلى 10 آلاف ريال (حوالي 26 ألف دولار)، وفق المصدر ذاته.
كيف أثرت الجائحة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة ؟
"من أبرز القطاعات المتأثرة بجائحة كورونا، الفنادق والمطاعم، يليها النقل والتخزين، ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة، ويقع العبء الأكبر من تأثيرات الجائحة في هذه القطاعات على الشركات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص"، وفق ما رصده بحث صادر في 20 أكتوبر الماضي عن جامعة السلطان قابوس، بعنوان "تأثير أزمة كورونا المستجد على قطاعات التنمية في السلطنة"، لافتاً إلى "أن القطاعات التي تتطلب صلة مباشرة مع المستهلك تأثرت نتيجة انخفاض الطلب الداخلي وانهيار الطلب من قبل السياح والمسافرين"، نتيجة إغلاق الحدود من ديسمبر/كانون الأول 2020 حتى سبتمبر/ أيلول 2021.
ما سبق تؤكده أربع حالات من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ممن تكبدوا خسائر بسبب الاغلاق الناتج عن جائحة كورونا، ومنهم محمود العبري، والذي بدأ مشروعه الخاص في بيع الأدوات المكتبية (جملة وتجزئة) بولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة في عام 2008، ومن وقتها كبر المشروع الذي بدأ بـ 1500 ريال عماني (قرابة 4 آلاف دولار) واكتسب خبرة جيدة في مجال القرطاسية، لكنه تعرض لخسائر كبيرة بعد الإغلاق وتراجع حاجة المستهلكين والمدارس لمنتجاته، غير أنه لم يحصل على دعم مالي بحسب تأكيده لـ"العربي الجديد".
تداعيات كورونا تسببت في إغلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة
وتسبب إغلاق الأنشطة التجارية في انخفاض دخل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير مع بقاء كافة التزاماتها قائمة ومنها الإيجارات ومرتبات العمالة والأقساط البنكية، ما وضعهم في مأزق قانوني، بحسب المحامي علي الشيدي، والذي يملك مكتب محاماة واستشارات قانونية في مسقط، قائلاً، تواجه هذه المؤسسات قضايا تتعلق بمتأخرات الإيجارات وتراكمها على أصحاب المشاريع خلال فترة جائحة كورونا، ويضيف لـ"العربي الجديد" أنهم يتابعون قضايا في المحاكم الابتدائية تتعلق بهذا الجانب، ويتابع :"للأسف عندما تصل قضايا متأخرات الإيجارات إلى المحاكم، فالقضاة ملزمون بتطبيق القانون".
و"يترتب على عدم تسجيل عقد الإيجار وسداد الرسوم المقررة خلال شهر من تاريخ إبرامه، عدم جواز الاعتداد به أمام أية جهة رسمية في السلطنة، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية تعادل ثلاثة أضعاف الرسم المقرر، ويجب اتخاذ إجراءات تسجيل العقود وسداد الرسوم المقررة بعد ذلك"، بحسب المرسوم السلطاني رقم 6/89 في شأن تنظيم العلاقة بين ملاك ومستأجري المساكن والمحال التجارية والصناعية وتسجيل عقود الإيجار الخاصة بها.
لكن الخبير الاقتصادي أحمد كشوب، رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للأوراق المالية، وعضو مجلس إدارة صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "إنماء" (يهدف إلى تطوير ريادة الأعمال وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في السلطنة)، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن الحكومة العمانية خصصت حوافز لبعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كإعفاءات رسوم التراخيص، وتأجيل سداد الاشتراكات في نظام التأمينات الاجتماعية، وتخفيض الرسوم والإعفاء من غرامات التأخير، وتأجيل دفع مستحقات الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
بيد أن الأربعيني خالد بن محمد الرئيسي، والذي افتتح مشروع مطعم بولاية السيب التابعة لمحافظة مسقط في عام 2011، يقول إن تلك الحوافز لن تخفف من خسائره في ظل تراكم الديون والعجز عن دفع رواتب العمال، بعد انخفاض المبيعات إلى 20٪ بسبب الجائحة.
التأثير على برنامج التعمين
"خسارة الشباب العماني لمشاريعهم تمثل ضربة لبرنامج التعمين (تأسس في عام 1988بهدف تأهيل طاقم عمل من العمانيين)" كما يقول الحبسي، مشيراً إلى أن مؤسسي المشاريع الخاصة وجدوا أنفسهم في مأزق حقيقي، ولم يجد بعضهم مخرجاً بعد سيرة حافلة من الكفاح والتأهيل والثقافة المتفتحة على العمل بشتى الوظائف.
وتم تحديد نسب العومنة التي يتوجب على القطاع الخاص العمل بها في أكتوبر 1994، وبلغت في قطاع النقل والتخزين والاتصالات 60% من المواطنين العمانيين، و45% في قطاع المالية والعقار والتأمين، و35% في الصناعة و30% في قطاع الفنادق والمطاعم، و20% في التجارة (جملة وتجزئة)، بحسب المصادر الرسمية العمانية، لكن إغلاق المشاريع الناشئة يؤدي إلى تراجع في تلك النسب، كما يقول الثلاثيني هلال الرحبي، والذي قرر إيقاف مشروعه بعد 6 أعوام من افتتاحه في محافظة شمال الشرقية بولاية دماء والطائيين، بعد خسارته 6 آلاف ريال (15500 دولار أميركي).
ويبلغ عدد الباحثين عن عمل والمسجلين لدى وزارة العمل العمانية 65 ألفاً، 61% من بينهم من الإناث، وفق نتائج تعداد عام 2020، في حين كان العدد 45711 شخصاً في عام 2018، بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات العماني، ويقول الخبير الاقتصادي كشوب، إن قضية الباحثين عن عمل من التحديات الكبيرة التي تواجهها السلطنة، بسبب تزايد أعداد المخرجات التعليمية، إذ تخرج من الجامعات العمانية الحكومية والخاصة 21870 طالب وطالبة في العام الدراسي 2019 /2020، وفق التقرير السنوي لإحصاء التعليم العالي بالسلطنة للعام الأكاديمي 2019 /2020، والصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
ولمواجهة هذه المشكلة، ضخت الحكومة 20 مليون ريال عماني في موازنة 2021، من أجل تدريب وتأهيل الباحثين عن العمل وفتح باب التوظيف في عدة قطاعات لهم، فضلا عن تخفيض رسوم استقدام العمالة وتجديد ترخيص مزاولة العمل للقوى العاملة غير العُمانية، بنسبة 25% للمؤسسات والشركات التي يعمل بها قوى عاملة عُمانية، و50% للمؤسسات والشركات المحققة لنسب التعمين المقررة، وفق كشوب، مقترحاً إعادة جدولة الديون على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإعطائها مدة زمنية مناسبة للتسديد حتى تقف على قدميها وتبني لها خطة عمل على المدى البعيد.
بلغ عدد الباحثين عن العمل في السلطنة 65 ألف شخص
مبادرات ذاتية
بلغ إجمالي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تقدمت بطلب تأجيل الأقساط مستحقة الدفع بجميع فروع صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى منتصف العام 2020، 171 مؤسسة، وفق الموقع الرسمي للصندوق، والذي أشار إلى أن الصندوق جدول بعض القروض الممنوحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتفادي تعثرها بسبب الأوضاع الراهنة، بعد توقف عمليات التشغيل في بعض المشروعات.
لكن بعض المتضررين قرروا الاعتماد على أنفسهم، ومنهم خالد الرئيسي، والذي قال:" تكاتفنا كعائلة، وقمنا بدراسة وضعنا وسط الجائحة،ودفعنا رواتب العمال". وهو ما فعله محمود العبري للحد من تفاقم خسارته، إذ عمل مع فريقه بالمتاجرة في بيع الأكياس الصديقة للبيئة، الأمر الذي فتح لهم مصدر رزق جيد، وفق قوله.
بالإضافة إلى ما سبق ساهمت جهات خيرية ومنها جمعية الرحمة لرعاية الأمومة والطفولة (تطوعية خيريه مقرها في مسقط) في إطلاق مبادرة "الناس للناس" عبر تخصيص 50 ألف ريال (130 ألف دولار) لدعم أصحاب مشاريع عربات البيع الذين تأثروا بفترات الإغلاق، حسبما تقول نبيلة بنت موسى البلوشي، رئيسة قسم دعم الأسر بالجمعية لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن المبادرة التي تم تنفيذها في إبريل/ نيسان 2021، شملت 6 مشاريع لديهم تصاريح بلدية، بمبلغ وقدره 2400 ريال (6233 دولار)، غير أن الحبسي يرى أن تعافي بعض المشاريع يحتاج إلى قدرة مالية أكبر، وهو ما يجعلهم في حاجة إلى تدخل لإعفائهم من شروط بطاقة ريادة الأعمال ونيل الدعم الحكومي.