الطلاق في قطر... إخفاق في مواجهة تحديات العام الأول للزواج

27 اغسطس 2023
1324 شهادة طلاق لشباب قطريين خلال عام 2021 (العربي الجديد)
+ الخط -

تتصاعد معدلات الطلاق في المجتمع القطري المتمسك بعاداته وتقاليده، غير أن إخفاق الطرفين المقبلين على الزواج في اكتشاف الاختلافات الجوهرية بينهما قبل عقد القران وتصاعد تبعات الوفرة المادية وآثارها يفككان المنظومة أحياناً.

- اتخذ الثلاثيني القطري عبد الرحمن محمد قرارًا بالانفصال عن زوجته بعد ست سنوات من الخلافات الأسرية التي بدأت بسيطة بحسب وصفه، ثم تصاعدت حتى حسم أمره قبيل أيام من شهر مارس/آذار الماضي. يقول محمد وهو اسم اختاره الموظف العامل في إحدى الجهات الحكومية رغبة منه في عدم نشر هويته لما يراه من حساسية أنه وكغيره من الشباب طلب من والدته ترشيح زوجة واختارت إحدى قريباته التي كان عمرها وقتها لا يزيد على 18 عامًا، وفي عجالة ولوجود الارتياح المتبادل بين الشاب والفتاة سارعت الأسرتان لإتمام تجهيزات الزواج التي لم تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر. 

لكن "بدأت المشكلات منذ الشهر الثاني لزواجنا" كما يقول محمد لـ"العربي الجديد"، موضحا أن خلافًا بدأ بسيطًا نشب بينه وزوجته والتي غادرت على أثره المنزل وذهبت إلى عائلتها وحين رغب في عودتها مرة أخرى وجد والديها يلزمانه بشروط أهمها توفير منزل مستقل عن أهله وتخصيص خادمة واحدة على الأقل لهما، وافق عبد الرحمن على الشرط الثاني معتبرًا أن أسرته الصغيرة كغيرها تستعين بعاملات منزليات، لكنه طلب تأجيل الشرط الأول إذ لا يمتلك المال الكافي لتوفير منزل مستقل.

وبالفعل عادت الزوجة إلى المنزل إلا أن الخلافات استمرت حتى بعد أن رزقا بطفلة ثم طفل آخر بعدها بعامين، يقول محمد إن كل محاولاته لاحتواء المشاكل مع زوجته السابقة وعلى مدار السنوات الست فشلت، فلم يجد الطرفان بدًا من الطلاق.

ولم يتسن لمعد التحقيق الحديث مع زوجة محمد السابقة، إذ يمثل الحديث عن تفاصيل الحياة الأسرية أمرًا غاية في الحساسية لدى المجتمع القطري لدرجة أن من بين سبعة رجال خاضوا تجربة الانفصال وتحدثوا لـ"العربي الجديد"، وافق واحد فقط منهم وهو محمد على نشر تفاصيل تجربته، وتحت اسم مستعار.

كيف تتصاعد الظاهرة؟

منذ عام 2019 يشهد معدل الطلاق العام لكل ألف من السكان القطريين ارتفاعًا مستمرًا مقارنة بالفترة بين 2015 و2018 والتي تراجعت فيها المعدلات من 7.9 لكل ألف امرأة قطرية عام 2015 وحتى 6.4 لكل ألف امرأة قطرية عام 2018 كما تراجع المعدل أيضًا بالنسبة للرجال خلال نفس الفترة من 9.4 إلى 8.5 لكل ألف رجل قطري، بحسب إحصاء سنوي أصدره جهاز التخطيط والإحصاء في أغسطس/آب 2022.

لكن خلال عام 2019 وبحسب بيانات التقرير وهو أحدث إصدار للجهاز في هذا الشأن، بلغ المعدل 11.5 لكل ألف رجل قطري و9.6 لكل ألف امرأة قطرية، ولم يتغير المعدل كثيرًا في 2020 إذ بلغ 11.5 لكل ألف رجل قطري و9.7 لكل ألف امرأة قطرية، ثم ارتفع مجددًا عام 2021 ليبلغ 13 لكل ألف رجل قطري و11 لكل ألف امرأة قطرية.

وفي العام 2021 وهو نفس العام الذي انفصل فيه محمد عن زوجته، صدرت 1324 شهادة طلاق لشباب قطريين وعلى عكس ما مر به فإن الأرقام الرسمية تشير إلى أن النسبة الأكبر من حالات الطلاق بين القطريين عام 2021 وقعت بين رجال ونساء لا تربطهم صلة قرابة بنسبة 78% بينما شكّلت حالات الطلاق بين المواطنين القطريين الذين تربطهم صلة قرابة من الدرجتين الأولى والثانية معًا ما نسبته 22% من إجمالي حالات الطلاق، إذ تقل نسبة الطلاق كلما زادت درجة القرابة بواقع 10% للأقرباء من الدرجة الأولى و12% للأقرباء من الدرجة الثانية.

وتكشف البيانات أن حالات الطلاق كانت أعلى عند الأزواج القطريين في الفئة العمرية من 30 إلى 39 سنة بنسبة 34.6 من إجمالي حالات الطلاق تليها الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة بنسبة 31.3% ثم الفئة العمرية من 40 إلى 49 سنة بنسبة 17.5%، وكانت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية أقل من 20 عامًا نظرًا لقلة أعداد المتزوجين في هذه الفئة العمرية تليها فئة من 60 سنة فأكثر بنسبة 5.5%.

ويتصدر القطريون الحاصلون على المؤهل الثانوي والجامعي قائمة أعلى معدلات الطلاق بين الرجال القطريين بنسب 38.5% و30.2% من مجمل الحالات على الترتيب، فيما كانت أقل نسبة بين الأميين بنسبة 0.7% ثم من يقرؤون ويكتبون فقط بنسبة 0.9%

أما بالنسبة للزوجات القطريات فإن أعلى حالات طلاق كانت في الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة بنسبة 44% من إجمالي الحالات تليها الفئة العمرية من 30 إلى 39 سنة بنسبة 28.9% ثم من 40 إلى 49 سنة بنسبة 15.4% وأقل نسبة كانت 1.5% في الفئة العمرية من 60 سنة فأكثر.

ولم يختلف كثيرًا ترتيب معدلات الطلاق حسب الحالة التعليمية للقطريات عن القطريين، فتصدرت الحاصلات على المؤهل الثانوي قائمة الأعلى في معدلات الطلاق بنسبة 49.1% من مجمل حالات الطلاق تلتها الحاصلات على مؤهل جامعي فأعلى بنسبة 24.4،%، فيما كانت أقل نسبة طلاق بين الأميات بنسبة 0.4% ثم الحاصلات على دبلوم فوق الثانوي بنسبة 1%.

لماذا تتفاقم معدلات الطلاق؟

دفعت معدلات الطلاق المرتفعة والمتزايدة مؤسسات بحثية على رأسها معهد الدوحة الدولي للأسرة بالتعاون مع جامعة الدول العربية لإجراء دراسة مسحية عام 2021، بصدد "تقييم العلاقات الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى للزواج في العالم العربي" شملت نحو 1148 شخصا من 19 دولة عربية بينها قطر للوقوف على أبرز الأسباب التي تؤدي للخلافات الأسرية ومن ثم الطلاق. 

وأطلعت الدكتورة شريفة العمادي المديرة التنفيذية لمعهد الدوحة الدولي للأسرة "العربي الجديد" على النتائج الأولية لهذه الدراسة، إذ تصدّر عدم الانسجام مع الشريك وغياب التوافق النفسي والفكري وصعوبة اكتشاف شخصية الشريك قائمة أبرز مسببات الطلاق بين القطريين تحديدا، بينما بشكل عام في مختلف الدول التي شملتها الدراسة كانت هناك أسباب من قبيل المشكلات الاقتصادية وتدخل الأهل في شؤون ومشكلات الأسرة، وعلقت العمادي بأن ترتيب الأسباب هذا يخالف الدراسات السابقة إذ كانت المشكلات الاقتصادية وتدخل الأهل أبرز الأسباب قديمًا لوقوع حالات الطلاق، لكن في هذه الدراسة أكد المبحوثون أن تدخل الأهل كان إيجابيا بسبب المساعدات التي يمنحونها للزوجين في بداية حياتهما إما ماديًا بتوفير السكن أو نفسيا باحتواء الخلافات بينهما أولًا بأول.

اللافت بحسب العمادي هو ارتفاع معدلات الطلاق قبل الدخول، أي في الفترة بين توقيع عقد القران وإتمام الزواج رسميًا وخلال السنة الأولى من الزواج. وتقول إن هذا يشير بوضوح إلى وجود إشكالية في أولويات اختيار الشباب لشركاء حياتهم، فوفقًا للأرقام الرسمية لعام 2021 والتي جاءت متوافقة مع أبحاث المعهد، وبالنسبة للقطريين المشاركين في الدراسة وقعت معظم حالات الطلاق 66.3% منها، إما قبل إتمام الزواج بشكل رسمي بنسبة 20.5% من مجمل حالات الطلاق، أو خلال أقل من عام على الزواج بنسبة 45.8%. أما بالنسبة للقطريات فنسبة 20.9% من حالات الطلاق وقعت قبل الدخول و46.2% خلال السنة الأولى للزواج بمجموع 67.1% من مجمل حالات الطلاق.

وهذه النسبة مؤشر كاف لتأكيد وجود إشكالية في آلية اختيار الزوجين لبعضهما وتوقعاتهما للحياة الزوجية من الأساس، كما ترى العمادي، مرجعة ذلك إلى أن نسب حالات الطلاق في باقي السنوات قليلة وطبيعية مقارنة بالسنة الأولى. 

وبالعودة إلى تقرير جهاز التخطيط والإحصاء يتضح أن هذه النسبة للنساء القطريات بلغت 4.9% ولكن خلال العام الثاني للزواج ولم تزد هذه النسبة عن 3% حتى السنة الخامسة للزواج وتزيد لتصبح 7.2% في الفترة من 5 إلى 9 سنوات على الزواج ثم تستمر في التناقص بمرور سنوات الزواج لتصل إلى 3.6% لمن تخطت حياتهم الزوجية 25 عامًا.

أما بالنسبة للرجال القطريين فوقعت 4.8% من حالات الطلاق خلال العام الثاني للزواج ولا تزيد عن 2.9% حتى السنة الخامسة للزواج ثم تزيد لتصبح 7.9% في الفترة من 5 إلى 9 سنوات على الزواج ثم تستمر في التناقص بمرور سنوات الزواج لتصل إلى 3% لمن تخطى عمر حياتهم الزوجية 25 عامًا.

 

تبعات اختيار شريك الحياة

يشرح المستشار الأسري وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر الدكتور عايش القحطاني الضوابط المنظمة لمسألة الخطبة والزواج في المجتمع القطري ويقول لـ"العربي الجديد" إنه حين يرى شابًا في نفسه قدرة على الزواج وتحمل مسؤولية بناء أسرة يكون أمام خيارين إما التقدم لخطبة فتاة يعرفها بحكم العمل أو القرابة أو الجيرة، أو يطلب من والدته أو إحدى اخواته ترشيح زوجة مناسبة له، وتذهب الأم أو الأخت إلى بيت الفتاة لعرض الأمر عليها وعلى أهلها، وفي حال الموافقة المبدئية يتقدم الشاب لوالد الفتاة لطلب يدها، فيسأل الوالد عن الشاب ويبحث أهليته لابنته من جميع النواحي ثقافية ومادية واجتماعية، ثم يأذن له في القدوم لبيته ويرى فيما يسمى بالنظرة الشرعية.

ويقدم القحطاني دورات للشباب المقبلين على الزواج تشمل كيفية إدارة الحوار بينهما خلال النظرة الشرعية والموضوعات التي عليهما التطرق إليها حتى يتسنى لكل طرف فهم أقصى ما يمكن فهمه من شخصية الطرف الآخر خلال هذه الجلسة، ويقول إنه ينصح حضور دوراته بالتطرق إلى موضوعات عميقة خلال حديثهما في الرؤية الشرعية مشددًا على أهمية فهم كل طرف لنظرة الطرف الآخر للأسرة والأدوار المنوطة بكل منهما وتوقعاته من الطرف الآخر، مشيرا إلى أن المصارحة التامة بين الشاب والفتاة حول هذه المسائل والبعد عن التجمل لإتمام الخطبة هما مفتاح زواج ناجح ومستقر.

في محاولة لفهم آلية الاختيار وتوقعات المقبلين على الزواج لشكل الحياة الزوجية وطبيعة الأدوار المنوطة بكل طرف في الأسرة، أجرى معهد الدوحة الدولي للأسرة دراسة شملت 175 مبحوثًا بعنوان "دراسة تصورات الشباب في قطر حول الزواج السعيد المستدام". 

وتنقل العمادي عن المبحوثين تصوراتهم حول الخصال الحميدة المرجوة في الزوج أو الزوجة والتي يمكن تلخيصها في احترام العادات والتقاليد، والسعي للتعبير عن الحب والمودة، والمشاركة في المسؤولية المالية وتربية الأطفال، علاوة على الصدق والتفاهم والاحترام المتبادل، غير أنها عادت وأكدت أنه خلال الاختيار الفعلي للزوج أو الزوجة على الأرجح يقف الطرفان على الصفات الشكلية والمادية للشريك فقط دون إعطاء نفسيهما فرصة التعمق في دراسة ملامح الشخصية وفهم الطباع المختلفة، ما يخلق خلافات زوجية بين الطرفين منذ بداية الزواج، وبحسب العمادي يتعرض الشباب لصدمة بعد الزواج بسبب الاختلافات الكبيرة في الشخصيات، حتى لو كان هناك إعجاب وارتياح متبادل قبل الزواج، وبالتالي صار "لدينا مشكلة في الاختيار ونحتاج لآلية ملزمة لتدريب الشباب على تحديات الحياة الزوجية". كما تطرح العمادي فكرة التربية الزوجية للمقبلين على الزواج وتقصد بها برامج معدة بعناية لتثقيف وتدريب المقبلين على الزواج وتوعيتهم بطبيعة مسؤوليات طرفي الأسرة والحقوق والواجبات المنوطة بكل منهما.

وتشير العمادي إلى أن المراكز الاجتماعية، ومن بينها مركز الاستشارات العائلية "وفاق" التابع لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، تنظم دورات بشكل شبه شهري تشارك هي شخصيًا في بعضها، بالإضافة إلى متخصصين من معهد الدوحة الدولي للأسرة، لكنها عادت وأكدت أن حضور هذه الدورات بشكلها الحالي ليس هو الجمهور المستهدف، مفسرة تعبيرها بالقول إن معظم من يحضرون تلك البرامج من الشباب والفتيات ذوي الثقافة العالية ولديهم فهم كاف لطبيعة العلاقة الزوجية، كما أن معدلات الطلاق بين هذه الفئات قليلة جدًا، ولكن الشرائح الأكبر للمجتمع باعتبارهم المستهدفين الحقيقيين لهذه البرامج لا يحضرونها.

وتحدث معد التحقيق مع خمسة شباب قطريين، ثلاثة منهم متزوجون حديثًا واثنان مقبلان على الزواج أكدوا جميعهم معرفتهم بالدورات التي يقدمها "وفاق" للمتزوجين والمقبلين على الزواج لكن واحدًا منهم فقط هو من سبق له حضور إحداها بتوصية من زوجته التي شاركته الحضور، بينما لم يبد الآخرون استعدادًا لحضورها لأسباب متباينة تتعلق إما بعدم توفر الوقت اللازم لها لانشغالهم بإنهاء ترتيبات الزواج أو لعدم شعورهم بجدواها بحسب قول أحد هؤلاء الشباب.

وتهدف برامج مركز وفاق إلى تهيئة وإعداد الشباب المقبلين على الزواج من الجنسين من أجل التفاعل مع متطلبات الحياة الجديدة، عبر غرس المفاهيم والمعارف المتعلقة بالحياة الزوجية والأسرية في كافة جوانبها الاجتماعية والنفسية والصحية والشرعية والقانونية والتي من شأنها أن تقود الفئة المستهدفة نحو حياة زوجية سعيدة، وتكوين أسرة مستقرة قادرة على مواجهة التحديات، كما يقول المستشار الأسري في المركز الدكتور حسن البريكي لـ"العربي الجديد".

ومنذ عام 2003 يقدم المركز "البرنامج التأهيلي للمقبلين على الزواج" ويؤكد البريكي أنه يستهدف كلًا من فئة الشباب والشابات المُقبلين على الزواج وعاقدي القران على حد سواء، مطالبا هو وشريفة العمادي بسن تشريع يلزم كل المقبلين على الزواج بحضور هذه الدورات كشرط أساسي لإتمام الأمر أسوة بشهادة الخلو من الأمراض.

ويلزم قانون الأسرة القطري رقم 22 لسنة 2006 المقبلين على الزواج بتقديم شهادة من الجهة الطبية المختصة تثبت خلوهما من الأمراض الوراثية، ومن الأمراض التي يصدر بتحديدها قرار من الهيئة الوطنية للصحة بالتنسيق مع الجهات المعنية.

وتقول العمادي إن إلزام المقبلين على الزواج بحضور دورات تثقيفية من شأنه أن يسهم في خفض معدلات الطلاق، خاصة تلك التي تقع في السنوات الأولى للزواج، فيما طرح عايش القحطاني اقتباس التجربة الماليزية للحد من معدلات الطلاق، ففي تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة نجحت الحكومة الماليزية في الهبوط بمعدلات الطلاق من نحو 32% في الثمانينيات والتسعينيات وحتى 7% خلال الفترة من عام 1992 وحتى عام 2000 متبعة برنامجًا يقوم على إنشاء مراكز خاصة لتأهيل المقبلين على الزواج، من شأنها منح المشاركين في دوراتها "رخصة زواج".

الصورة
تدريب حديثي الزواج على مهارات استقرار الحياة الزوجية بمركز وفاق في سبتمبر 2019
تدريب حديثي الزواج على مهارات استقرار الحياة الزوجية بمركز وفاق في سبتمبر 2019 (العربي الجديد)

 

لجنة في مجلس الشورى لمواجهة الظاهرة

في الثالث من إبريل/نيسان الماضي، قرر مجلس الشورى تشكيل لجنة مؤقتة لدراسة أسباب ارتفاع معدلات الطلاق بعد جلسة طرح خلالها عدد من الأعضاء حلولًا أبرزها؛ مراجعة التشريعات والقوانين المرتبطة بالأسرة والعمل على أن يكون القانون ضامنًا لاستمرارية المؤسسة الزوجية، وتقول شريفة العمادي إنها اجتمعت مع لجنة مجلس الشورى، وأطلعتهم على نتائج دراسات المعهد وتوصياته.

شكّل مجلس الشورى لجنة مؤقتة لدراسة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق

وأكد رئيس لجنة مجلس الشورى المؤقتة خالد العمادي لـ"العربي الجديد" أن اللجنة لم تنته بعد من استقبال المقترحات المتعلقة بارتفاع معدلات الطلاق ومناقشة جميع الأطراف من ذوي الاختصاص، وقال إن اللجنة ستناقش كافة الدراسات والبحوث المتعلقة بالظاهرة إذ يحق لها استدعاء ممثلين من أي جهة حكومية أو غير حكومية لتزويد اللجنة بالمقترحات والمعلومات من أجل الوصول لنتائج إيجابية.

وبحسب العمادي فإن أعمال اللجنة متوقفة مؤقتًا لأن أعضاء المجلس في إجازة رسمية بعد فض دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الحادي والخمسين للمجلس في 27 يونيو/حزيران 2023 كما تأثرت أعمال اللجنة بوفاة العضو محمد عيد الكعبي الذي وصفه بأحد الأعضاء الفاعلين في المجلس، وقال إن اللجنة ستواصل أعمالها مباشرة بعد انتهاء الإجازة الرسمية.

وفيما لم يسن بعد التشريع الملزم للمقبلين على الزواج بحضور دورات تثقيفية قبل الزواج يقترح محمد البنعلي المدير التنفيذي السابق لجمعية أصدقاء الصحة النفسية "ويّاك" توعية الأسر بضرورة السماح للمتقدم للزواج من ابنتهم وتحت نظر الأهل بتكرار الرؤية الشرعية ما يتيح للطرفين فهمًا أكبر للجوانب الشخصية للطرف الآخر، وقال لـ"العربي الجديد" إن المجتمع القطري تطور بشدة وانخرطت الفتيات في سوق العمل فلا عيب هنا في تكرار المحادثات بين الشاب والفتاة طالما سيساهم هذا في تقليل نسب الطلاق.

ويصف البنعلي منظومة الزواج في المجتمع القطري بالمتسقة مع العادات والتقاليد غير أنها لا تسمح للطرفين المقبلين على الزواج باكتشاف الاختلافات الجوهرية بينهما إلا بعد عقد القران، وهذا ما يفسر النسبة المرتفعة لحالات الطلاق قبل الدخول، وخلال السنة الأولى.

النسبة الأكبر لحالات الطلاق تقع خلال العام الأول من الزواج

ويقول البنعلي إن أغلب الأسر القطرية أثناء الرؤية الشرعية والاتفاق المبدئي على إتمام الزواج تتفق على أمور سطحية كالارتياح الشكلي والمستوى المادي والاجتماعي ولا يسمح للشاب والفتاة بالتواصل المستمر إلا بعد عقد القران.

تأثير الوفرة المادية

بتأثر شديد يتذكر محمد حفل عرسه وإجازة زواجه الأولى التي جال خلالها وزوجته عدة عواصم أوروبية، يصفها بأنها كانت أيامًا في الجنة سرعان ما انقلب الحال، ويحمّل نفسه جزءًا من المسؤولية ويقول إنه كان لزامًا عليه التركيز على فهم طباع زوجته عوضًا عن استغلال فترة الخطبة وعقد القران في التخطيط للعرس وإجازة الزواج. 

وتصف مزنة العنزي مديرة إدارة الاستشارات العائلية بمركز وفاق التركيز على الجوانب المادية والمبالغة فيها بأنها إحدى "الآفات الاجتماعية". وتقول لـ"العربي الجديد" إن التكاليف المادية المرهقة تضع المقبلين على الزواج وأسرهم تحت ضغط نفسي بهدف الظهور بمستوى اجتماعي ومادي زائف سواء كان ذلك بدافع شخصي أو بطلب من أسرة الزوجة، ما يساهم في ظهور المشكلات والخلافات على الأمور المادية منذ الإعداد لحفل الزواج وقد يستمر إلى ما بعد الدخول أو ينهي الزواج قبل إتمامه وذلك لانشغال الزوجين وأسرتيهما عن مفهوم الزواج الحقيقي والمقاصد الشرعية وأهمية تكوين الأسرة واستمراريتها بالأمور المادية من تجهيزات لحفل الزواج وخلافه. 

الصورة
برنامج وفاق التأهيلي للمقبلين على الزواج في أكتوبر 2022
برنامج وفاق التأهيلي للمقبلات على الزواج في أكتوبر 2022 (العربي الجديد)

ولم تعد الحياة الزوجية والأسرية كالسابق في بساطتها كما تضيف العنزي، وتفسر ذلك بأن كل شريك أصبحت له تطلعات متباينة، بالإضافة إلى تطور الوعي أكثر بالحقوق، وتؤكد العنزي أن تعلم المقبلين على الزواج الفروق الفردية بين الجنسين وطرق التعامل والتوافق لم يعد خيارًا، بل هو مطلب أساسي لاستمرار واستقرار الحياة.

كما تعتبر العمادي ما وصفته بالاهتمام المفرط بالتجهيزات المادية للزواج أحد أسباب ارتفاع معدلات الطلاق وقالت إن معظم الشباب والفتيات المقبلين على الزواج حاليًا يولون اهتمامًا مبالغًا فيه بملابس العرس وتجهيزات قاعة الاحتفال ووجهة السفر لقضاء الأسابيع الأولى للزواج أو ما يسمى بشهر العسل وتؤكد أن كثيرًا من الشباب يواجهون صدمة بسبب الاختلاف الكبير بين توقعاتهم للحياة الزوجية وملامحها الواقعية.

وتحمّل العمادي الأسر أيضًا مسؤولية تغليب الاهتمام بالتجهيزات المادية على الاهتمام باستعداد أبنائهم لخوض تجربة الزواج، وتقول إن أسرًا كثيرة في الوقت الحالي تنظر لحفلات الزواج على أنها مصدر مفاخرة، متسائلة ما وجه الاستفادة من تجهيز أفضل حفل زفاف واستدعاء أفضل فقرات فنية إذا وقع الطلاق في أول عام وأحيانًا في أول أسبوع، على حد تأكيدها.

"كل هذه النفقات المادية ستذهب هباء" تقول العمادي حتى بعض الشباب الذين يرفضون تكبد هذه النفقات يواجهون رفضًا من أسرهم إذ يصر الأهل على تنظيم حفل زواج بأكبر تكلفة من باب التفاخر.

وعوضًا عن الإفراط في بحث ومناقشة الشؤون المادية والاستعداد المبالغ فيه لحفلات الزفاف تشدد العمادي على ضرورة توعية الشباب وأسرهم بأهمية إعدادهم نفسيًا للحياة الأسرية مستذكرة ما كان يحدث في السابق من قيام الأم والأب بالجلوس مع أبنائهم وبناتهم المقبلين على الزواج ونقل خبراتهم الممتدة عن الحياة الأسرية وطبيعة مسؤوليات وأدوار الرجل والمرأة في الأسرة.

وترى العمادي أن فكرة التفاخر أصبحت تتجاوز حفلات الزفاف لتمتد إلى معظم ملامح حياة أفراد المجتمع في المأكل والملبس والمسكن ومقاصد الترفيه وهذا يمثل ضغطًا ماديًا على الأسر حتى المستقرة منها ويعرضها لمخاطر وقوع حالات الطلاق بسبب إمكانية تعرض الأسرة لمشكلات مادية كبيرة.

"كما للمجتمعات الفقيرة مشكلاتها للمجتمعات الغنية أيضًا مشكلاتها" تتحدث العمادي عن أثر الوفرة المالية أو ما وصفته بالترف على الأسر القطرية، وقالت إن الوفرة المالية جعلت قرار الطلاق سهلًا بالنسبة للزوجين، فكلاهما يتمتع بالاستقلالية المالية ما يسهل على الزوج الطلاق والزواج مرة أخرى ويسهل على الزوجة العودة لمنزل والدها دون تحميله عبء الإنفاق عليها لأن لديها وظيفة براتب مجز.

وينتقد محمد البنعلي المدير التنفيذي السابق لجمعية أصدقاء الصحة النفسية "ويّاك" ما أسماه غياب قيم كالصبر والتغافل بين الزوجين، إذ يؤكد أنه شهد حالات لأزواج وزوجات حديثي الزواج انفصلوا لأسباب يصفها بالتافهة، ويرجح أن وراء هذا الفردانية التي عززتها تغيرات نظم التعليم الحديثة بالإضافة إلى الوفرة المادية التي جعلت بحسب البنعلي الشباب والفتيات لا يبالون بالتبعات الاقتصادية لقرار الانفصال.

ويفسر البنعلي رأيه السابق بقوله: "في الماضي حين كان ينشب خلاف بين زوجة وزوجها كانت الزوجة تذهب لمنزل والدها، لكن سرعان ما كان الأخير يسعى إلى حل هذا الخلاف ويعيدها إلى منزل الزوجية لاعتبارات مادية إذ لم تكن لدى الوالد في الماضي الوفرة المادية للإنفاق على الزوجة المطلقة والتي كانت على الأرجح ليس لديها مصدر دخل ثابت". 

"الآن هذا تغير وصارت المرأة تتقاضى رواتب مجزية بالإضافة إلى راتب شهري تصرفه الدولة للمرأة المطلقة" يقول البنعلي، متهمًا بعض الأسر بسوء استغلال سعي الدولة لحفظ كرامة المطلقات بصرف رواتب شهرية لهن على حد قوله.

وينظر القانون رقم (38) لسنة 1995 بشأن الضمان الاجتماعي للمرأة المطلقة على أنها من الفئات المستحقة لمعاشات الضمان الاجتماعي بجانب المسنين وغير القادرين على العمل والأيتام وذوي الإعاقة والأسر المحتاجة والأرامل ومجهولي النسب وعائلات السجناء والزوجة المهجورة وعائلات المفقودين، وتتقاضى المرأة المطلقة بموجب القانون راتبًا شهريًا يبلغ نحو 6000 ريال قطري (1643 دولارا أميركيا).

الصورة
ارتفاع معدلات الطلاق خلال فترة عقد القران وفي السنة الأولى من الزواج
ارتفاع معدلات الطلاق خلال فترة عقد القران وفي السنة الأولى من الزواج (العربي الجديد)

 

أثر العمالة المنزلية على الأسر القطرية

يربط عايش القحطاني وحسن البريكي ما يسميانه بأثر الاستعانة بالعاملات المنزليات في تربية الأطفال وارتفاع معدلات الطلاق بين حديثي الزواج، فاعتبره القحطاني أحد أسباب ارتفاع معدلات الطلاق بين المتزوجين حديثًا، وقال إن التنشئة السليمة للطفل تتطلب وجود قدوة ممثلة في الأب والأم مع توزيع عادل للمهام التربوية بينهما.

"في بعض الأسر تجد الطفل لديه مربية وخادمة والأم تكتفي بإعطاء التوجيهات" يقول القحطاني إن بعض الشباب كبروا دون أن يعلموا جيدًا طبيعة المسؤوليات الأسرية والأدوار الموزعة على الأب والأم، وحينما خاضوا تجربة الزواج فوجئوا بالاختلاف بين أسرهم وأسر شركائهم.

ووفقًا لحسن البريكي فإن مركز وفاق وخلال دوراته يحرص على رفع الوعي المجتمعي بالآثار السلبية لعاملات المنازل على تنشئة الأطفال وتعاملهم مع الآخرين، ويوصي المركز حضور الدورات بضرورة تقليل الاعتماد على عاملات المنازل وتوضيح الفرق بين مهام العاملة ومسؤوليات الوالدين، مؤكدًا أن التربية ومتابعة الأبناء وتوفير احتياجاتهم الأساسية هي مسؤوليات أصيلة للوالدين لا يمكن للعاملة أن تحل محلهما فيها.

ويحذر البريكي من أن تكون ملازمة العاملة المنزلية للأطفال سبباً لاكتسابهم بعض السلوكيات التي وصفها بالخاطئة بشكل يمتد لتعزيز الفردانية لديهم وعدم الاستيعاب الكافي لقيمة الترابط الأسري والتضحيات المطلوبة لأجل تحقيقه.