البرنامج الفضائي الإيراني... انطلاقة مدنية تُوجت بأقمار عسكرية

04 سبتمبر 2022
15 جامعة إيرانية تقدم تخصص العلوم الفضائية (Getty)
+ الخط -

تسير إيران باتجاه مخططاتها الفضائية عبر برنامج بدأ في عام 1960، لكن مساره تغير بعد الثورة. وما بين الإخفاق والنجاح، وفشل محاولات التعاون مع الخارج والاعتماد على الذات، مراحل بناء، يتكامل فيها المدني مع العسكري.

- يرصد الباحث الإيراني محمد أمين آهنغري، مدير مركز الدراسات الفضائية "اسباس" (مؤسسة بحثية مستقلة)، مراحل تطور أنشطة بلاده الفضائية التي يمكن التأريخ لها منذ عام 1960، إذ اقتصرت في البداية على أبعاد غير تقنية، مثل المشاركة في تأسيس لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة والمعروفة اختصارا بـ (COPUOS)، ومن ثم الانضمام إلى الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) والتوقيع في عام 1968 على معاهدة الفضاء الخارجي (تنظم أنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء).

وضمن النهج السابق، سجلت الحكومة الإيرانية في عام 1977 ثلاثة نقاط مدارية لاستخدامات البث التلفزيوني والاتصالات على المدار المتزامن مع الأرض GSO، فضلا عن تأسيس مركز الاستشعار عن بعد في العام نفسه، كما يضيف آهنغري لـ"العربي الجديد"، موضحا أن تلك الخطوات مهّدت لتأسيس برنامج إيران الفضائي، الذي انطلق بشكل مغاير بعد "الثورة الإسلامية" وتحديدا عقب عام 1986، إذ جرى العمل على نقل المعرفة ودخول مجال صناعة الأقمار الصناعية، لتتكثف الجهود في عام 1999 من أجل استيراد التقنية ونقل المعرفة.

فشل التعاون مع الخارج

مرّ البرنامج الفضائي الإيراني بثلاثة مراحل أساسية، بحسب إفادة المهندس إيرج إبراهيمي، عضو اتحاد الصناعات الجوية والفضائية الإيرانية (يضم 300 شركة خاصة)، وتمتد المرحلة الأولى منذ ما بعد الثورة وحتى نهاية الحرب الإيرانية العراقية عام 1988، وقتها استفادت إيران عسكريا من خدمات الأقمار الصناعية العابرة من أجواءها والتي تعمل في مجالات الاستشعار عن البعد (Remote Sensing) وأنظمة التموضع (GPS) وأقمار الاتصالات (telecommunications) والتي استخدمت في بث برامج التلفاز الحكومي.

وبعد انتهاء الحرب، بدأت المرحلة الثانية مع تسارع حركة البناء والإعمار في البلاد والحاجة الملحة إلى الصور والمعلومات الجوية والفضائية لتقييم ودراسة سطح الأرض والجغرافية الإيرانية، بغية رسم خطط جيوغرافية لتوسيع شبكات الطرق والمياه والكهرباء وخطوط النفط والغاز، الأمر الذي ساهم في الاهتمام الجاد بالمجال، وجذب متخصصين إيرانيين في علوم الفضاء إلى العودة للبلاد وتأسيس اختصاصات جامعية، فيما اتسمت المرحلة الثالثة بالتوجه نحو بناء الأقمار الصناعية منذ مطلع الألفية الثالثة، خاصة بعد اشتداد العقوبات الغربية وزيادة عدد خريجي العلوم والصناعات الفضائية في البلاد، وهو تخصص تقدمه 15 جامعة إيرانية، ومن وقتها عمل القطاعان الحكومي والخاص على خطة التصنيع.

وفي بداياتها، قامت الخطة الإيرانية على نقل تقنيات فضائية من الخارج، وتحديدا بعد عام 1999، من أجل إكمال تحضيرات تشييد بنية تحتية لبناء الأقمار الصناعية بمشاركة إيطاليا وروسيا، كما يقول مدير مركز الدراسات الفضائية الذي يكشف عن أن نقل المعرفة كان ضمن مراحل خطة تصنيع محلي نشطت حتى عام 2002، ما ساهم في الإسراع بتطوير المشروع الفضائي والحصول على التقنيات اللازمة وتوطنيها.

 تجميد تعاون إيطالي إيراني في تصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية

غير أن هذه الخطة "لم تكن ناجحة"، وهو ما يبدو في تجربتي بناء قمري سينا ومصباح الاصطناعيين، إذ يقول الخبير آهنغري إن المتخصصين الإيرانيين صنعوا القمرين لاستخدامات مدنية في مجال الاتصالات ومسح الأراضي والزراعة، إلا أن قمر سينا، المصنوع في روسيا بمشاركة متخصصين إيرانيين، أطلق إلى الفضاء في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2005 عبر صاروخ روسي، لكن مصيره يظل مجهولا حتى اليوم، فضلا عن أن قمر مصباح الذي صنع بعد الثورة بمشاركة خبراء إيطاليين نقل إلى روما عام 2005، لكن لم يُطلق حتى اليوم بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

توطين الصناعة الفضائية  

بعد فشل تجارب التصنيع المشترك مع الخارج، قررت السلطات الإيرانية "مواصلة العمل على المشروع الفضائي بالاعتماد على القدرات الذاتية"، وهو ما تم عبر تأسيس المجلس الأعلى للفضاء في عام 2003 ثم وكالة الفضاء الإيرانية التابعة للمجلس عام 2004 ، ضمن مشاريع وزارة الاتصالات الإيرانية، كما يقول الخبير آهنغري. ونتيجة للاعتماد على الداخل، أطلقت إيران، في الثاني من فبراير/شباط 2009، أول قمر صناعي بحثي محلي باسم "أميد" ويزن 27 كيلوغراما، عبر صاروخ سفير المحلي، ضمن مدار بين 252 كيلومترا و383 كيلومترا، بحسب رئيس معهد "اسباس" للفضاء.

كما أرسلت إيران إلى الفضاء، في 15 يونيو/حزيران 2011، أول قمر صناعي بحثي في مجال التصوير حمل اسم رصد بوزن 15.3 كيلوغراما، وبقي في مدار 260 كيلومترا ثلاثة أسابيع، وفق آهنغري الذي يضيف أن القمرين يصنفان ضمن الفئات الصغيرة بسبب القدرات المحدودة لمجموعة صواريخ سفير الحاملة هذه الأقمار.

تجارب فاشلة  

بعد عدة تجارب ناجحة لإطلاق مركبات صغيرة الحجم، سجلت إيران، خلال السنوات الأخيرة، فشلا في وضع أقمار صناعية مدنية كبيرة الحجم في مدارات ما بعد 500 كيلومتر من الأرض، إذ رصدت "العربي الجديد" 4 تجارب إطلاق غير ناجحة من قاعدة "الإمام الخميني" الجوفضائية وسط إيران، خلال الفترة منذ يناير/كانون الثاني 2019 وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2021. 

وتشمل الأقمار "بيام" المخصص للتصوير الفضائي (جرت محاولة إطلاقه في 15 يناير 2019)، وفق موقع "نادي المراسلين الشباب" الحكومي، وقمر "ناهيد" (فشل إطلاقه في أغسطس/آب 2019) بسبب وقوع انفجار في منصة الإطلاق، حسب ما صرح به المتحدث باسم الحكومة السابقة علي ربيعي في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون الإيراني، فضلا عن فشل إطلاق قمر "ظفر" الصناعي في فبراير/شباط عام 2020، بسبب السرعة غير الكافية لصاروخ "سيمرغ" الحامل للقمر، إذ أعلنت وزارة الاتصالات حينها، وفق وكالة "تسنيم" الإيرانية المحافظة، أن سرعة الصاروخ بلغت 6533 كيلومترا في الساعة، بينما كانت السرعة اللازمة نحو 7400 كيلومتر.

وأحدث تجربة فاشلة كانت يوم 31 ديسمبر2021، عندما أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، حسب التلفزيون الإيراني، إطلاق قمر حمل ثلاثة شحنات بحثية إلى الفضاء عبر صاروخ "سيمرغ"، لكن بعد يوم، ذكرت أن "التجربة لم تكن ناجحة" لأن سرعة الصاروخ لم تكن كافية.

الصورة
عسكرة البرنامج الفضائي

أسباب فشل التجارب  

"يعد فشل تلك التجارب أمرا طبيعيا مثل ما يحدث في جميع الدول التي تمر بمرحلة الاختبارات"، بحسب ما يقوله رئيس معهد الجوفضائي الإيراني الحكومي فتح الله أمي، لـ"العربي الجديد"، غير أن رئيس معهد "اسباس" يتحدث عن جملة أسباب وراء إخفاق تلك التجارب الفضائية، أهمها العقوبات الأميركية المفروضة ومشاكل تطوير الصواريخ الحاملة الأقمار المدنية، والتي تصنعها وزارة الدفاع الإيرانية.

وتعمل الوزارة على تطوير الصواريخ، إذ كشفت في 1 فبراير/شباط 2021 عن مركبة "ذو الجناح" لحمل الأقمار الصناعية، وبحسب تصريحات إعلامية للمتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية أحمد حسيني، فإن الصاروخ الجديد يحظى بأقوى محرك يعمل بالوقود الصلب، فيما كانت الصواريخ السابقة تعمل كلها بالوقود السائل، مشيرا إلى "تجربة ناجحة" لأول مرحلة بحثية للصاروخ القادر على حمل قمر إلى مدار يبعد عن الأرض 500 كيلومتر وبوزن 220 كيلوغراما.  

تكامل بين البرنامج الفضائي وعمليات تطوير الصواريخ البالستية

وبينما أكدت وسائط إعلامية أميركية، في 2 مارس/آذار 2022، أن صور الأقمار الصناعية لشركة "مكسار" الدولية للرصد الفضائي، تشير إلى عملية إطلاق ثانية "فاشلة" لصاروخ يعتقد أنه من نوع "ذو الجناح" من قاعدة "الإمام الخميني" الفضائية، يقول القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم لـ"العربي الجديد" :"أجريت اختبارات للصاروخ الحامل للأقمار (ذو الجناح) وأنواعه المختلفة، ويجرى العمل على النوع الجديد لتطوير مداه وطبيعة استخدامه، وبعض الاختبارات ناجحة، وفي بعضها لم يتمكن الصاروخ من إنجاز المهمة، لكن تم إجراء تحسينات في النسخ الأحدث".

عسكرة البرنامج الفضائي  

أطلق الحرس الثوري الإيراني أول قمر صناعي عسكري إيراني في 22 إبريل/نيسان 2020، بحسب وكالة "سباه نيوز" التابعة للحرس، والتي ذكرت أن القمر "نور 1" وُضع بنجاح عبر صاروخ قاصد في مدار على بعد 425 كلم عن الأرض، كما أطلق "الحرس الثوري، في 8 مارس/آذار 2022، قمر نور 2 إلى الفضاء"، معلنا عبر ذات المصدر عن :"نجاح في وضع القمر في مدار 500 كيلومتر من الأرض"، مشيرا إلى أن مهمة القمر "استشعار واستطلاع".

و"للبرنامج الفضائي الإيراني أبعاد عسكرية"، كما يؤكد رئيس معهد الجوفضائي الإيراني قائلا لـ"العربي الجديد" :"هذه الأمور تبقى سرية وأنا غير مطلع عليها".   

ما سبق يوضحه لـ"العربي الجديد" الخبير الإيراني المتخصص في الشؤون الدفاعية والعسكرية المحافظ محمد شلتوكي، قائلا إن :"الأقمار الصناعية لها استخدامات كثيرة في المجال الدفاعي، ومنها الاستعمال الأكثر أهمية لطهران في جمع المعلومات الاستخبارية عبر الاستطلاع من خلال أقمار الاستشعار عن بعد لرصد تحركات الأعداء وقواتهم"، مؤكدا أن طهران تهدف إلى تأسيس منظومة من الأقمار الصناعية العسكرية تستخدمها في مجال زيادة مدى الأسلحة وتحسين الدقة للتكامل مع برامج الطائرات من دون طيار.

غطاء لتطوير الصواريخ البالستية  

تعبر الدول الغربية، عن خشيتها، من البرنامج الفضائي الإيراني، إذ تتهم طهران بأنها تهدف من وراء برنامجها الفضائي، إلى تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، فضلا عن حديثها بأن إطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي 2231 الصادر في يوليو/تموز 2015 بخصوص المصادقة الأممية على الاتفاق النووي.

وانعكس ذلك في مواقف متعددة صادرة عن الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، من بينها قرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على ثلاثة مؤسسات فضائية إيرانية في سبتمبر/أيلول 2019، وهي وكالة الفضاء الإيرانية والمعهد الفضائي الإيراني ومعهد الجوفضائي الإيراني.

وينص قرار وزارة الخزانة الأميركية على أن التقنيات التي تستخدمها إيران لتطوير برنامجها الفضائي "متطابقة تقريبا وقابلة للتبديل مع تلك التي تستخدم في تطوير الصواريخ البالستية"، مضيفا بأن ذلك يسمح لها بـ"اكتساب الخبرة في الحصول على التقنيات المختلفة اللازمة لتطوير صاروخ بالستي عابر للقارات". ويتهم القرار طهران بـ"انتهاك" قرار مجلس الأمن 2231.  

لكن الخبير شلتوكي، يصف هذه المواقف الغربية بأنها "مزاعم خاطئة بالكامل لأن البرنامج الصاروخي الإيراني هو الذي يساعد في تطوير البرنامج الفضائي من خلال الصواريخ الحاملة للأقمار، وليس العكس"، مشيرا إلى أن البرنامجين "منفصلين عن بعضهما البعض"، ويكمل القيادي السابق في الحرس الثوري كنعاني مقدم، قائلا: "برنامج إيران الفضائي لا يشكل خطرا على دول المنطقة، بينما الحساسية التي يبديها أعداء الجمهورية الإسلامية تجاه البرنامج تكمن في أنه اذا ما تمكنت من إنجاز خططها الفضائية بشكل ناجح، فبكل تأكيد ستكون للقوة الجوفضائية الإيرانية الكلمة الأولى في المنطقة، وهذا أمر ما يقلق الأميركيين والكيان الصهيوني".