أثناء تصفحه لموقع إلكتروني، فوجئ الثلاثيني القطري ناصر الشمري، بإعلان تحريري يعد باستثمار ناجح يمكن أن يدر الملايين في شهور معدودة، ورغم أن الشمري يعلم أن مثل هذه الروابط فخاخ ينصبها محتالون عبر الإنترنت، لكن الأمر كان مختلفاً هذه المرة، إذ كان الإعلان مشفوعاً بقصة مفصلة لأحد نجوم المجتمع القطريين الفنان صلاح الملا، المشهود له بالخلق الرفيع، ما أثار دهشته ودفع عشرات التساؤلات إلى رأسه، غير أن حذره تغلب على فضوله ولم يقع في هذا الشَرَك، كما يقول.
ولا تقتصر تلك الإعلانات الوهمية على شخص أو شخصين من المشاهير في المجتمع القطري أو دول الخليج، كما يقول الفنان القطري صلاح الملا، مضيفا البعض استغل اسمي وقام بالترويج لما يسمى بـ "مفتاح الثروة"، لاستقطاب الجمهور من أجل وعود بالملايين عبر الاستثمار الإلكتروني، وهذا أمر عارٍ تماماً من الصحة، وقد نفيته، وأكدت أنه لا علاقة لي بهذا الأمر من قريب أو من بعيد.
وشاهد الملا هذه الإعلانات بعدما تحدث معه العديد من أصدقائه للاستفسار عما فيها، قائلا :"اتضح بعد بحث أنها شبكات ناشطة على الإنترنت تستغل أسماء مشاهير في كثير من الدول، وتلفق قصصا وهمية تتعلق بالثروة التي حققوها، لخداع الباحثين عن الاستثمار، هو ما تسبب له في الكثير من المشكلات"، خاصةً وأنه من الأسماء المعروفة لدى الكثيرين في المجتمع.
وسعى الفنان القطري إلى مواجهة القائمين على تلك الإعلانات الوهمية، كما يوضح قائلا: "تواصلت مع صديق يعمل بالمحاماة، وجاري البحث عن طرق مقاضاة من استغل اسمي، ولكن المشكلة أن هذه الجهات تتخفى عبر طرق احتيالية وأساليب إلكترونية، لتصعيب محاولة تعقبها، لافتا إلى أنه بصدد التواصل مع إدارة الجرائم الالكترونية بوزارة الداخلية القطرية، مشيرا إلى أن فنانين في الكويت والإمارات تم استغلال أسمائهم في أمور مماثلة.
ونصح الفنان القطري كل من يرى إعلان من هذه النوعية بألا يلتفت له، موضحاً أن قنوات الاستثمار واضحة، ومن يرغب في الاستثمار بالبورصة على سبيل المثال سيجد أبواب مؤسسات رسمية وموثوقة مفتوحة أمامه، محذرا من الجري وراء "أوهام" الثراء السريع.
محتالون يستخدمون أرقام هواتف قطرية
يوضح العقيد علي حسن الكبيسي مدير إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية بالإدارة العامة للمباحث الجنائية، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد" أن استغلال التطور التكنولوجي والتقني في تطوير الأساليب الإجرامية بات شائعا، ويبقى الفيصل في وقوع مثل هذه الجرائم من عدمها مرتكزاً على وعي الجمهور، مشيرا إلى رصد الإعلانات التي تعد بربح وفير عن طريق استثمار تحوط به الشكوك والتي تستهدف الافراد عن طريق الهواتف الجوالة، أو عن طريق مواقع إلكترونية وهمية، أو منصات التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أن المحتال يكون خارج البلاد ويستخدم أرقام هواتف قطرية، وقد يدعي مثلا أنه يتبع أحد البنوك أو الشركات، وأن الضحية قد فاز بجائزة ويطلب البيانات البنكية، أو أن بطاقته البنكية تم إيقافها ويطلب منه المعلومات السرية أو أي طريقة تُمكن المحتال من الحصول على مبالغ مالية من الحساب، كذلك توجد طريقة ثالثة من الأساليب الاحتيالية بأن يعمد الجاني إلى تفعيل تطبيق شركات الاتصال عن طريق طلب رقم الـ [OTP] للاستحواذ على الحساب ومن ثم الاستيلاء على ما يرتبط به من أموال.
وأضاف الكبيسي أنه وللتصدي لمثل تلك الأساليب الجرمية تتبع الإدارة منهجية تقصي البيانات المتوفرة لدى الضحايا وربط العلاقات والخيوط بين الوسطاء وبين المجرمين خارج البلاد، وهنا يأتي دور التحليل المالي بالتنسيق مع وحدة المعلومات المالية ومصرف قطر المركزي، ضمن ركيزة أساسية لبناء الأدلة بالربط بين هذه الأطراف بالإضافة إلى التحري الإلكتروني وجمع الأدلة الرقمية، من أجل وبناء الدليل المادي والمعنوي على وقوع الجريمة وتقديمه للعدالة لضبط الجناة.
ويشير العقيد الكبيسي إلى أن من يقع ضحية لهذا الأسلوب الاجرامي يكون مستوى وعيه بخطورة مشاركته البيانات البنكية أو الشخصية ذات الطابع السري قليل، وأن الإدارة بالتنسيق مع إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية تعمل وفق خطة التوعية الشاملة للمجتمع القطري المنبثقة من استراتيجية وزارة الداخلية والتي تعمل على رفع الوعي المجتمعي بمخاطر الجرائم بشكل عام وجرائم الاحتيال الالكتروني بشكل خاص ولا تقتصر التوعية باللغة العربية بل تشمل عدة لغات اجنبية واسيوية.
ولفت إلى أن التحرك السريع للضحية يزيد من فرص استرجاع الأموال المحولة من حسابه، لما لوزارة الداخلية من علاقات مميزة مع مصرف قطر المركزي والبنوك العاملة في الدولة، ويمكن الإبلاغ، من الحجز على المبلغ قبل استلامه من قبل المحتال، وكلما تأخر الشخص يكون من الصعب استرجاع الأموال، لوصولها للدوائر التالية من شبكة الاحتيال.
وذكر أن البعض يحجمون عن الإبلاغ عن عمليات الاحتيال التي يقعون فيها، مضيفاً: بعد معرفة أحد المحتالين في دولة بعينها نجمع معلومات حول المبالغ المالية التي تم تحويلها من الأشخاص في قطر، ونكتشف أن هناك من وقعوا ضحية الاحتيال ولم يقوموا بالإبلاغ.
وينصح العقيد على الكبيسي بعدم التجاوب مع الإعلانات الوهمية أو الرسائل الاحتيالية، مضيفا أن المؤسسات المالية والبنوك من أهم أهدافها المحافظة على بيانات عملائها من خلال القنوات الآمنة في التعامل وتطالب دائما عدم مشاركة البيانات البنكية، خاصة السرية منها هذا من ناحية ونطالب كذلك الإعلام، "والعربي الجديد" أن يشاركنا في رفع الوعي لدى المجتمع كي لا يكون ضحية لمثل هذ الأسلوب الاجرامي.
حلم الثراء السريع
يتفق رجل الاعمال ونائب رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر السابق، عبد العزيز العمادي، مع العقيد الكبيسي قي أهمية التعامل بحذر مع إعلانات الاستثمار الالكتروني، مشيراً إلى أن المحتال يبحث عن أي مبلغ مالي يمكن أن ينهبه، لأنه يتعامل مع العشرات يومياً، وأي مبلغ يحصل عليه يمكن أن يكون بوابة لجمع أموال طائلة.
وأضاف: من يقعون في مثل هذه "الفخاخ" هم من يحلمون بالثراء السريع وبدون أي مشقة، وهي طبيعة في النفس البشرية، ولكن يتعين على كل إنسان أن يكون عقلاني، وأن ينظر إلى الأمور بمنظور واقعي، فإن كان الشخص المحتال قادر على تحويل الألف ريال إلى ملايين، فلما لا يوفر على نفسه المشقة، وأن يستثمر في أموال قليلة يجني من خلالها هذه الارباح.
ويتابع العمادي قائلاً: على المواقع الالكترونية المختلفة، قابلتني عشرات القصص المختلقة، فمن الفنان المشهور الذي جنى ملايين في شهور، إلى الخادمة التي أتت للخليج قبل سنوات، وبعدها اشترت بيت كفيلها، وغيرها من القصص التي يلمس كل منها جانب نفسي لدى كل إنسان، فيدفعه للتفكير في "كبسة زر" قد تكون بوابة الاحتيال عليه. وتابع :"لا يوجد استثمار يمكن أن يدر هذه العوائد في فترات زمنية صغيرة لهذا الحد".
الغريب أن نائب رئيس غرفة قطر تعرض لتجربة من هذا النوع، كما يروي لـ"العربي الجديد"، إذ تواصل معه أحد الأشخاص مدعيا انه يمثل شركة عالمية، فحرص العمادي من خلال الاتصال على معرفة كيف يحتالون على الناس، وتابع :"بدأ بالحديث عن مبلغ كبير للاستثمار في الذهب، فأدعيت أني موظف صغير ولا أملك المال، فقال المحتال: ولو ألف ريال ستربح من خلاله مبالغ كبيرة"، ثم بدأ في الحديث مع العمادي بمصطلحات اقتصادية يحاول من خلالها الالتفاف على طريقة الاستثمار المزعومة، وفي النهاية أخبره نائب رئيس غرفة قطر الاسبق بهويته ليقطع الاتصال.
فترات طويلة من التقاضي
يرى الخبير القانوني محمد ماجد الهاجري، أن قضايا النصب الالكتروني تحتاج إلى فترات طويلة من العمل عليها، نظراً لصعوبة الوصول إلى الجناة، خاصةً وأن أغلب عمليات النصب من هذا النوع تكون لمجرمين من خارج قطر، مؤكدا على ضرورة لجوء المشاهير للقضاء لدى رؤيتهم لاستخدام صورهم في هذه الإعلانات، ويضيف قائلا لـ "العربي الجديد": في حال كان مرتكب الجريمة داخل قطر فيقع تحت طائلة القانون رقم (14) لسنة 2014 والمتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية والذي ينص على الكثير من العقوبات في حالات الاحتيال الالكتروني، والتي قد تصل لغرامة مالية 200 ألف ريال قطري (قرابة 55 ألف دولار)، وكذلك السجن لمدة تصل لثلاثة سنوات.
ويتابع الهاجري موضحاً: تنص المادة رقم 11 من القانون رقم 14 لسنة 2014 على عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على مائة ألف ريال (27.5 ألف دولار) ، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من ارتكب فعلاً من الأفعال التالية 1- استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في انتحال هوية لشخص طبيعي أو معنوي. 2- تمكن عن طريق الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، من الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول، أو على سند أو التوقيع عليه، بطريق الاحتيال، أو باتخاذ اسم كاذب، أو بانتحال صفة غير صحيحة.
"ولابد من التعامل بصورة مباشرة مع الجهة التي تستثمر أموالك معها"، كما يقول الهاجري، لأن هذا يعني قدرتك على ملاحقتهم قانونياً في حال حدوث مشكلات، غير أن وجود المتهمين خارج الدولة، قد يدخل المستثمر في "دوامة" لن يجني منها غير المتاعب، وهو ما يؤيده الخبير التقني نبيل إبراهيم قائلا لـ "العربي الجديد": عمليات الاحتيال الالكتروني تنتشر بصورة كبيرة عالمياً، فبحسب تقرير صادر من مؤسسة "جي إس إم إيه إنتيليجنس" الأمريكية المتخصصة في الدراسات المتعلقة بالهواتف النقالة، تبين أن ازدياد عدد الأجهزة الإلكترونية الذكية في العالم ترافق مع نمو في عمليات الاحتيال الإلكتروني والجرائم الاقتصادية، خاصةً إن كان هذا الشخص في دولة ثرية كدول الخليج عامةً وقطر خاصةً.
وفي حال الوقوع في شراك هؤلاء المحتالين يؤكد إبراهيم ومصادر التحقيق على أهمية الإسراع في الإبلاغ ما يسهل من استرداد الأموال، ولكن التأخير يعني صعوبة الأمر، لأن بعض المحتالين يقومون بحيل ذكية من بينها نقل المال بين مجموعة من الحسابات البنكية في عدة دول.