اتجار في الوثائق الرسمية... أفغان يحصلون على هويات وجوازات سفر باكستانية

24 مارس 2024
سماسرة يسهلون حصول الأجانب على الهوية والجواز الباكستانيين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في السنوات الأخيرة، شهدت باكستان زيادة في حصول الأفغان على هويات وجوازات سفر باكستانية بطرق غير قانونية، مستخدمين وثائق مزورة وبمساعدة سماسرة لهم علاقات بموظفين حكوميين، لأسباب تشمل الحصول على حقوق المواطنة، شراء عقارات، والبحث عن فرص عمل أفضل.
- الحكومة الباكستانية اتخذت إجراءات مكثفة لمواجهة هذه الظاهرة، بما في ذلك استعادة آلاف الجوازات المزورة وإلغاء بطاقات هوية غير قانونية، مع تأكيد على اتخاذ إجراءات تأديبية ضد المخالفين للحفاظ على سلامة النظام القانوني والأمني.
- الدوافع وراء سعي الأفغان لهذه الوثائق تعود إلى الرغبة في الاستفادة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية في باكستان والسفر لدول أخرى، مع تفاقم الوضع بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في أفغانستان، مما يواجههم الآن بتحديات كبيرة بعد تشديد الإجراءات الحكومية.

حصل آلاف الأفغان على هويات وجوازات سفر باكستانية، عبر طرق احتيالية ووثائق مزورة، إذ يستغل سماسرة علاقاتهم الحكومية، وينجزون المعاملات غير القانونية، حتى وصل الأمر إلى استعادة سفارة باكستان بالرياض 12 ألف "باسبور".

- حصل الأربعيني الأفغاني، عصمت الله باركزاي، على جواز سفر باكستاني عبر وثائق مزورة في سبتمبر/ أيلول من عام 2017، إذ تمكّن من الحصول على بطاقة هوية باكستانية، استطاع بعد ثلاث محاولات استخراجها عبر سمسار من أبناء منطقة بلوسي في مدينة بيشاور الحدودية مع أفغانستان، لديه علاقات مع موظفي أحد مكاتب الهيئة الوطنية لقواعد البيانات والتسجيل NADRA في إقليم خيبر بختونخوا، شمال غرب باكستان.

وعقب استلامه الهوية دفع باركزاي إلى السمسار 50 ألف روبية باكستانية (173 دولاراً أميركياً في ذلك الوقت)، لكنّه فوجئ لدى استلامه البطاقة بأن المعلومات الواردة فيها لأسرة باكستانية وليست بياناته الحقيقية، إذ جاء اسمه الأول مقروناً باسم سيد أحمد وليس باسم والده محمد رقيب. ولدى اعتراض باركزاي وعده السمسار بتغيير معلوماته، لكنّه ظل يماطله، ما اضطره إلى استخراج جواز السفر عبر البطاقة ذاتها مقابل دفع 100 ألف روبية (346 دولاراً) للسمسار، كما يقول لـ"العربي الجديد".

وتشترط الهيئة على المتقدم للحصول على بطاقة الهوية، إحضار هوية أحد الأبوين، وأوراق ملكية المنزل، أو فاتورة الكهرباء أو الماء أو الغاز، حتى يحصل على استمارة يملأها ببياناته الشخصية، ومن ثم تجري بعدها عملية مطابقة البيانات عبر الموظف المختص، قبل أن يوقع ويبصم عليها، ثم يُمنح سنداً لتسلم البطاقة بموجبه لاحقاً، وفق باركزاي، الذي يؤكد أنه لم يمر بأي من تلك الاجراءات، باستثناء حضوره بصحبة السمسار إلى مكتب الهيئة للتوقيع، والقيام بإجراءات البصم على الاستمارة.

 

اتجار بالهوية وجواز السفر الباكستاني

يعد باركزاي واحداً من بين ثمانية أفغان وثق معد التحقيق حصولهم على جوازات باكستانية عبر وثائق مزورة، من خلال سماسرة على معرفة بموظفين ومسؤولين في مكاتب "NADRA"، ومن بينهم الخمسيني الأفغاني عبد المجيد (فضل ذكر اسمه الأول خشية من انكشاف أمره) والذي حصل على جواز باكستاني قبل عشرة أعوام، بهدف السفر للعمل في السعودية، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنه "وضع اسم والده في شجرة أسرة لا يعرفها في إقليم باجور الحدودي مع أفغانستان".

ويلعب السماسرة دور الوسيط بين مسؤولين في مكاتب الهيئة الوطنية لقواعد البيانات والتسجيل، وبين الأفغان الذين يرغبون في الحصول على بطاقة الهوية والجواز الباكستاني، حسب ثلاثة سماسرة تواصل معهم معد التحقيق عبر تطبيق واتساب وأخبرهم بأنه يرغب في استخراج جواز باكستاني، ومن بينهم أمين خان من مدينة بيشاور، الذي أكد أن موظفين ومسؤولين في مراكز الإصدار يحصلون على حصتهم من المال، مقابل استخراج بطاقة الهوية والجواز الباكستاني لأجانب، مشيراً إلى أن السماسرة يتفقون مع الشخص على المبلغ قبل بدء الإجراءات لاستخراج بطاقة الهوية والجواز، على أن يدفع جزءاً من المال مقدماً، ويدفع المبلغ المتبقي فور استلام بطاقة الهوية أو الجواز.

12 ألف جواز باكستاني مزوراً لمغتربين أفغان في السعودية

ما سبق يؤكده سمسار باكستاني آخر في باجور شمال غربي باكستان، يدعى محمد ياسر، تمكن من استخراج ألف جواز حتى سبتمبر 2023، آخرهم كان لامرأة أفغانية، دفع زوجها 500 ألف روبية (1788 دولاراً)، وفق تأكيده لمعد التحقيق.

ويقر محمد عادل ستي، مدير إدارة الرقابة والتفتيش في المديرية العامة للهجرة والجوازات في إسلام أباد، بوجود هذه الظاهرة، ولكنه يقول إنها تصل حالياً إلى 30 بالمائة، مقارنة بما كان عليه الحال سابقاً، معيداً سبب الظاهرة إلى النظام القبلي على جانبي الحدود بين البلدين، إذ توجد قبيلة الشينواري ومهمند البشتونية، وقبيلة صافي (في أفغانستان وشمال غرب باكستان) ووزير (تمتد جذورها إلى جنوب وزيرستان)، والتي تربط أفرادها علاقات أسرية، ويزكي أفراد تلك القبائل في الجانب الباكستاني من يأتون إليهم من الجانب الأفغاني.

فضلاً عن ذلك، يصعب التفريق بين أفراد تلك القبائل على الجانبين، لأن لغتهم واحدة، كما أنهم متشابهون في كل شيء حتى في ملابسهم أيضاً، فضلاً عن دفع أفغان المال لعائلات باكستانية أصلية من تلك القبائل، ليصبحوا جزءاً من شجرة عائلاتهم، كما يقول ستي، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "الحصول على الهوية يؤدي إلى نيل جوازات السفر الباكستانية".

الصورة
جواز سفر باكستاني
عدد الأفغان الذين سلموا جوازاتهم الباكستانية إلى السفارة الأفغانية بالسعودية وصل إلى 12 ألفاً (Getty)

 

لماذا يرغب الأفغان باستخراج جواز باكستاني؟

بدأت ظاهرة استخراج جوازات سفر باكستانية عبر وثائق مزورة للأفغان في تسعينيات القرن الماضي، حسبما تؤكد مصادر التحقيق، ومنهم الزعيم القبلي بمدينة بشاور رحمن الله خان، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "معظم الأفغان الذين حصلوا على الجواز الباكستاني، يعيشون في مناطق القبائل البشتونية بإقليمي خيبربختونخوا وبلوشستان جنوب غرب باكستان، وبنسبة أقل في كراتشي وروالبندي شمال شرق باكستان".

ويرغب الأفغان بالحصول على الجواز الباكستاني من أجل نيل حقوق المواطنة في باكستان وشراء الأراضي والمنازل، أو من أجل السفر إلى الدول العربية أو الغربية، وفق عبد المجيد، الذي سافر إلى السعودية قبل عشر سنوات، تمكن خلالها من افتتاح ورشة لإصلاح السيارات بالرياض، فضلاً عن بناء منزل وافتتاح محال تجارية في كراتشي، كما يقول.

ويؤكد عبد المجيد وسبعة أفغان آخرون، وثق معد التحقيق إفاداتهم، أن الحكومة الباكستانية كانت تغض الطرف عن حصول الأفغان على جوازات باكستانية، بدليل أن السفارة الباكستانية بالسعودية لم تكن تمانع من تجديد جوازاتهم المنتهية، رغم معرفتها بأنهم أفغان، إلى أن تغير الحال في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعدما بدأت السفارة الباكستانية في السعودية التدقيق في البيانات، وتطلب إحضار هوية أو جواز أحد الأبوين لمطابقة البيانات عند تجديد الجواز، بعد كشف السلطات السعودية وجود مواطنين أفغان يحملون جوازات سفر باكستانية مزورة، حسب قوله.

 

12 ألف جواز باكستاني مزور

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بدأت الحكومة الأفغانية السابقة، في إجراءات توزيع الجوازات الأفغانية على من سافر من مواطنيها إلى السعودية، عبر جوازات سفر باكستانية، على أن يجري تسليم الجوازات الباكستانية إلى السفارة الأفغانية لتقوم بدورها بتسليمها إلى السفارة الباكستانية، وترسل تقريراً مرفقاً بقائمة الأسماء الذين سلموا جوازاتهم الباكستانية إلى وزارة الداخلية السعودية، حسب مصدر بالسفارة الأفغانية بالرياض (رفض الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتحدث للإعلام)، لكنه يؤكد أن الحملة حينها كانت ضعيفة، بسبب الوضع الأمني في البلاد، وعدم رغبة الأفغان بتسليم جوازاتهم الباكستانية.

إلغاء 18 ألف بطاقة هوية وطنية محوسبة غير قانونية

ومع سيطرة حركة طالبان على الحكم في السادس عشر من أغسطس/آب 2021، شهدت الحملة دفعة قوية مع الاستقرار الأمني في البلاد، إذ وصل عدد الأفغان الذين سلموا جوازاتهم الباكستانية إلى السفارة الأفغانية بالسعودية فعلياً إلى 12 ألفاً حتى نهاية يوليو/تموز الماضي، وفق قوله لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن السفارة تقدر عدد الأفغان الذين سافروا إلى السعودية باستخدام جوازات سفر باكستانية بحوالي 25 ألف أفغاني.

و"تسلمت السفارة الباكستانية في مدينة الرياض من السلطات السعودية 12.096 جواز سفر باكستانياً لمواطنين أفغان"، وفق بيان صحافي نشر في حساب المديرية العامة للهجرة والجوازات الباكستانية على موقع "إكس" في 17 أكتوبر الماضي، مؤكداً "تشكيل لجنة رفيعة المستوى، برئاسة المدير العام لمديرية الهجرة والجوازات، لإجراء تحقيق مفصل حول إصدار بطاقات الهوية الوطنية وجوازات السفر المزورة للمواطنين الأفغان المسافرين إلى المملكة العربية السعودية".

ومن بين الجوازات التي تسلمتها السفارة الباكستانية بالسعودية، جواز المواطن الأفغاني محمد سرور، الذي حصل على جواز سفر أفغاني من سفارة بلاده في الرياض، لأنه لم يعد بحاجة لجوازه الباكستاني مع استقرار الوضع، كما يقول لـ"العربي الجديد".

 

إجراءات حكومية متأخرة

بعد إثارة قضية الجوازات المزورة، بدأت السلطات الباكستانية تلاحق مسؤولين تورطوا في حصول أجانب على بطاقة الهوية الباكستانية، إذ "جرى إلقاء القبض على مسؤولين سابقين في الهيئة الوطنية لقواعد البيانات والتسجيل الباكستانية بتهمة بيع بطاقات هوية وطنية محوسبة مزورة للأجانب، وتسجيلها مقابل مبالغ مالية ضخمة"، وفق ما نشرته "NADRA" في حسابها على "إكس" في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

وألغت الهيئة "18 ألف بطاقة هوية وطنية محوسبة غير قانونية بعد التحقق البيومتري من الوالدين وأقارب الدم أثناء المعالجة، وإخطار رب الأسرة بذلك عبر الرسائل النصية القصيرة"، وفق المصدر ذاته، والذي شدد على "اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق المخالفين للقانون والميسرين لهم، بما في ذلك الفصل من العمل، وتعزيز نظام المساءلة القضائية".

وتعاقب المادة 468 من قانون العقوبات الباكستاني المعدل في فبراير/شباط 2017، مرتكب التزوير في الوثائق، بالسجن سبع سنوات. ويُعاقب بالعقوبة نفسها كل من يستعمل مستنداً مزوراً على أنه حقيقي، بحسب بالمادة 471 من القانون ذاته، كما يقول الخبير القانوني في المحكمة العليا الباكستانية، عبد الودود خان، لـ"العربي الجديد".

لكنّ عبد المجيد، وإن كان لا يخشى من السجن، كما يقول، فإنّه قلق على ورشته وأملاكه المسجلة بهويته المزوّرة في مدينة كراتشي، مضيفاً بأسى: "أكثر ما أخشاه ضياع أموالي التي جمعتها على مدى سنوات الغربة".