الاتجار بالنساء في الصين... عبودية تستهدف القرويات وفتيات من دول الجوار

14 اغسطس 2022
سياسات الدولة الصينية ساهمت في تزايد الاتجار بالبشر (Getty)
+ الخط -

خلقت سياسات الدولة الصينية ظاهرة الاتجار بالفتيات، إذ تسبب قانون طفل واحد لكل أسرة في اختلال بين أعداد الذكور والإناث، فضلاً عن تساهل قانوني في مواجهة المتورطين الذين يستهدفون القرويات وفتيات دول الجوار الفقيرات.

- بيعت الكورية الشمالية لي كيه سون (30 عاماً)، قبل عشر سنوات إلى رجل صيني عن طريق سمسار وعدها بوظيفة وحياة أفضل، لكنها وقعت ضحية لشبكة منظمة تستغل ظروف الكوريات الشماليات الصعبة خصوصاً في المناطق الحدودية المتاخمة للصين.

تقول كيه سون: "كنت أبلغ من العمر عشرين عاماً، حين جاء صيني من أصل كوري، إلى المنطقة التي أقيم فيها بمقاطعة يانغ جانغ الشمالية، وقال إنه يريد عشر فتيات للعمل في الصين لمدة شهر واحد قابل للتجديد مقابل أجر يصل إلى ستة آلاف يوان صيني في الشهر، أي ما يعادل نحو ألف دولار أميركي".

لم تتردد كيه سون كما تقول إذ عانت أسرتها من الفقر، وتتابع: "جرى تهريبنا في قارب صغير عبر نهر تومين إلى مقاطعة جيلين الصينية، هناك جرى احتجازنا لمدة ثلاثة أسابيع في منزل يملكه سمسار من المنطقة، وتعرضنا لاعتداءات جسدية وجنسية، وفي الأسبوع الثالث، جاء رجل أربعيني يدعى وانغ، ودفع ثلاثة آلاف دولار للسمسار وأخذني إلى مدينة داندونغ الحدودية، لأعمل نادلة لمدة عامين، وأثناء ذلك أجبرت على معاشرة زبائن من فئات عمرية مختلفة، إلى أن تزوجني أحدهم في نهاية عام 2012 لمجرد مرافقته في المناسبات الاجتماعية والحفلات الخاصة، وبعد أشهر قليلة من الزواج تخلى عني، لكني حصلت على عمل في مطعم كوري شمالي بمنطقة تشاويانغ بالعاصمة، وصارت لديّ إقامة مؤقتة تُجدد كل عام، منحني إياها مكتب الأمم المتحدة في بكين.

استهداف دول الجوار

بلغ عدد الكوريات الشماليات اللواتي تعرضن للاتجار عبر الحدود مع الصين ذروته خلال الفترة الممتدة منذ عام 1990 وحتى عام 2010، إذ يقدر معدل الضحايا بـ 1500 امرأة في العام، كما يوضح فيكتور وانغ الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية، مضيفاً أنّ أعداد الضحايا تراجعت عام 2011، بعد تنظيم عبور العمالة الكورية إلى الصين، لكن الظاهرة لم تتوقف إذ توثق المنظمات الحقوقية خلال الفترة الممتدة بين عام 2017 وحتى مطلع 2020 حوالي 1850 ضحية أي ما يعادل 600 حالة في العام الواحد.

ويشرح وانغ، أن الكوريات الشماليات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 17 و40 عاماً يبعن إلى صينيين تتراوح أعمارهم بين 37 و58 عاماً، ويتراوح سعر الفتاة بين 260 دولاراً و2600 دولار، ويعتمد ذلك على عمرها ومظهرها. ولفت إلى أنّ معظم الضحايا يُجبرن على العمل، ويتعرضن لانتهاكات جنسية ومعاملة غير آدمية، وأنه بالرغم من بقاء بعضهن في الصين لسنوات عديدة، وبعضهن يزوجن قسراً إلى صينيين، لكن لا يتم منح الجنسية لهن أو لأطفالهن، ونتيجة لذلك فإنّهن عرضة للاعتقال وإعادتهن إلى وطنهن.

الصورة
الصين 2

وتعتبر كوريا الشمالية واحدة من بين مجموعة دول مجاورة للصين، تتعرض فيها النساء للاتجار والخطف والبيع، مثل كمبوديا ولاوس وفيتنام وميانمار وباكستان، وكان لافتاً في إفادات لضحايا من دول مختلفة رصدتها منظمة هيومن رايتس ووتش، في عام 2019 أن معظم النساء والفتيات اللائي يتم الاتجار بهن، من الأقليات العرقية أو الدينية، باستثناء الكوريات الهاربات من النظام في بلادهن، وغالباً ما يكون العنف ضد النساء ذا أولوية منخفضة بالنسبة لحكومات تلك الدول، فضلاً عن أن جميع هذه البلدان لديها علاقات معقدة واختلالات عميقة في ميزان القوى مع الصين سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري.

وتصنف وزارة الأمن الشعبي في كوريا الشمالية، كلّ من خرج من البلاد من دون إذن مسبق من السلطات باعتباره هارباً ومنشقاً وخائناً للوطن بحسب تقرير لجنة التحقيق في حقوق الإنسان في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، التابعة للأمم المتحدة الصادر عام 2020، والذي لفت إلى أنّ من تعيدهم الصين قسراً يتعرضون لعقوبات تصنف على أنها جرائم ضد الإنسانية، مثل إرسالهم إلى مرافق احتجاز سرية، أو إلى معسكرات اعتقال خاصة بالمعارضين، أو يتم تشغيلهم كعمالة قسرية في مصانع تديرها الدولة.

الاتجار بالصينيات

والنساء الضحايا لسن فقط من دول الجوار، إذ تستهدف ممارسات محلية مشابهة القرويات في الصين، وهو ما وثقه معد التحقيق عبر مقطع فيديو قصير يظهر امرأة مقيدة بالسلاسل داخل كوخ في قرية بمقاطعة جيانغسو، جرى نشره على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، لكنّ السلطات المحلية أنكرت الأمر مطلع فبراير/شباط الماضي ثم تراجعت تحت الضغط الشعبي واعترفت بأن المرأة التي ظهرت في حالة رثة كانت ضحية للاتجار بالبشر.

1500 امرأة كورية شمالية وقعن سنوياً ضحية للاتجار بالبشر في الصين

ولم يتضمن القانون الجنائي الصيني الذي أقر لأول مرة في عام 1979، أي مواد تفرض عقوبات على مثل هذه الحالات لكنه شهد تعديلاً في عام 1997، نص على أنه إذا لم يُسئ المشتري معاملة المرأة التي تم الاتجار بها أو منع الضحية من العودة إلى منزلها الأصلي، فلن تقع عليه عقوبة، وفي ما بعد ألغي التعديل في عام 2015 وأضيفت فقرة بأن هؤلاء سيحصلون على عقوبة "مخففة".

وفي خطة عمل أصدرها مجلس الوزراء الصيني في عام 2020، أقرت السلطات بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاتجار بالبشر، وإنشاء شبكة مجتمعية أقوى لمنع مثل هذه الحالات، ومع ذلك، لم يطرأ أي تغيير على العقوبات المفروضة على المشترين حتى اليوم كما تقول مصادر التحقيق.

علاقة سياسات النظام بانتشار الظاهرة

تاريخياً، بدأت ظاهرة الاتجار بالنساء في الصين في ثمانينيات القرن الماضي، حسب يوان لي شاو، أستاذ الدراسات التاريخية السابق في جامعة لياونينغ (مقاطعة لياونينغ قريبة من كوريا الشمالية)، والذي يربط الأمر بسياسة الطفل الواحد التي انتهجتها البلاد في عام 1978، واستمرت حتى عام 2015، ما أسفر عن اختلال كبير في التوازن بين الجنسين نتيجة تفضيل الذكور على الإناث، (يوجد فائض بنحو 34 مليون ذكر)، وأضاف أنه في ظل التنمية الاقتصادية، ترك عدد كبير من الإناث الريف وتوجهن إلى المدن الكبرى بحثاً عن فرص عمل، ما خلف عدد كبيرا من العزاب في القرى والمناطق الفقيرة، ولفت إلى أن صعوبة العثور على زوجة في ذلك الوقت، تسببت بشكل مباشر في ظهور عصابات الاتجار بالنساء من أجل تزويجهن نظراً لقلة الإناث.

تستهدف ممارسات الاتجار بالبشر القرويات الفقيرات في الصين

ويصل سعر الزوجة الواحدة إلى ثلاثة آلاف يوان صيني أي ما يعادل نحو 500 دولار أميركي، وهو مبلغ كبير بالنسبة للقرويين الذين يعملون في الزراعة، وأدى ارتفاع أسعار الصينيات إلى عمل عصابات التهريب على جلب أجنبيات من الدول الفقيرة المجاورة لبيعهن بأسعار منخفضة، ويتم ذلك عبر سماسرة ومهربين يتبعون حيلة شائعة بإيهام الضحايا بالحصول على وظائف وأجور جيدة، وبدلاً من ذلك يتم اختطافهن، بحسب الأكاديمي لي شاو، والذي أوضح أن العملية تتم عادة عبر سماسرة محليين في الدول المجاورة، سواء بإنشاء صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، لاستقطاب الباحثات عن عمل، أو عن طريق التسويق المباشر في القرى الفقيرة، وفي بعض الحالات يذهب التجار الصينيون بأنفسهم إلى تلك المناطق بحجة البحث عن زوجة، وبعد اصطحابهن إلى الصين يتم احتجازهن أو خطفهن وإجبارهن على ممارسة الجنس في بيوت الدعارة والحانات، وقد يخضعن للعمل القسري في الزراعة والمصانع أو الخدمة المنزلية.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى استغلال السماسرة لمبادرة الحزام والطريق التي تربط الصين بعدد من دول الجوار في إطار مشاريع اقتصادية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، لافتاً إلى أن زيادة مشاريع البنية التحتية تعني بالضرورة المزيد من التداخل بين شعوب الدول والمزيد من الفرص للنساء الباحثات عن عمل، وكذلك السماسرة الذين يستغلون ظروفهن المعيشية للتغرير بهن وإيقاعهن في شراكهم، خصوصاً وأن معظم هذه الدول تعاني من الفساد وضعف الإمكانات والإدارة.

لماذا تعززت الانتهاكات ضد النساء؟

يعيد الناشط الحقوقي في هونغ كونغ، جيانغ براون (متعاون مع الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان)، اتساع نطاق الاتجار بالنساء إلى عدم وجود قوانين رادعة للاتجار بالبشر في الصين، والاكتفاء بعقوبات مخففة مع إمكانية الخروج بكفالة مادية قد تصل إلى 10 آلاف يوان أي حوالي 1500 دولار.

ومن المفارقات أن عقوبة شراء نباتات بطريقة غير مرخصة أو حيوانات مهددة بالانقراض تصل إلى السجن سبع سنوات وفي بعض الحالات تصل إلى السجن المؤبد، بينما لا تتجاوز عقوبة الاتجار بالبشر خمس سنوات كحد أقصى، بحسب بروان الذي أشار إلى أن المشكلة تكمن في أن السلطات الصينية تتعامل مع المخطوفات على أنهن عمالة غير شرعية، ومهاجرات لأسباب اقتصادية، لذلك لا يتم الاستماع لإفادتهن من منظور جنائي، الأمر الذي يجنّب المتورطين الملاحقة والمساءلة القانونية. وأضاف أن إرجاع النساء المخطوفات إلى بلادهن دون أدنى مراعاة لظروفهن يفاقم أزماتهن ويعرضهن لعقوبات مشددة تصل حد السجن أو الإرسال إلى معسكرات العمل القسري كما يحدث في كوريا الشمالية.

لكن مي تشانغ، منسقة العلاقات العامة في مكتب اتحاد المرأة بمقاطعة شاندونغ المنضوي تحت مظلة الاتحاد النسائي لعموم الصين، تقول إن الاتحاد يدعم تكوين أسر سعيدة بين الشعب الصيني وشعوب دول الجوار على أساس طوعي بما يتماشى مع القوانين واللوائح، ولكن في الوقت نفسه فإن الحكومة الصينية لا تتسامح مطلقًا وتكافح بحزم أي شخص ينخرط في زواج غير قانوني عبر الحدود.

بينما يقول أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، إنّ السلطات الصينية تبذل جهوداً حثيثة لمكافحة هذه الظاهرة، وإنّها بصدد إقرار مجموعة من التشريعات لتغليظ العقوبات ذات الصلة.