700 بلدية تضم مباني مهددة بخطر فيضان الأودية
12 سبتمبر 2022
+ الخط -

تتفاقم فوضى التشييد في الجزائر، إذ يجرى البناء على أطراف شقوق زلزالية وعلى حواف الوديان وبالقرب من الشواطئ، واللافت أن المخالفات تقوم بها جهات حكومية وأخرى خاصة، ويكتفي الجميع بطلب تسوية تؤجل الخطر ولا تنهيه.

- يحذر عبد الحميد بوداود، رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين (كيان نقابي)، من عواقب استمرار عمليات التشييد من دون تراخيص، إذ جرى البناء في مناطق نشطة زلزاليا أو على حواف الوديان وبالقرب من الشواطئ، وهو ما يعد مخالفة قانونية خطرة بسبب تجاهل عوامل الأمان والسلامة، ما قد يسفر عن هدم وانهيار تلك المباني كما هو الحال في منطقة حسيان الطوال ببلدية بن فريحة، في ولاية وهران غربي الجزائر، والتي هدمت فيها 21 بناية بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني الماضي".  

وتبدو خطورة المخالفات وانتشارها على المستويات الخاصة والعامة في آثار زلزالين وقعا في ولاية بجاية في 18 مارس/آذار 2021 وفي 19 مارس 2022، إذ تسببا في انهيار جزئي وتشققات نالت من 9 بنايات حكومية وخاصة، بحسب تقارير صادرة عن المديرية العامة للحماية المدنية التابعة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية.

البناء في مناطق خطرة

شُيد مليون بناء في مختلف ولايات الجزائر من دون تراخيص، وفق تأكيد رئيسة لجنة الإعلام والاتصال بنقابة المهندسين المعتمدين في الهندسة المدنية والبناء زكية علوان، التي قالت لـ"العربي الجديد":"هذا الرقم يتطابق مع تأكيد وزير السكن والعمران والمدينة أمام مجلس الأمة، في السادس من يناير 2022، بوجود 948 ألف ملف تسوية مخالفات، من بينها 127 ألفا في العاصمة وحدها". 

948 ألف ملف لمخالفات بناء قيد التسوية

ويضاف إلى الرقم السابق مليونا وحدة سكنية هشة وقديمة باتت تشكل خطرا على قاطنيها بحسب بوداود وعلوان التي تقول: "لن تسلم البنايات الحديثة والقديمة من الانهيار والسقوط لما تعانيه من هشاشة في هيكلها".

وشيدت البنايات المخالفة على أطراف شقوق زلزالية، كما هو الحال في منطقة سيدي عبد الله بالجزائر العاصمة، أو في مجاري وديان معرضة للفيضانات مثل مدينة علي منجلي بولاية قسنطينة شرقي الجزائر، والتي تتعرض كل عام للفيضانات، وفق ما رصده مدير الأبحاث في جامعة باب الزوار البروفسور عبد الكريم شلغوم، رئيس نادي المخاطر الكبرى (مؤسسة مستقلة)، مؤكدا أن 700 بلدية جزائرية تضم بنايات معرضة لخطر فيضان الأودية، وفي مقدمتها بلديات واد قريش وحيدرة والحراش وبوزريعة بالعاصمة والتي يوجد بها بنايات على مجاري الوديان أو في مصباتها، محذرا من أن مجاري الأودية في حال اختفت لفترة زمنية معينة ستعود للظهور، وإذا تم البناء فى الأودية الجافة، فإن البيوت والمنازل لن تنجو من تجمع مياه الأمطار ومن ثم خطر السقوط والانهيار.

كيف انتشرت الظاهرة؟

"يعود سبب الفوضى والخروقات في تشييد البنايات بالمناطق المعرضة للخطر إلى الصمت على تجاهل القانون"، كما يقول البروفسور شلغوم، موضحا أن الإدارات الحكومية والخواص لا يعيرون القانون 04/20 اهتماما، ويخالفون ما جاء فيه من منع البناء في المناطق المعرضة للمخاطر الكبرى التي حُدّدت عقب زلزال 21 مايو/أيار 2003، قائلا :"رصدت تشييد بنايات في مدينتي سيدي عبد الله بالعاصمة والتي يوجد فيها 4 شقوق زلزالية، وبوعينان بالبليدة شمالي الجزائر، وبها شقين زلزاليين".

وتنص المادة 19 من القانون رقم 04/20 على أنه "يمنع البناء منعا باتا بسبب الخطر الكبير في المناطق ذات الصدع الزلزالي النشيط، والأراضي ذات الخطر الجيولوجي والأراضي المعرضة للفيضان ومجاري الأودية والمناطق الواقعة أسفل السدود، ومساحات حماية المناطق الصناعية والوحدات الصناعية ذات الخطورة أو كل منشأة صناعية أو منشأة للطاقة تنطوي على خطر كبير، وأراضي امتداد قنوات المحروقات أو الماء أو جلب الطاقة التي قد ينجز عن إتلافها أو قطعها خطر كبير".

و"بالطبع أدى تغييب القانون إلى أن تزداد المخاطر المهددة للمباني بسبب مخالفة المعايير المطلوبة لتشييدها، سواء كانت لخواص أو لمؤسسات حكومية"، كما يؤكد البروفسور شلغوم، بينما تكمل المهندسة علوان وبوداود بأن عقوبات الجرائم والمخالفات العمرانية تظل دون مستوى المخالفات المرتكبة من قبل المواطنين أو الشركات الخاصة والحكومية، كما أن إجراءات الهدم التي تقوم بها السلطات في بعض الولايات غير كافية، رغم وجود قوانين ردعية، مثل قانون التهيئة والتعمير رقم 90- 29 والذي ضم مراسيم تنظيمية ملحقة (كالمرسوم التنفيذي 15-19) متضمنا إجراءات عقود التعمير، وكذا العقوبات التي تنجم عن مخالفة التشريع ساري المفعول، مثل المواد 76، و77 و78 التي تجيز للسلطة الإدارية رفع دعوى مستعجلة لوقف الأشغال المخالفة، وبعد الفصل فيها يمكن صدور عقوبات تتراوح بين غرامات مادية والسجن، وبالهدم حتما لأي بناء لا يحوز على رخصة بناء أو خالف ما جاء فيها من شروط، كما تقول المهندسة علوان.

وتنص المادة 77من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير على أنه "يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 3 آلاف دينار جزائري (22 دولارا أميركيا) و300 ألف دينار (2200 دولار) عن تنفيذ أشغال أو استعمال أرض يتجاهل الالتزامات التي يفرضها قانون التعمير والتنظيمات المتخذة لتطبيقه أو الرخص التي تسلم وفقا لأحكامها، ويمكن الحبس لمدة شهر إلى 6 أشهر في حالة العودة إلى المخالفة ويمكن أيضا الحكم أيضا بهذه العقوبات ضد مستعملي الأراضي أو المستفيدين من الأشغال أو المهندسين المعماريين أو المقاولين أو الأشخاص الآخرين المسؤولين على تنفيذ الأشغال المذكورة".

وتقترح علوان رفع العقوبة من حيث حجم الغرامة ومدة السجن التي يجب أن تطاول المخالفين من المديرين التنفيذيين في كل القطاعات التي تنجز مشاريع حكومية، قبل المخالفين من العوام وأصحاب العقارات للوصول إلى تطبيق مثالي للمعايير القانونية والتقنية وإلى بناء بمواصفات عالمية.

الصورة
 البناء في مناطق خطرة

مخالفة شروط التراخيص

تنتعش ظاهرة البناء من دون رخصة في فصل الصيف، وتحديدا بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس من كل عام، خلال إجازات موظفي الإدارات الحكومية المكلفة مراقبة البناء، بحسب النائب البرلماني محمد خلاصي، عضو لجنة الإسكان والتجهيز والري والتهيئة العمرانية للمجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، والذي يقول لـ"العربي الجديد":"هذه الظاهرة لم تتوقف مطلقا رغم مختلف القوانين التي سنت لتقليصها أو القضاء عليها، بسبب التهاون في تطبيق القانون والتواطؤ مع المخالفين أو حتى الخوف من نفوذهم في بعض المناطق".

تخالف جهات حكومية وخاصة قوانين البناء

ويشدد نادي المخاطر الكبرى على ضرورة المراقبة الدقيقة لعملية منح رخص البناء شمالي الجزائر، وتحديدا من المناطق الساحلية إلى الهضاب العليا، لكونها منطقة مهددة بالزلازل، ما يقتضي تطبيقا حازما من قبل السلطات المحلية للقوانين حفاظا على حياة الأهالي، كما يقول البروفسور شلغوم. 

ومن أخطر شروط استخراج الترخيص التي يجرى التلاعب فيها، تقرير مكتب الدراسات الجيوتقني الذي يحدد طبيعة الأرض ونوعيتها الجيولوجية، بحسب المهندس المعماري محمد نجاري والذي يملك مكتب دراسات الهندسة المعمارية بولاية عين الدفلى وسط الجزائر، مشيرا في إفادته لـ"العربي الجديد" إلى أنه "لدى العمل على البناء، يجب أن يراعى البعد عن الأماكن التي قد تشكل خطرا، مثل أرض تقع بالقرب من أنابيب نقل الغاز، وفي هذه الحالة يحدد القانون المسافة الفاصلة بين مكان البناء وأنبوب الغاز بـ150 مترا على الجانبين، كما يجب أن تكون المسافة الفاصلة بين مكان البناء والساحل 100 متر، وتحدد المسافة بين مكان البناء والمناطق المحاذية للوديان بـ50 مترا".

لكن نجاري يؤكد عدم تطبيق هذه الشروط، في ظل تواطؤ الهيئات المكلفة بالمراقبة مع الشركة المكلفة بالإنجاز من خلال تقديم تقارير لا تعبر عن حقيقة ما يجري من مخالفات، وبالتالي لا يتم وقف الأمر بسبب سوء التسيير الذي طبع أداء مسؤولي الإدارة المحلية، مشيرا إلى ضرورة مراعاة عوامل مثل كميات الإسمنت المسلح الذي سيستعمل في البناء، واحترام الشروط المحددة في الرخصة مثل نوعية الحديد وطول وعرض البناية وعدد طوابقها، وكلها عوامل لم توضع اعتباطا وإنما جرى تصميمها لتلائم طبيعة البناء من حيث مكانه وعدد طوابقه وتوفر له عناصر السلامة والأمان". 

محاولات لمواجهة الظاهرة

يجب إعداد تصميمات البناء عبر مهندس معماري وآخر مدني معتمدين معا من إدارة المشروع لنيل الرخصة القانونية، وفق ما تنص عليه المادة 55 من القانون رقم 90/29 المتعلق بالتهيئة والتعمير والمعدل بالقانون رقم 04/05، بحسب المهندسة علوان، والتي تقول: "تجرى مخالفة الأمر، وبسبب ذلك رُفعت 120 دعوى خلال الفترة من نهاية 2020 وحتى مطلع العام الجاري، وحصلت نقابة المهندسين في 35 من 120 قضية على حكم تنفيذي قضى بضرورة إشراك المهندس المدني في مراقبة تراخيص إنجاز المشاريع وتنفيذها"، وتابعت: "النقابة لم تخسر لحد الآن أي قضية". 

الصورة
المحكمة الإدارية ألغت دفتر شروط مخالف لمشروع سكني بولاية الجلفة
المحكمة الإدارية ألغت دفتر شروط مخالف لمشروع سكني بولاية الجلفة (العربي الجديد)

وحصلت "العربي الجديد" على أحكام قضائية تنفيذية تخص إلغاء دفاتر شروط رخص بناء متعارضة مع القوانين، واللافت أنها حكومية، ومنها مشروع دراسة ومتابعة أشغال إنجاز 700 سكن ترقوي مدعم (سكن اجتماعي)، مع أشغال التهيئة الخارجية ومحلات تجارية بولاية الجلفة جنوبي الجزائر.

الصورة
قرار قضائي يلغي دفتر شروط غير قانوني لمشروع إنشائي بولاية تيارات
قرار قضائي يلغي دفتر شروط غير قانوني لمشروع إنشائي بولاية تيارات (العربي الجديد)

وفي الثالث من يناير الماضي، أصدرت المحكمة الإدارية لولاية تيارت غربي البلاد حكما تنفيذيا يلغي دفتر شروط غير قانوني لمشروع دراسة ومتابعة لإنجاز مدرسة ابتدائية في بلدية السوقر بالولاية، والتأكيد على منع تفرد المهندس المعماري في القرارات بالمشاريع الخاضعة لرخصة البناء. وكذلك في الثامن عشر من يناير الماضي، قضت المحكمة الإدارية لولاية المسيلة جنوبي البلاد بتنفيذ حكم قضائي ضد وزارة السكن، ينص على إلغاء دفتر شروط غير قانوني لمشروع مدرسة ثانوية بالولاية، لكن المهندسة علوان تقول إنه رغم الأحكام السابقة، ستبقى المشكلة قائمة بسبب قانون تسوية أوضاع البنايات غير المطابقة، والذي يجيز تسوية الوضعية القانونية للمباني المشيدة من دون رخصة، ما يشجع على فوضي تنخر في النسيج العمراني الجزائري، وتابعت :"في حال طبقت القوانين ومنع البناء المخالف، كانت الدولة ستتجنب مخاطر كبرى تكلفها أضعاف ما قد تجلبه التسويات لخزينتها، ناهيك عن تشويه النسيج العمراني والتلاعب بمعايير التعمير ومخططات شغل الأراضي".

الصورة
صدور حكم قضائي ضد مخالفة قانونية بإنجاز مدرسة ثانوية بولاية المسيلة
حكم قضائي ضد مخالفة قانونية في بناء مدرسة ثانوية بولاية المسيلة (العربي الجديد)

وللخروج من هذا الوضع، تشدد المهندسة علوان على :"إلزام المسؤولين باتخاذ إجراءات وقرارات جادة بخصوص النسيج العمراني المتهالك، وذلك بتوظيف كل الإمكانات المتعلقة بمعرفة مدى صلاحية الأرض المعنية بالبناء لإنجاز مشروع سكني عمومي وخاص عليها والمتمثلة في أجهزة وخرائط تحديد مناطق التشققات الزلزالية والمناطق المعنية بالمخاطر الكبرى، إضافة إلى الإطارات المتخصصة من مهندسين معماريين ومدنيين وفرق مراقبة نزيهة تسهر على إصدار رخص بناء غير مخالفة للقوانين".