مهرجان "روائع الحقيبة"… تراث سوداني عصي على النسيان

18 مارس 2017
لا يمكن لأغاني الحقيبة أن تموت أو تختفي (Getty)
+ الخط -
انطلقت في الخرطوم فعاليَّات مهرجان "روائع الحقيبة"، وذلك في محاولة لتفعيل أغاني الحقيبة التراثيّة التي وصل عمرها لنحو 150 عاماً، ولحفظ التراث الغنائي السوداني العريق. وتُعدُّ الفعالية هي الأولى من نوعها، إذ ستجتمع من خلالها الأجيال المختلفة، وهم يعانقون مُحبيهم، ويشدُون بأغنيات "الزمن الجميل"، كما يحلو للسودانيين تسمية هذه الحقبة الزمنية، ويعايشون أزماناً فائتة من القرن التاسع عشر، ويهزجُون بأغاني الحقيبة، التي أثَّرت في الساحة السودانية، وشكّلت وأسهمت في توحيد الوجدان السوداني وذوقه. يُشارك في المهرجان الذي انطلقت فعاليّاته، مساء الأربعاء، نحو ثلاثمائة مُطرَب سوداني، من الحقب المختلفة. ويستمرّ المهرجان لمدة أسبوعين. إذْ ستُخصَّص كل ليلة من لياليه، لإحياء روائع شاعر مختلف، تغنّى كثيرون بأعماله، ولتقدّم أعمالهم بقالب جديد في التوزيع والموسيقى، مع الحفاظ على اللحن والأصل في الكلمة. ويتمّ بختام الفعاليّة طباعة دواوين كل شاعر في تلك الحقبة، ليعود ريعها لصالح أسرته.




ويُحدّد القائمون على أمر المهرجان أهميَّته في حفظ التراث، والمحافظة على الإبداع الفنِّي والأدبي، وإبراز قيم الخير والجمال الذي حوته أغاني الحقيبة، فضلاً عن ربط أجيال اليوم بتلك المعاني التي جُسِّدَت في أغاني الحقيبة، وحملَت خصائص أهل السودان وشيمهم، وعبَّرَت عنهم في المجالات المختلفة السياسية والأدبية والمجتمعية، فضلاً عن الغزل.
وتُعدُّ أغاني الحقيبة من المحطّات التاريخيّة المهمة في السودان، إذْ تمثِّل الانطلاقة الأولى للغناء في السودان. وبدأت في أواخر القرن التاسع عشر، لكن، تمّ التوثيق لها مع دخول الإذاعة المسموعة للسودان، وانتشرَت بقوَّة أيام الحكم البريطاني للسودان، ومع صناعة الأسطوانات.




وتعودُ تسمية "الحقيبة" لمذيع الراديو، صلاح أحمد محمد صالح، الذي كان يعمل في إذاعة "أم درمان"، تحت الحكم البريطاني، والتي تُسمَّى حاليّاً "الإذاعة السودانيّة". أسَّس صلاح عام 1954، برنامج "حقيبة الفن"، وكان يحملُ معه في استديو البرنامج حقيبة كبيرة بداخلها أسطوانات، سُجِّلَت عليها تلك الأغاني. وكان يعمُد، دوماً، لإظهار صوت الحقيبة عند فتحها، لإضفاء حيوية على البرنامج. ومن يومها، عرفت الأغاني في تلك الفترة بأغاني الحقيبة. واستفادَت أغاني الحقيبة عند انطلاقتها من التراث الشعبي السوداني وبيئته ولهجاتهِ المختلفة، فضلاً عن التراث الفني، وكانت تُغنّى بالعامية.
وأثّرت السياسة والقوميَّة على الأغاني في تلك الفترة، باعتبار أنّ معظم الشعراء الذين نظّموا تلك الأغاني، شاركوا في الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار، وأسّسوا حركاتٍ ثوريّة بينها جمعية اللواء الأبيض بقيادة علي عبداللطيف في عام 1924.
حقَّقت أغاني الحقيبة نقلاتٍ نوعيّة، وتطوَّرت مع تطوُّر الغناء الحديث، وظلَّت صامدةً في وجه الحداثة حتى تاريخ اليوم. حتى أنّ البعض شبهها بطائر "الفينيق الأسطوري" الذي كُلّما ظنّ الناس بأنّه توفّي، ينتفضُ من جديد، ويبدو أكثر حيوية ونشاطاً وتجدُّداً.
ويقول البروفسور، علي شمو، أحد أشهر مقدمي برنامج "حقيبة الفن" عام 1956: "إن أغاني الحقيبة ستظلّ خالدة، لما فيها من إبداع في المعاني والألحان، لتمثّل إرثاً للأجيال المقبلة". وأوضَح "لا يمكِن لأغاني الحقيبة أن تموت أو تختفي. فلا يمكن لأيِّ فنّانٍ اليوم أن يدخُل مجال الغناء، قبلَ أن يمرَّ على أغاني الحقيبة، ويبدأ بها، ليكسَب عبرها الجمهور، ومن ثم يبحث عن صناعة نفسه، وأغنياته الخاصة". ورأى أن أغاني الحقيبة قد قدَّمت نوعاً راقياً من الغناء، وذلك بالارتكاز على القيم والتراث والقرآن والسيرة النبوية، وأضاف "رواد الحقيبة على امتدادها لم يكونوا متعلمين عدا، خليل افندي فرح "، وأردف: "فيهم التجار والعمال والميكانيكيون والصيادون".



المساهمون