"نتفلكس" والسينما: الأهم مشاهدة الأفلام

23 مايو 2017
إيما تومبسون وداستن هوفمان (المكتب الإعلامي لـ "كانّ")
+ الخط -
ليس إثارة للفوضى، بل محاولة لإعلان موقف مناهض لما يجري أمامهم، على الشاشة الكبيرة. فصيحات الاستهجان، المختلطة بالضحكات، والتي أطلقها نقّادٌ وصحافيون سينمائيون، في مُفتتح العرضين الصحافيين الخاصّين بفيلمي "أوكجا" للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو، و"حكايات مييروفيتز (جديدة ومُختارة)" للأميركي نوا بومباك (صباح يومي 19 و21 مايو/ أيار 2017)، المُشارِكَين في المسابقة الرسمية للدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كان" السينمائي، تعكس بعض النقاش الدائر حالياً حول حضور "نتفلكس" في معقل السينما، ومدى تأثيرها (سلباً أو إيجاباً) على صناعة الأفلام، إنتاجاً وتوزيعاً ومُشاهدة.

فالفيلمان المذكوران اللذان يُنافسان 17 فيلماً آخر على "السعفة الذهبية" وجوائز أخرى، يحملان توقيع شبكة العرض السينمائي الخاص بالمشتركين، "نتفلكس" (صيحات الاستهجان ترتفع فور ظهور الاسم على الشاشة الكبيرة) التي تشتري حقوق بثّ حصري للأفلام، من أجل مشتركيها (100 مليون في العالم)، كما تُنتج مشاريع سينمائية وتلفزيونية خاصّة بها.

صيحات الاستهجان والضحك الساخر تعكس موقفاً، سيبقى رمزياً، طالما أن أحداً من النقاد والصحافيين السينمائيين، الجالسين في "المسرح الكبير ـ لوميير" (2281 مقعداً) داخل "قصر المهرجانات"، لم يحتجّ بأكثر من ذلك. لكن الموقف الرمزي يتماهى بموقف رئيس لجنة التحكيم، الإسباني بدرو ألمودوفار، الرافض، ضمنياً، منح الجائزة الأولى، أو أي جائزة أخرى، لأفلام "لن تُعرض في الصالات". وعدم العرض قرار لـ "نتفلكس"، يقبل به المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو، قبل رضوخه لضغط "الاتحاد الوطني للصالات الفرنسية"، فيُعلن أن دورة العام المقبل لن تختار أفلاماً "ممنوعة" من العرض في صالات فرنسا.

تجربة مهرجان "كان" مع أفلام تُنتجها شبكات تلفزة تبثّ عبر "إنترنت"، كـ "نتفلكس"، قديمة. في دورة العام الفائت، عُرض فيلما Café Society لوودي آلن، و"باترسن" لجيم غارموش، اللذان أنتجتهما "آمازون". لكن، في مقابل السياسة "العدائية" لـ "نتفلكس"، أظهرت "آمازون" ليونة ديبلوماسية، بمنح فيلميها هذين فرصة العرض في الصالات.

في هذا الإطار، يُذكّر صحافيون فرنسيون، موجودون في "كان"، بقانون معمول به في بلدهم، يفرض مدة 36 شهراً بين إطلاق عرض فيلم ما في الصالات، وموعد توزيعه بواسطة تقنية "الفيديو على الطلب" عبر "إنترنت". هذا غير معمول به في الولايات المتحدّة الأميركية، إذْ لا يوجد قانون يفرض أي فترة زمنية كهذه.
الصحافية البلجيكية فابيان برادْفِر، الكاتبة في الصحيفة اليومية "لو سوار" (بروكسل)، تقول إن دخول "نتفلكس" إلى المشهد السينمائيّ الدوليّ أثار توتراً كبيراً لدى شركات الصالات والموزّعين. لكنه (الدخول) "يفتح نافذةً لتوزيع الأفلام، ويُشكِّل فرصةً للسينمائيين، لتمويل مشاريعهم".

الأمثلة عديدة: الأميركي براد بيت، عبر شركته الإنتاجية Plan B، يتعاون مع "نتفلكس" لإنتاج War Machine للأسترالي ديفيد ميكود، وهو يؤدّي فيه دوراً أساسياً. "الإيرلندي" للأميركي مارتن سكورسيزي (تمثيل الأميركيان روبرت دي نيرو وآل باتشينو) عمل حصري للشبكة، في مجال "الفيديو على الطلب". الموقع الإلكتروني "ديدلاين" يقول إن الشبكة "اقترحت" دفع 105 ملايين دولار أميركي، لقاء حصولها على الحقوق الدولية لتوزيع الفيلم. هناك أيضاً الكوميديا الرومانسية Our Souls At Night، للهندي ريتش باترا، مع روبرت ريدفورد وجاين فوندا.
للأميركي داميان شازيل ("لا لا لاند"، 2016) موقفٌ: "يُقال إن التلفزيون والمنصات الجديدة وشبكة "إنترنت" مُرادفٌ لموت السينما. لا أوافق على هذا. منذ بداية السينما، يتنبّأون بموتها. في كل حقبة، تُبتكر أعذار جديدة. كلّ 10 أعوام، هناك أزمة. أعتقد أنه يتوجّب علينا عدم الخوف والقلق، بل أن نجعل هذا تحدّياً لنا. على المخرجين أن يُفكّروا بأن أفلامهم مصنوعة للشاشة الكبيرة. يجب أن نكافح لإظهار ما يُمكننا أن نفعله مع هذا الفن، الذي يُدعى سينما".


أما الأميركي كاري جوجي فوكوناغا، مخرج Beasts Of No Nation (2015) ـ أول فيلم تُنتجه "نتفلكس" حصرياً لها ـ فيقول: "الأهم، بالنسبة إليّ، أن يُشاهد فيلمي أكبر عدد ممكن من الجمهور. إن ثقل "نتفلكس" غير قابل للجدل".
في "كانّ"، ينكشف المنطق التجاري (الذي لن يكون، بالضرورة، مُعاكساً للإبداع السينمائي دائماً) في آلية التفكير الأميركي، تحديداً. فرَدّاً (ولو مبطّناً) على قول ألمودوفار بأنها "مفارقة كبيرة" أن تُمنح "السعفة الذهبية"، أو أي جائزة أخرى، لفيلمٍ "لن يُعرض في الصالة"؛ يُحدِّد الأميركي ويل سميث (عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في "كانّ 2017") مفهومه للشبكة: "لن تمنع "نتفلكس" الشباب من الذهاب إلى السينما، رغم أن بعضهم يُفضِّل مشاهدة الأفلام في المنزل. الشبكة غير مؤثّرة بالطريقة التي يعتمدها أهل بيتي في فهم السينما. هاتان طريقتان مختلفتان ـ إحداهما عن الأخرى ـ للتسلية. مع "نتفلكس"، يُشاهدون ما لن يروه في مكان آخر. هذا يؤدّي إلى أنواعٍ عديدة من التواصل مع العالم الذي يحيط بنا. بفضل "نتفلكس"، نشاهد أفلاماً لا تُعرض على شاشات الصالات".
لكن، ألا ترفض "نتفلكس" عرض أفلامها على شاشات الصالات؟ 
لن يُجيب سميث على سؤال كهذا، هو الذي ستبثّ الشبكة الأميركية فيلماً جديداً له، بعنوان Bright لديفيد آير، أواخر العام الجاري.
المساهمون