أوليفيا وايلد: مُبالغة احتفاء لا تُلغي جودة السينما

31 يوليو 2019
"بوكسمارت": أحوال المراهقة وقلق الحياة (فيسبوك)
+ الخط -
في الأشهر السبعة الفائتة، منذ بداية عام 2019، نال Booksmart مديحًا نقديًا كثيرًا، مع رهانٍ كبير على فوزه بجوائز عديدة في حفلة توزيع الـ"أوسكار"، في العام المقبل.

لكن، هل يتسحقّ فيلم أوليفيا وايلد تلك الحفاوة كلّها؟
يملك الفيلم عناصر عديدة تُحبّها هوليوود وتحتفل بها، أوّلها يكمن في أنّه فيلم مراهقين، يحاول التقاط أكثر من "كود" جيل جديد، ولغته وحياته، في لحظة زمنية معاصرة. لذا، تستلهم وايلد اثنين من أكثر أفلام "المراهقين" كلاسيكية ونجاحًا: American Graffiti، الذي أخرجه جورج لوكاس عام 1993؛ وDazed And Confused، الذي حقّقه ريتشارد لينكلايتر عام 1993 أيضًا. أحداث الفيلمين تدور في ليلة واحدة، تسبق حفلة التخرّج في الثانوية، للانتقال إلى الجامعة. هذا يكرّره Booksmart، لكن مع شخصيات نسائية.

العنصر الثاني يتمثّل بأنّ مخرجته هي الممثلة المحبوبة أوليفيا وايلد، في أولى تجربة لها في إخراج فيلمٍ طويل. الاحتفاء مبالغ به، لأنّه فيلم نسوي يتحدّث عن المُراهَقة، ومخرجته ممثلة. هذا يُشبه كثيرًا ما حدث مع "لايدي بيرد" (2017) لغريتا غورويغ، المُرشّح حينها لـ5 جوائز "أوسكار"، أبرزها في فئتي أفضل فيلم وأفضل إخراج.

لكن، هل تعني المبالغة أنّ الفيلم غير جيد؟ إطلاقًا. هذا عملٌ جيد جدًا، كفيلم كوميدي خفيف وذكي في تناول شخصياته. حبكته تبدأ مع فتاتين منزويتين، هما إيمي (كايتلين ديفر) ومولي (بيني فِلْدشتاين)، تنهمكان فقط في الدراسة كي تتمكّنا من الانتساب إلى جامعة مميزة. عشيّة التخرّج، تكتشفان أن زملاءهما، الذين يحتفلون ويعيشون حياة صاخبة طول العام، سينتسبون هم أيضًا إلى جامعات مرموقة، فيصبح سؤالهما الأساسي: لماذا فوّتنا على نفسينا هذا كلّه، طالما أنّ الجمع بين الدراسة والاحتفال بالمراهقة محتمل؟ عندها، تُقرّران عيش حياتهما في الليلة الأخيرة تلك، و"فعل" كلّ ما فاتهما في الأعوام الأربعة، كما تقول مولي لإيمي.

انطلاقة كهذه تمثّل حبكة ذكية لفيلم مثاليّ للمراهقين وعنهم، فيستند إليها سيناريو، كتبته أربع سيّدات هنّ إيميلي هالبام وساره هاسكنس وسوزانّا فوغل وكاتي سيبرمان، لاكتشاف حياة البطلتين وملامستها، بجوانبها كلّها، في إطار كوميدي، فيه صخب كثير وإيقاع سريع، مع لحظات ذكية دافئة ولافتة للانتباه.

المفاجئ أيضًا أنّ هذا فيلم إخراج أيضًا، لا يتميّز فقط بسيناريو محبوك، بل برؤية إخراجية مميزة. المخرجة أوليفيا وايلد مفاجأة مدهشة فعلاً. فمنذ اللحظة الأولى، تتخذ خيارات صعبة وغير معتادة، توليفًا وشريط صوت، لتجعل فيلمها نابضًا بالحياة، بما يليق بحبكته، وبالليلة الأخيرة في الثانوية.

هناك أكثر من مشهد يمكن اعتباره "إثباتًا واضحًا" على موهبتها، وعلى أنها "مشروع" مخرجة كبيرة. أحد تلك المشاهد كوميدي رائع، تتناول فيه البطلتان المخدرات للمرّة الأولى، وتتحوّلان بعده ـ في رحلة هلوسة ـ إلى دميتين متحركتين. وأيضًا مشهد الحفلة الذي ترقص فيه مولي، للمرة الأولى، مع شابٍ تحبّه. أمّا أفضل المَشاهد، المُصوَّر بلقطة واحدة طويلة (أربع دقائق) فيبدأ في مسبحٍ، وينتهي بحوار طويل وعنيف بين البطلتين، مع لقطات قريبة من وجهيهما. مشهد مُدهش بحواره وحركة الكاميرا، كما بشريط الصوت، وتداخل الموسيقى مع صوتي الشخصيتين، إلى أنْ تطغى عليهما في النهاية.


هذا المشهد يُعتبر أيضًا ذروة أداء الممثلتين كايتلين ديفر وبيني فِلْدشتاين. ممثلتان رائعتان في تأدية شخصيتهما، منذ اللحظة الأولى. كلّ منهما تلتقط إيقاع الشخصية ومشاعرها ومخاوفها، وتُعبّر عنها بذكاء عبر الكوميديا والصخب. إلى أن تبلغا تلك اللحظة المُحمّلة بالمواجهة والمشاعر، اللتين تُعبّران عنها بكلّ صدق ودقة، فتؤكّدان أيضًا أن أوليفيا وايلد جيّدة في إدارة ممثّلتيها، إلى جانب مميزاتها الأخرى.

فيلم Booksmart جميل ودافئ. ليس عظيمًا، كما يوحي استقباله النقدي المبالغ به، لكنه بالتأكيد من أفضل الأفلام المعروضة عام 2019، الفقيرة سينمائيًا.
دلالات
المساهمون