أشباح بيت على ضفة نهر موسكو

19 يوليو 2019
بنيت العمارة المكونة من 12 طابقاً عام 1931(العربي الجديد)
+ الخط -
على نهر موسكو، ثمة بناية معروفة بـ "البيت على الضفة". تعود هذه التسمية إلى رواية تحمل ذات الاسم للكاتب السوفييتي الراحل، يوري تريفونوف، والمستوحاة من التاريخ المأساوي لتلك العمارة المطلة على نهر موسكو والكرملين والشاهدة على حقبة جوزيف ستالين.
بنيت هذه العمارة المكونة من 12 طابقاً بشارع سيرافيموفيتش في عام 1931 على مساحة ثلاثة هكتارات تقريباً، لاحتواء النخبة الحزبية، فبات يقطنها أبرز العلماء السوفييت، وأعلى القيادات العسكرية، وكبار الكتاب والشخصيات الثقافية.
كانت أرضيات الشقق في تلك العمارة مغطاة بباركيه خشب البلوط، كما تم توفير المياه الساخنة بشكل مركزي للسكان، وهو مستوى رفاهية كان أشبه بالخيال بمقاييس ذلك الزمن.
ورغم أن "البيت على الضفة" كانت رمزاً للرفاهية والسلطة، إلا أن مصيراً مأساوياً كان ينتظر المئات من قاطنيها، إذ سقط 700 من أصل ألفين من سكان المبنى ضحايا للقمع الستاليني المعروف تاريخياً بـ"الإرهاب الكبير" والذي انطلق في عام 1937 وأسفر عن اعتقال أكثر من 1.5 مليون شخص وإعدام نحو 680 ألفاً منهم.
حينها، لم تقتصر حملة القمع الستاليني على الترويع والإرهاب السياسي، بل وضع العمل الإجباري قاعدة للبنية الاقتصادية للاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، شاملة بناء أكبر أربع قنوات مائية في البلاد، ومشاريع تعدين وتنقيب، وسكك حديد، ومدناً كاملة يقع بعضها في الشرق الأقصى وأخرى داخل الدائرة القطبية الشمالية.
الغريب أنّه في استطلاع أُجري مؤخراً في روسيا، رأى 70 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن ستالين أدى دوراً إيجابياً في تاريخ بلادهم مقابل 19 في المائة فقط اعتبروه سلبياً. كما رأى 46 في المائة أن الخسائر البشرية التي تكبدها الشعب السوفييتي جراء القمع الستاليني كانت مبررة من أجل تحقيق "أهداف ونتائج عظيمة" خلال فترة وجيزة، مقابل نفس النسبة تقريباً ممن اعتبروا أنه لا يمكن تبريرها لأي سبب كان.
عودةً إلى البناية، فإن ألغازاً كثيرة لا تزال تحيط بالمبنى، ومنها انعدام المدخل الـ11 بين المدخلين الـ10 والـ12 اللذين يتوسطهما باب صغير يؤدي إلى سلم مظلم.
تزعم الرواية الرسمية أنه كان مخصصاً لاحتياجات عمال الصيانة، إلا أن إشاعات شعبية تقول إن أفراد الشرطة السرية السوفييتية كانوا يستخدمونه للتنصت على الشقق. وحتى يومنا هذا، يشكو قاطنو العمارة الحاليون سوء العزل الصوتي في البناية، ويشاع أنه تم تشييد مثل هذا الهيكل غير العازل للصوت خصيصاً للتنصت على أحاديث السكان.
كما انتشرت أساطير عديدة حول العمارة، ومنها أن المباني مليئة بأشباح السكان الذين نفذت عمليات الإعدام بحقهم، وقصص سماع موسيقى وأصوات غريبة، وغيرها.
إلا أن ذلك لا يمنع استمرار إقبال أثرى الأثرياء والمشاهير الروس على شراء الشقق والعيش بتلك البناية التاريخية ذات الموقع المتميز في قلب موسكو. ويظهر البحث في مواقع إعلانات العقارات أن أسعار الشقق بذلك المجمع تبدأ من 370 ألف دولار مقابل شقة صغيرة مساحتها 35 متراً مربعاً فقط، وتصل إلى 4.5 ملايين دولار لشقة فاخرة مساحتها 230 متراً مربعاً تطل على الكرملين مباشرة. كما تعد البناية أثراً تاريخياً فريداً، وتحتضن متحفاً يخلد ذكرى ضحايا القمع الستاليني الذي يعد واحدة من أكثر الصفحات دموية في التاريخ الروسي والسوفييتي.
المساهمون