"صرخة روح"هل ثيمة الخيانة الزوجية تعبرعن المجتمع السوري ؟

19 فبراير 2015
هل يقف الفنان المثقف موقف المتفرج أو الشريك؟
+ الخط -
بدأ الإعلان عن إنتاج الموسم الرابع للدراما الاجتماعيّة "صرخة روح"، وذلك قبيل عرض الموسم الثالث منها في رمضان المقبل. فالعمل الذي حصرت حكاياته بثيمة واحدة هي (الخيانة الزوجية أو الحب الحرام)، لطالما أثار انتقادات فنية ومجتمعية، بلغت حدها الأقصى مع البرموشين الترويجي للموسم الثالث منه.

ترافق تداوله مع جدل كبير في وسائل الإعلام نتيجة كم الإثارة والجرأة التي وردت في مشاهد مختارة على مدار ثلاث دقائق وعشرين ثانية، والتي بمضمونها لا ترقى أن تكون في مسلسل تلفزيوني يدخل البيوت كمادة للفرجة العائلية، وتكاد أحياناً لا تصلح إلا لصالات سينمائية يحظر دخول من هم دون سن الثامنة عشرة.

بدأت الشركة إنتاج الموسم الأول لـ "صرخة روح" في نهاية العام 2012، إذ تألف من ست خماسيات، شارك في إنجازها أكثر من كاتب وأكثر من مخرج وعرضت في رمضان 2013. وقدم الموسم الثاني من العمل في رمضان 2014، ومن المنتظر أن يقدم الموسم الثالث الذي انتهى تصويره في دمشق مؤخراً في الموسم الرمضاني المقبل.

وفي المواسم الثلاثة تصدر قائمة نجوم الخماسيات عدد من نجوم الصف الأول في الدراما السورية يتقدمهم الفنانان بسام كوسا وعباس النوري وآخرون. وبحسب المعلن، فإنّ موسماً رابعاً قيد التحضير ستدور أحداثه هذه المرة بين سورية ولبنان ومصر.

مضمون العمل وإنتاجه لأربعة مواسم على التوالي، على الرغم مما أثير حوله من جدل وانتقادات لجرأته الزائدة والإساءة للمجتمع السوري، يعكس بمجمله سيطرة ظاهرة في سوق الدراما، يسميها الاقتصاديون في سوق الاستثمارات بـ "اتباع التوجه"، ووفق هذه الظاهرة، يبدو مسلماً أن يتم إنتاج العمل لأربعة مواسم، بخلاف النظر عن مستوياتها الفنية والفكرية، وأن ترسم مبيعاته للفضائيات "التوجه" لإنتاج المزيد منه، دون أن يستطيع النقاد إحداث انحراف، ولو جزئي، في هذا التوجه!


سبق وحدث هذا مع مسلسل "باب الحارة" الذي ضرب بعرض الحائط كل ما قيل فيه من انتقادات وأنتج سبعة أجزاء منه، ويحدث اليوم مع مسلسل "سرايا عابدين" الذي أصم أذنه لكل ما تم كشفه من أخطاء تاريخية كارثية ومضى بإنتاج جزء ثان منه. وبينما تسلّح صناع "سرايا عابدين" بعبارة أنّ ما قدموه، رؤية متخيلة للرواية التاريخية وليس قصاً لها، كان صناع مسلسلات البيئة الشامية بشكل عام، وصنّاع مسلسل باب الحارة خصوصاً، يواجهون الانتقادات الفنية والفكرية التي تطال مسلسلاتهم ولا سيما لجهة تشويهه مدينة دمشق وناسها، بالاحتماء بمتراس القيم والأخلاق لأبناء الشام وعاداتهم الحميدة التي لطالما أبرزتها مسلسلاتهم (موضوع الانتقاد) ومنحتها أحياناً دور البطولة في الحكاية.

وعلى الرغم من أنّ الحجج السابقة قابلة للنقاش والنقض، إلاّ أنّنا نعترف أنّ من المسلسلات الشامية من مارست حالة من التطهير الأرسطي في الدراما عبر بعض من حكاياتها، وأنّ "سرايا عابدين" قدم حدوتة مشوقة على الأقل نافست شبيهتها التركية "حريم السلطان".. ولكن أي متراس يمكن أن يحتمي به صناع مسلسل "صرخة روح" إزاء انتقادات لم تتوقف على ما يقدمونه، فيها كثير من الإساءة والأذى النفسي والتشويه للمجتمع السوري، فالحكاية ليست خيالا تاريخيا.

هي دراما تنشد حسابات "البزنس" لا أكثر، ولندع الكلام الكبير و(المزوق) عن نقل صورة واقعية عن المجتمع في قالب درامي، ولنصم آذاننا أمام أصوات ترى أن ما يرويه العمل يحدث فعلاً في الواقع وليس محض افتراء على المجتمع. فذلك تنظير كلامي يتناوب عليه القائمون على الإنتاج وكتاب عملها ومخرجوها ونجومها الكبار بالذات، على الرغم من أنّ هؤلاء جميعاً يدركون، بوعي أو دون وعي، أنهم جزء من لعبة تجارية، يقع في ذيل اهتماماتها نقل الواقع لمعالجته وتوعية المشاهد تجاهه.

وفي كل التنظير الكلامي حول المسلسل الذي يمارسه هؤلاء، علناً أو في دوائر ضيقة، ثمة من يسقط أنّ الدراما صورة مصغرة عن الواقع، والاستثناء في هذا الواقع لا يرقى إلى حد أن يكون محور حكاية، إلا إذا اتسع ليصير حالة عامة يمكن قراءة المجتمع وتطوره من خلالها، وهو يرتقي كاستثناء، أحياناً، لا حالة حين يطرح بمضمونه ما يهدد بنية المجتمع بالانهيار. فهل ثيمة الخيانة الزوجية والحب الحرام التي يختارها العمل لحكايته ارتقت لتكون حالة عامة تعبر عن المجتمع السوري الذي ظهرت حكايات المواسم الثلاثة بلهجته؟


وهل بدت الخيانة الزوجية حالة استثناء تقدمت للواجهة لتطفو على سطح مشكلات المجتمع السوري كما لو أنّ ليس لديه مشكلات اليوم أهم منها تزعزع كيانه وتهدد بنيته؟ ألا يبدو غريباً أن تنشغل أربعة مواسم من العمل بثيمة الخيانة المحرمة، وقد بدأت الشركة بإنتاجه في وقت كشفت الأحداث الدائرة في سورية منذ 15 مارس/آذار 2011 عن عشرات الحالات والأمراض المجتمعية التي تنخر كالسوس في المجتمع السوري وتحتاج لفن مستنير لطرحها ومعالجتها؟

ولعل السؤال الأهم كيف لصناع الدراما، بوصفهم فنانين لا تجّارا، أن يستسلموا لقناعة "الجمهور عاوز كده"، وأنّ "شركات الإنتاج تسوق حسب سوق الفضائيات" دون أن يحموا الدراما العربية والسورية على وجه التحديد من الانحدار بقوة "اتباع التوجه" من موقعها كفن هادف، إلى موقع تصير فيه مجرد مادة للاستهلاك والإغراء؟ وهل التسليم بسطوة "اتباع التوجه" الدرامي، يعني أن يقف الفنان المثقف جانباً، موقف المتفرج أو الشريك، ليصير هو الآخر مادة للاستهلاك الكلامي ينتهي مفعوله مع انتهاء مشاهدته؟!

لا إجابات عن الأسئلة السابقة، وحتى لو جاءت تلك الإجابات ستبقى في إطار التنظير الكلامي، كما ستبقى ملاحظاتنا هنا حبراً على ورق. فالثابت الوحيد أن عجلة الإنتاج تمضي، ونصب عيونها الفضائيات، وهذه الأخيرة تنظر إلى سوق الدراما من نافذة سوق الإعلان، لا من نافذة كونها مشاريع فنية، وحسبها في كل مرة جمهور لا يستطيع تمييز الصحيح من الزائف، تضعه في واجهة استطلاعاتها على أنّه الجمهور الـ"عاوز كده".
دلالات
المساهمون