قد يبدو الأمر غريباً، ولكن الحقيقة أن "اليوتيوبر" السوري، عمرو مسكون، تمكن من خلال مسلسل "كملت معي" الذي بدأ ببث حلقاته في اليوم الأول من شهر رمضان على قناته الخاصة في "يوتيوب"، والذي أنتجه بمعدات منزلية بسيطة، وقام بتأدية جميع الشخصيات فيه، أن ينافس المسلسلات السورية التي تضم نجوماً من الصف الأول، وكلّف إنتاجها ملايين الدولارات. بل إنه تفوق عليها جميعاً بنسب المشاهدة على الإنترنت، إذ تخطى عدد متابعي الحلقة الواحدة من مسلسله المليون مشاهد، في حين لم يتجاوز أي مسلسل سوري من مسلسلات الموسم الحالي حاجز الـ 300 ألف مشاهدة.
مسلسل "كملت معي" هو مسلسل فردي، يؤدي عمرو مسكون جميع شخصياته، والتي يبلغ عددها 8، وهو من تأليف عبودة أسمر، وإخراج عمرو مسكون أيضاً. وتم تصوير جميع مشاهد المسلسل في فترة الحجر الصحي في منزل مسكون في مدينة ليون الفرنسية التي يقيم فيها منذ أربعة أعوام. وتدور أحداث المسلسل ضمن فضاء درامي واحد، وهو بيت "أم سوزان" في سورية، الشخصية التي اشتهر مسكون بتأديتها منذ أن بدأ بممارسة نشاطه على "اليوتيوب" قبل خمسة أعوام؛ وتبدأ الأحداث باستقبال "أم سوزان" عائلة زوجها في أول أيام شهر رمضان، وأثناء الزيارة تصاب جارتهم بذات المبنى بالكورونا، فتقوم الجهات المختصة بمداهمة المبنى لتمنع أي شخص من المغادرة، وتفرض الحجر الصحي الإلزامي على جميع سكان البناء وكل الموجودين فيه لمدة شهر كامل؛ لتجد "أم سوزان" نفسها مجبرة على قضاء شهر رمضان مع أفراد عائلة زوجها التي تربطها بهم علاقة كراهية مبطنة. يلجأ مسكون إلى أدوات بسيطة للغاية للتمييز بين الشخصيات التي يؤديها، فيكتفي للدلالة على كل شخصية بلباس واحد يلازمه طيلة الحلقات بالإضافة لبعض الإكسسوارات البسيطة والشعر المستعار. ومن خلال تصادم هذه الشخصيات بعضها ببعض، يتمكن مسكون من صناعة كوميديا متقنة بخفة.
ويبدو واضحاً في كثير من المشاهد أن الإمكانات الإنتاجية لمسكون محدودة للغاية، فهو يضطر في بعض المشاهد مثلاً إلى استخدام جهاز التحكم بالتلفاز على أنه جهاز موبايل، وذلك في الغالب لأنه يقوم بتصوير المسلسل بكاميرا جهازه. كما أن المشاهد التي يقوم فيها بجمع شخصيتين من شخصياته بشاشة واحدة، يقوم بتركيبها من خلال دمج لقطتين تم تصويرهما بشكل طولي، بطريقة تدل على بدائية الأدوات التي يستخدمها في التصوير وعمليات المونتاج، فهو غير قادر على استخدام تقنيات "الكروما" أو حتى إزالة الخط الفاصل بين حدود كادر اللقطتين ببرامج المونتاج البسيطة التي يستخدمها. ولكن ذلك كله لا يبدو مهماً فعلياً، فالجمهور يتابع المسلسل ويستمتع بالقصة البسيطة والمواقف الطريقة التي يخلقها مسكون ضمن حدود إمكاناته البسيطة.
وفعلياً، فإن نجاح تجربة مسكون الجديدة يثبت أن أسباب فشل الكوميديا السورية في الأعوام الأخيرة غير مرتبط بالإمكانات الإنتاجية المحدودة والظروف الصعبة التي تعيشها البلاد جراء الحرب والأزمة التسويقية التي عانت منها الدراما السورية في الأعوام الأخيرة، بل إن السبب في ذلك كما بات واضحاً يعود لأزمة في الإبداع. فما يميز مسكون هو أنه تمكن من الخروج من قوقعة الأفكار الجاهزة التي تجترُّها الكوميديا السورية كل سنة، وابتعد عن النكات المعلوكة والأفيهات المكررة، وبحث بجدية عن عوامل الإضحاك في الظرف الآني الذي يتشارك به السوريون أينما وجدوا. كما أنه تمكن من خلق ثمانية أنماط كوميدية من لحم ودم دون أن يعتمد على الكليشيهات التي باتت محفورة في أذهان المشاهدين؛ ليثبت من خلال ذلك قدراته التمثيلية الفريدة، والتي مكنته من صناعة اسمه وشعبيته بشكل مستقل، بعيداً عن دوامة الكوميديا السورية التي تجرف الجميع نحو الفشل.
المساهمون
المزيد في منوعات