"خيانة وطن".. مغالطات تاريخية وسقطات درامية

28 يونيو 2016
الفنانة الإماراتية فاطمة الحوسني (فيسبوك)
+ الخط -
يعرض على شاشة قناة أبوظبي خلال شهر رمضان الحالي مسلسل إماراتي بعنوان "خيانة وطن". والمسلسل تجسيد لرواية "ريتاج" لمؤلفها حمد الحمّادي، ومن بناء إسماعيل عبد الله، حيث تدور أحداثه حول "تنظيم سري" للإخوان المسلمين في الإمارات، والذي وصفه المسلسل بأنه كان "يخطط لأعمال منافية للقانون" في الدولة. العمل من إنتاج شركة "سبوت لايت" للإنتاج الفني ومن إخراج أحمد يعقوب المقلة، كما ضمّ 80 ممثلاً وممثلة يتصدرهم من الكويت جاسم النبهان، وأحمد إيراج، ومن البحرين هيفاء حسين، ولطيفة المجرن، وحبيب غلوم وفاطمة الحوسني من الإمارات، وآخرين. تفتتح أول لقطة من العمل لشارة من غناء حسين الجسمي وكلمات كريم معتوق. تُظهر الشارة إيحاءات عدة مقتبسة من أرض معركة، بداية من مشهد لعلب رصاصات فارغة تتطاير في الهواء وأدخنة تتصاعد إلى جوارها، واقتحامات لجنود مدججين بالسلاح، حتى ظهور عبارة "خيانة وطن" في المنتصف. حرص المسلسل على تصوير الأجواء الغامضة عبر الموسيقى التصويرية، وزاوية الإضاءة المستخدمة في المشاهد، كما قدّم الأحداث في صورة درامية عاطفية حسب السياق لبنية القصة، إلى جانب المبالغة في التأكيد على المشاهد عبر المحادثات الجانبية والتعبيرات.

بلقطة لطابور من الطلبة في مزرعة خاصة في تمرين لياقي مردّدين بصوت واحد الأبيات الشهيرة: "إنّ للإخوان صرحٌ كل ما فيه حسن، لا تسلني من بناهُ إنّه البنا حسن"، يبدأ المسلسل. تعقبها لقطة افتراضية من داخل أحد اجتماعات جهاز أمن الدولة الإماراتي، حيث يتم إعطاء عدة فرق الضوء الأخضر لإلقاء القبض على عدد من قيادات "التنظيم السري". قدّمت الحلقات الخمس الأولى مشاهد متنوعة للحظات القبض على القيادات، فقد تمّ القبض على "يوسف يعقوب يوسف" والذي يصف المسلسل مهامه بـ "رئيس اللجنة الأمنية للتنظيم السرّي"، و"ثاني خلف بن ثاني"، حيث كانت مهمته جمع الأموال والتبرعات، كذلك "أحمد مطر" وهو "رئيس اللجنة العسكرية" والمشرف على مخيمات التدريب على الفنون القتالية، حسب وصف المسلسل. أما عن الحديث عن القاسم المشترك بين مشاهد لحظات القبض، فقد حرص المسلسل على إظهار أكبر قدر من الخسارة المعنوية على الضحية والمحيطين به عبر المحادثات الجانبية واللقطات البطيئة، كما برع في توظيف العاطفة أثناء المشاهد، هذا على حساب وقت طويل يتم اقتطاعه من الحلقة.

لم يحرص المسلسل على بناء قصة تبدو أكثر منطقية بقدر حرصه على عنصرين. الأول، التركيز على استغلال العاطفة. والثاني، استنفاد وقت الحلقات، باعتبار أن المسلسل سيبث طيلة ثلاثين يومًا. تم ذلك عبر توظيف "المبالغة" كعنصر أساسي في النص والأداء، الأمر الذي انعكس على بقية أجزاء العمل ليتحوّل إلى سمة عامة للمسلسل على الشاشة، بداية بالدعاية وحتى آخر دقيقة مع انتهاء كل حلقة.
وإذا سلّمنا بضرورة وجود عنصر كهذا، إلا أنها، أي المبالغة، لم تكن مراعاة في النص، حيث بدا النص هزيلاً أكثر متجاوزاً ردات الفعل البديهية إلى أخرى مختلقة غير واقعية؛ ففي المشاهد عندما تقوم فرق الأمن بإلقاء القبض على المطلوبين، نلاحظ ضعف موقف الأهالي في الدفاع عنهم، بل التنكّر لهم مباشرة في بعض المشاهد دون السؤال عن التهم!

في الحلقة الثانية، عندما يتم القبض على القيادي في التنظيم "ثاني خلف بن ثاني"، وهو أب لأبناء وبلحية يعلوها البياض، يستوقفه والده العجوز قبل خروجه قائلاً له: "ليش سوّدت وجهي وِيّا (أمام) أعز الرّجال؟ ماجد بن ناصر.. ليش؟". أما الاسم المذكور في النص فيعود لشيخ قبلي متوفّى، وهو والد زوجة المطلوب، أما محل اللَّوم فهو على الزيجة التي تمّت قبل ثلاثين عامًا، في تهمة لم يسأل عنها.


طيلة عقدين، كانت "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، والتي حظيت برعاية مشيخية في دبي خلال السبعينيات، كيانًا مُمثلاً عن الإسلام الحركي في الإمارات، ومن أولى طلائع ما يمكن التعبير عنه بالوجود المنظم "للإسلاميين" في الخليج. لاحقاً، وُجّهت للجمعية العديد من التهم باتصالهم بجماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، إلا أن الجمعية كانت في وقتٍ سابق قد نفت أيَّ ارتباط لها بالجماعة، مؤكدةً أن "ولاءها للحكومة" هو من "باب إيمانها بشرعية الحكم القائم"، حسب ما نقلته رويترز عن بيان صادر. حسب مركز المسبار الإماراتي، ففي عام 1974 تبرع شيخ إمارة دبي في حينه، راشد بن سعيد آل مكتوم، بإنشاء المقر الرئيسي في دبي، إلى جانب فرعين في إمارتي رأس الخيمة والفجيرة، بعد تقدمها إليه بطلب لإشهارها، كما حصلت الجمعية على دعم معنوي تمثّل في تنصيب محمد بن خليفة آل مكتوم كأول رئيس لمجلس إدارة الجمعية. أما في الحكومة، فقد أصبح سعيد عبد الله سلمان، أحد المؤسسين لجمعية الإصلاح، وزيرًا للتربية والتعليم ورئيسًا لجامعة الإمارات عام 1979، كما تولى قبلها منصب وزير الإسكان. وصول شخصيات محسوبة على الجمعية إلى مناصب سيادية، سبقه تأثير واسع وقبول نسبي على مستوى المجتمع، حيث كان للإعلام دورٌ في هذا أيضاً، إلى جانب وجود شخصيات أكاديمية وتربوية كسبت ثقتها عن طريق مساهماتها في مؤسساتها التعليمية والحكومية.

هنا نجد من الواضح أن المسلسل حاول تجاوز كلّ هذه التفاصيل، فقد أظهر المطلوبين، أي القيادات السابقة، كشخصيات انفعالية، ماكرة، ومعزولة عن محيطها الاجتماعي. ورغم أن الجمعية كانت عبر شخصيات قريبة منها جزءًا من الحكومة، إلا أن المشاهد حرصت على إظهارهم في معسكر مضاد للدولة بشكل نهائي، الأمر الذي بدا بسيطاً أكثر وغير مقنع بشكل كاف على مستوى بنية القصة.
المساهمون