عن عالم بلا أبطال خارقين

11 مايو 2020
مشهد من فيلم Iron Man (فيسبوك)
+ الخط -
بعد أشهر قليلة على الأحداث الإرهابية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تحديداً في يونيو/ حزيران 2002، صدر "سبايدرمان" لسام ريمي، مع توبي ماغواير. حقّق الفيلم نجاحاً مدوّياً، فاق المتوقّع، فبات حينها أنجح فيلم "أبطال خارقين" في تاريخ السينما، بفرق كبير عن العمل الذي تلاه (825 مليوناً و25 ألفاً و36 دولاراً أميركياً إيرادات دولية، مقابل 139 مليون دولار أميركي ميزانية إنتاج). كان الأمر حينها استجابة مباشرة وفورية من الجمهور نحو الصورة المرعبة لـ"11 سبتمبر"، عدوٌ ظاهر بطائرات في السماء يهدم المباني، ويحوّل مدينة نيويورك إلى كابوس.

لذلك، فإنّ تكرار تلك الصورة في فيلم سينمائي، بإضافة بطلٍ خارق يستطيع إيقاف "العدو"، مُطمئن ومُرْضٍ، كُتِبَت عنه نظريات كثيرة في السينما وعِلم النفس. تلك اللحظة، التاريخية والسينمائية، بالنسبة إلى "11 سبتمبر"، في نجاح "الرجل العنكبوت"، غيّرت شكل السينما كاملاً في العقدين الأخيرين، مع بدء عصر الأبطال الخارقين، غير المتوقّف إلى اليوم: ثلاثية "باتمان" (2008 و2012 و2016) لكريستوفر نولان، بداية عالم "مارفل" (2008) مع "رجل حديدي (Iron Man)، ثم وصوله إلى الذروة مع Avengers: Endgame، الذي أنجزه جو وأنتوني روسّو عام 2019، أنجح فيلم في تاريخ السينما، مع مليارين و797 مليوناً و800 ألفٍ و564 دولاراً أميركياً (ميزانية الإنتاج تبلغ 356 مليون دولار أميركي). بالإضافة إلى عشرات الأفلام الأخرى، الممتدة إلى أشرارٍ خارقين: Venom لروبن فلايشر (2018)، و"جوكر" لتود فيليبس (2019). القائمة كانت مَفتوحة تماماً بأفلامٍ وعوالم أخرى، وبمرحلة رابعة تستمر لغاية عام 2025، في إطار "مارفِل"، الذي لم يعد محصوراً فقط في السينما، لارتباطه أيضاً بمسلسلات تلفزيونية.

حدث هذا كلّه قبل تفشّي "كورونا" منذ أشهرٍ، والذي صنع صورة كابوسية مختلفة تماماً عن الـ"عدو"، وحتّى عن "نهاية العالم"، التي لم تحدث على أيدي "رجال آليين" وذكاء صناعي يتحكّم بالبشر (صورة متداولة في أفلامٍ تتناول ما سيحدث)، ولم تنتج عن حربٍ عالمية وصراعٍ ظاهر وطائرات يقاومها أبطالٌ خارقون. الصورة أبسط من ذلك بكثير، فالعدو خفيّ لا يُرى بالعين، وشوارع العالم خالية وكئيبة بسببه، والمقاومة الوحيدة المُتاحة لمواجهته تكمن في العزلة المنزلية كي لا ينتشر الفيروس، وتتّسع رقعته أكثر. عالمٌ لن يُجدي فيه وجود "أبطال خارقين" مفتولي العضلات، أو قادرين على القفز والطيران. فهذا كلّه لن يقي الناس "توديع أحبّائهم"، كما قال بوريس جونسن، رئيس الوزراء البريطاني، في خطابه الشهير، قبل إصابته هو نفسه بالفيروس. في ظلّ هذه الصورة الحاضرة، التي أصبحت فيها الولايات المتحدة الأميركية "الأعلى" في أرقام الإصابات والوفيات (أضعاف الحاصل في أي بلدٍ آخر)، فإن أكبر التوقّعات المتعلّقة بمستقبل السينما انحسار ضخم لأفلام الأبطال الخارقين.

لهذا التوقع بُعدان: الأوّل مادي واقتصادي بحت. فبحسب تقرير أصدرته "فوربس"، المجلة الأميركية المتخصّصة في الاقتصاد، تُشير التوقّعات إلى تعرّض صناعة السينما في هوليوود عام 2020 لخسائر تُقدّر بـ20 مليار دولار أميركي، نتيجة الوباء، بسبب تأجيل عرض الأفلام، وتأجيل تصوير أفلام أخرى، بالإضافة إلى توقّع عدم عودة دور العرض إلى طبيعتها، وإلى الإقبال الجماهيري نفسه كما كان الحال عليه قبل تفشّي الوباء، قبل أعوام قليلة مقبلة. فبدلاً من ذلك، سيُفضّل الناس المُشاهدة المنزلية للأفلام عبر شبكات ومنصّات، بشكل أكبر من قبل، ولمدّة طويلة. بناء على هذا كلّه، ستنخفض ميزانيات إنتاج الأفلام بشدّة تعويضاً للخسائر، وخوفاً من المخاطرة بخسائر أخرى، وستُصبح الخطط كلّها ("مارفل" و"دي سي" تحديداً) عرضةً للتأجيل أو الإلغاء لدواعٍ اقتصادية.

أمر آخر يتعلّق بالمزاج العام المُحرّك للجمهور، الذي تأثّر ويتأثّر بالأحداث الكبيرة، على مدى تاريخ السينما: أصبح "فيلم نوار" (Film Noir، أفلام الجريمة السوداء القاتمة) استجابة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانتشار أفلام الجاسوسية وسلسلة جيمس بوند مع فترة الحرب الباردة، وأفلام الخيال العلمي مع الصعود إلى الفضاء، وصولاً إلى الأبطال الخارقين و11 سبتمبر. عام 2020، يواجه العالم كلّه حدثاً مثل "كورونا"، تصفه أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، بأنّه "أكبر تحدٍّ نواجهه منذ الحرب العالمية الثانية"، ولعلّه يكون حدثاً أكبر، لتأثيره على كلّ فرد يعيش على كوكب الأرض من دون استثناء. فكيف سيؤثّر هذا كلّه على السينما؟ التوقّع الأقرب يقول بعودة أفلام الخيال العلمي لتصدّر الواجهة، وبأنّ نهاية العالم ستأخذ صورة مختلفة أكثر واقعية، بارتباطها أكثر بالأوبئة غير المرئية. أفلام الدراما سترتبط بالعزل الاجتماعي، وتأثيره على الناس، وستكون لها قاعدة جماهيرية أكبر. أخيراً، فإنّ الأبطال الخارقين في الأفلام، بعد بلوغهم القمّة مع "آفنجرز: نهاية لعبة"، سيتراجعون كثيراً، ولن يتصدّروا الواجهة مجدّداً.
المساهمون