إعلان "زين" الرمضاني: سيّدي الرئيس... كيف حالك؟

18 مايو 2018
بوتين الطيب ممسكاً بيد الطفل العربي (يوتيوب)
+ الخط -
أصعب ما في الكتابة عن إعلان شركة الاتصالات الكويتية "زين"، الحاجة لمشاهدته أكثر من مرة. وهو ما يتطلب صبراً، وقدرة لا بأس بها على احتمال الخفّة الفنية والسياسية والإنسانية.

"سيدي الرئيس"، هو عنوان الإعلان/ الأغنية الذي طرحته الشركة على أبواب شهر رمضان. وهو تقليد تتبعه أغلب شركات الاتصالات في العالم العربي، وغالباً ما تختار هذه الشركات رسائل إنسانية لتمريرها في أغانيها الإعلانية هذه.

تزامنت بداية شهر رمضان هذا العام مع مجزرة جديدة ارتكبها الاحتلال بحق عشرات المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، الذين كانوا يحتجون على نقل الولايات المتحدة لسفارتها إلى القدس المحتلة.

وإلى جانب هذا الحدث الرئيسي، كانت أحداث دموية أخرى تواصل يومياتها المعتادة، في سورية واليمن، على سبيل المثال. وسط كل هذه الأحداث، جاء إعلان "زين" حاملاً رسالة يفترض أنها إنسانية، ناطقة بلسان كل عربي، وموجّهة إلى زعماء العالم: الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الروسي فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وضيف الشرف، مفاجأة العمل الرمضاني: زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.




يستمع هؤلاء بالتناوب إلى رسالة طفل عربي، يروي مأساته، تارة من القصف الذي لا ينقطع في سورية، وتارة أخرى أثناء عبوره الحدود من بورما إلى بنغلادش مع المسلمين الهاربين، أو مع اللاجئين السوريين الهاربين في قوارب الموت نحو حياة جديدة. يستجدي الطفل رحمة هؤلاء الرؤساء، يشحذها منهم حرفياً، بأعين دامعة، وبرقبة مائلة قليلاً نحو اليمين.

طفل عربي أسمر لا حول ولا قوة له، يشحذ الحياة من "حكّام العالم القوي". ثمّ ينتفض على نفسه، فيمسك بوتين بيده. برحمة يسير وهو ممسك بيد واحد من أسوأ ديكتاتوريي العالم، والشريك الأساسي في قتل أطفال حلب والغوطة وغيرها من المدن السورية. يمسك الطفل يده، بطمأنينة طفل يمسك يد أبيه، بعدما أضاعه بنظره في السوق أو في باحة المسجد.

الطفل نفسه، وفي مشهد آخر، ينظر مباشرة إلى عيني ترامب. يخبره "سنفطر في القدس عاصمة فلسطين". ثمّ وفي طريقة التحضير للإفطار في القدس، يذهب الطفل الأسمر نفسه، ويحرّر من يفترض أنها عهد التميمي من معتقل إسرائيلي، ويركض معها باتجاه المسجد الأقصى. جميل ومؤثّر، فقط لو اسثنينا أنّ ابنة ترامب، إيفانكا، كانت تلتقط صور السيلفي قبل ساعات من طرح الفيديو، في مقرّ السفارة الأميركية الجديد في القدس المحتلة، بينما كان الفلسطينيون يراكمون جثثهم خلف شريط شائك، يحرسه قتلة مدججون بالأسلحة الثقيلة. كما يجب طبعاً استثناء زلة لسان ترامب في وصفه للمهاجرين بـ"الحيوانات". حيوانات، هكذا يرانا الرئيس الأميركي، نحن الشعوب السمراء الآتية إلى بلده الأبيض، من "الدول القذرة shithole countries"، وفق توصيفه الحرفي.

وبين مشهد بوتين وإفطار القدس، سلسلة من المشاهد التي تفتقد إلى المنطق. يظهر الزعيم الكوري الشمالي (سليل العائلة المسؤولة عن قتل مئات آلاف الكوريين) بوجه حنون، وعين تدمع للحظة أمام مآسي الطفل العربي. من خارج أي سياق منطقي، يحل أون ضيفاً على الإعلان. ثم تتوالى مشاهد أخرى، عن أنجيلا ميركل (الآتية أيضاً من خارج أي سياق منطقي) تحاول إنقاذ أطفال على الشاطئ، وجاستن ترودو بشعر يطير مع الهواء... ثمّ يأتي المشهد النهائي: الطفل العربي، مع عهد التميمي، وزعماء الخليج العربي يقفون على تلة تطل على ساحة القدس والمسجد الأقصى، دخلوا فلسطين، وسيفطرون فعلاً في القدس على ما يبدو. ينتهي الفيديو هنا.

يليق الفيديو بإعلانات منتصف التسعينيات. كان سيشكّل ثورة فعلية وقتها، حقبة "الحلم العربي" وأوبريتات الوحدة التي كانت تلي كل مجزرة ترتكبها الولايات المتحدة أو الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة. وقتها كان شائعاً أن يحمل حكّام العالم مفتاح الحرب ومفتاح السلام، وكان شائعاً أيضاً أن نغضّ الطرف عن الدكتاتوريات التي تحكم العالم العربي. لا صدام حسين قتل عراقيين في حلبجة، ولا حافظ الأسد أباد أهل حماه، ولا عمر البشير أشرف على عمليات قتل وتصفية مباشرة لسودانيين، ولا معتقلين عرب يموتون تحت التعذيب في أقبية المخابرات العربية، كلها من دون استثناء من الخليج إلى دول الشام ومصر والمغرب العربي. لكن أن يأتي الإعلان في العام 2018، وأن يقال للمشاهد العربي إن قادة الخليج سيحررون القدس، وأنّ "قطعت ألسنتنا لأنها نطقت بالشهادة"، وليس لأن أنظمة قمعية دموية تحكمنا وتتواطأ على قتلنا مع "سيدي الرئيس"، ففي ذلك سذاجة وخبث لا يُحتملان.

ملاحظة على الهامش: إن بحثت عن أطفال اليمن (أطفال عرب في بلد عربي) في الإعلان، لن تجدهم.

على جانب مواز، منعت شبكة قنوات MBC السعودية عرض الإعلان على شاشاتها، وذلك بعد تغريدات لـ"مثقفين" وصحافيين سعوديين اتهموا الشركة والإعلان بـ"الأخونة" ومحاباة إيران، ثم تحولت الاتهامات إلى حملة مريبة ومضحكة على الكويت، بعيداً عن المضمون الحقيقي للإعلان.









دلالات
المساهمون