أين يختفي المغنون السوريون؟

21 فبراير 2018
أصالة نصري حققت شهرة واسعة (Getty)
+ الخط -
يقضي معظم الفنانين السوريين أوقاتًا عصيبة، بين الغربة والحرب، والبحث عن مساحة فنيّة يجتازون من خلالها الطريق، وكسب الشهرة والنجاح. لكن هل تبحث سورية عن مغنٍ نجم؟ وما هو السبيل لدعم هذا النجم أو ذاك ومنحه هوية تؤكد حضوره، ويمثل هذا البلد تمثيلاً فنيًا على غرار باقي الدول العربية التي نجح مغنوها بشكل قياسي؟ 

من دون شك، فإن المشاكل التي تعترض الفنان السوري باتت هي نفسها التي تعترض طريق باقي الفنانين أو المواهب التي تسعى إلى شق طريقها بنفسها، لكن الاختلاف هو حصار إنتاج يبدو أنه مفروض على بعض المغنين السوريين الشباب منذ ما قبل الثورة السورية. أما ما بعد الثورة، فبدا أن هذا الحصار يفقد عناصره، مع موجة نزوح للفنانين إلى دول الجوار، وأبرزها لبنان. إذ تحولت بيروت إلى ملاذ، لعدد كبير من المغنين والملحنين والشعراء السوريين، بعيداً عن "قوقعة" النظام وحربه على الشعب السوري.

قبل أسبوع، نشر الملحن السوري محمد عيسى، فيديو يتهم فيه مواطنه ناصيف زيتون بعدم سداد ثمن ألحان وأغان قدمها له. وكانت الأغاني، بحسب عيسى، تأشيرة عبور زيتون إلى النجاح. الملحن السوري الذي تحدّث بغصة واضحة وعتب صريح، وضع الإصبع على الجرح، من خلال تعامل الفنانين السوريين مع بعضهم بداية، والاستعلاء واللامبالاة بعد كل نجاح يحققونه. وتحدّث الملحن عن زملاء ناصيف زيتون، موجهاً انتقادات لاذعة لكيفية التعامل بين الفنانين السوريين وبين من يصنعون نجاحهم للهروب من دفع المستحقات المالية التي يحتاجها أي ملحن أو كاتب أو موزع موسيقي.
فيديو محمد عيسى، بغض النظر عن خلفياته التي تبقى مجهولة حتى الساعة، كشف عن "أسلوب" يمارسه معظم الفنانين السوريين من دون رقيب أو حسيب لمن يجب أن يحفظ حقوقهم.


تغيب نقابة الفنانين السوريين عن دعم المغنين، وتستغل نفوذها الأشبه بنظام ثكنة عسكرية تابعة للجيش، لمحاربة بعض الممثلين الذين اختاروا خط المعارضة السياسي في السنوات الأخيرة، وتُطبق النقابة مبدأ المحاسبة من خلال الموقف السياسي، بعيداً عن هموم الفنان أو الممثل في حفظ حقوقه. من هنا، لم تخرج سورية بمغنٍ نجم، طوال السنوات السابقة. إضافة إلى ذلك، يأتي دور الإعلام الخجول في تحريك عجلة الفنانين وتسليط الضوء على أعمالهم الفنية، عقبة ثانية تواجه المغنين.

على مر الزمان، لم يخرج صوت سوري، يعبر إلى سدة النجومية، من دون أسباب مقنعة، على الرغم من تمتّع الشباب السوري بمواهب غنائية تصل أحياناً إلى درجة الاحتراف وتبتعد بالتالي عن الدراسة الأكاديمية، الموسيقية، هذه المواهب التي تُسمى بالمواهب الفطرية، تتجه أحياناً إلى "بقعة ضوء" أو هجرة، من خلال بعض البرامج أو محطات التلفزة، ومن استطاع يتجه إلى بيروت ليكسب وجهة ضوء أساسية لبلوغ طموحه الفني.
بداية التسعينيات، ظهر اسم الفنان السوري نور مهنا، من خلال أغنية "وحشتيني". أعاد مهنا تسجيل الأغنية التي أدتها المطربة الراحلة سعاد محمد، قبل أكثر من نصف قرن، وقدمها في إطار موسيقي جديد، وصوت مطواع، ما دفع الإعلام اللبناني إلى البحث عن هذا الصوت، بعدما غرقت الإذاعات بالأغنية، وأصبحت على كل شفة ولسان. يومها استُقبل نور مهنا استقبال الفاتحين في مربع "مون ريفير" الجبلي، وامتلأت الصالة برواد السهر الذين حضروا للتعرف على صاحب "وحشتيني". وتوسّم المتابعون خيراً بأن مهنا سيكون صوت سورية المقبل، في وقت لم تقدم سورية الدعم الكافي لمهنا، فظل أسير شركة روتانا لسنوات، حتى غاب قبل سنوات.
فقدت سورية الأمل في "تجهيز" أو الإعداد لمغن يملك صفات النجم، ولم تنتج التسعينيات سوى صوت واحد، هو أصالة مصطفى نصري، التي أطلت من القاهرة بلحن "سامحتك" لمحمد سلطان وكلمات الشاعر الراحل محمد حمزة.
كان الوقت بحاجة إلى صوت سوري، فحملت أصالة خبرة موسيقية ودعم مالي من زوجها السابق أيمن الذهبي، وكسبت صيتاً جيداً وصل إلى بيروت والقاهرة، وتساءل البعض عن المطربة التي تؤدي الأغنية الجديدة، بسلاسة وتقنيات عالية، لتبلغ نجاحاً كبيراً بعد متابعتها لأعمالها الغنائية من القاهرة، واستغلال وجهة بيروت في الإعلام لتبرز بشكل أقوى، خاضت أصالة ولا تزال معارك فنية، وأخرى وجودية، لكنها كسبت أنها "نجمة" سورية الوحيدة، بعد اعتكاف ميادة الحناوي عن الغناء، وغياب اسم فنان يحظى بشهرة أصالة.


في الفترة التي تمتد بين عام 2009 إلى يومنا هذا، ثمة محاولات لبعض الأصوات السورية للخروج من "شرنقة" وضيق المساحة، والإعداد السليم لترجمة الموهبة بالحرفة والمهنية. 
أسماء كثيرة خرجت إلى بيروت وحاولت إثبات نفسها، لعل ناصيف زيتون كان الأشد حزمًا في إثبات مقدرته على الاحتراف، من مدرسة "ستار أكاديمي" تقدم الشاب بخطى ثابتة، واستطاع التعلم من مدرسة محطة LBCI التي وضعته على السكة السليمة، ثم تبنته شركة إنتاج، لها مفهومها وحنكتها في مجال إدارة الأعمال الفنية، فوصل زيتون إلى مرحلة متقدمة اليوم. 

وصول زيتون إلى مصاف النجوم وتفرّده عن زملاء اختاروا سجن أنفسهم داخل دائرة ضيقة، أو "شرنقة سورية"، منهم وفيق حبيب وحسام جنيد، وزملاء في سن ناصيف زيتون، أي حازم الشريف الذي فاز بلقب نجم العرب (آراب آيدول) عام 2014، وعبد الكريم حمدان الذي وصل إلى مرحلة متقدمة في البرنامج نفسه، لكن الحظ لم يبتسم له للنهائيات. بعض هذه الأصوات ضاعت في متاهات ومحسوبيات الفن، فضلاً عن انشغالهم بتلميع الصورة، وعدم حثهم على العمل والتأسيس لفترة ما بعد الشهرة السريعة التي اكتسبوها من خلال ظهورهم التلفزيوني لأسابيع معدودة.
المساهمون