"مهرجان الفيلم اللبناني الـ13": صُورٌ ووقائع

17 سبتمبر 2018
الرفيع ولبكي تحضيرًا للقطة من "كفرناحوم" (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
موعدٌ جديدٌ مع مهرجان لبناني يتّخذ من النتاج السينمائي المحلي ركيزة أساسية له. بين 17 و21 سبتمبر/ أيلول 2018، تُقام الدورة الـ13 لـ"مهرجان الفيلم اللبناني" في بيروت. مهرجان كهذا حاضرٌ في المشهد اللبناني. يحتضن معظم الأفلام حديثة الإنتاج، التي يُنجزها لبنانيون مختلفو الأساليب والهواجس. يتذكّر مخرجين لهم تأثير ما في التاريخ المرتبك لصناعة السينما في البلد. يحتفي بهم محاولاً تقديم شيءٍ من أعمالٍ قديمة لهم. ينفتح على المدى العربي أيضًا، ويتعاون مع مؤسّسات سينمائية أوروبية لتثبيت التزامه السينما كفن وثقافة وصناعة وإنتاج وحراك اجتماعي وتفكير إنساني.

موعدٌ جديد يختار "كفرناحوم" (2018) لنادين لبكي (1974) لافتتاح دورة تتميّز بوفرة أفلام قصيرة، وبحضور لافت للمرأة. الروائيّ الطويل الثالث للبكي حاصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي. عرضه في افتتاح المهرجان اللبناني يُعتَبر الأول محليًا. عرضه التجاري لاحقٌ لافتتاح المهرجان (20 سبتمبر/ أيلول 2018). حكايته مأخوذة من وقائع العيش اليومي في بلدٍ منهك بالخراب الداخلي. الفقر والتهميش سمتان أساسيتان تتصادمان، في الوقت نفسه، مع تَعَالٍ واستغلال لن يتغاضيا عن أيّ أحدٍ آخر، إنْ يكن لبنانيًا أو غير لبناني. البلد مُقيم في جحيمٍ قاتل، وناس البلد ـ حاملو جنسيته كالوافدين إليه لعملٍ أو لهروبٍ من جحيم أقسى ـ يواجهون مصائب تجعلهم، غالبًا، عاجزين عن تخطّيها.

هذا مغاير تمامًا لمضمون إنساني، مفتوح على السياسة والاجتماع والسلوك، في فيلم "تسجيلي" لمخرجة لبنانية منتمية إلى جيل سابق لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وملتزمة نضالاً ممتدًّا على الجغرافيا العربية، في فترة خصبة بالأفكار والنزاعات والمواجهات. سبعينيات القرن الـ20، المنبثقة من تحوّلات مرحلة زمنية سابقة، تعيش غليانًا كثيفًا، وتشهد انقلابات إضافية، بعضها إيجابي. الكاميرا حاضرةٌ. اللبنانية هيني سرور (1945) تأخذها معها إلى "ما يُعرف سابقًا بالمنطقة المُحرَّرة في إقليم ظفار/ سلطنة عُمان"، وذلك عام 1971، لتُنجز ما سيُصبح لاحقًا "الوثيقة الوحيدة في العالم المُصوَّرة في تلك المنطقة". ثورة ومواجهات وأحلام بالتغيير تلتقطها كاميرا سرور في "ساعة التحرير دقّت برّه يا استعمار"، الفيلم المعروض في "أسبوع النقد" في الدورة الـ27 (9 ـ 24 مايو/ أيار 1974) لمهرجان "كانّ" السينمائي.



فيلمان يُشكّلان صورة ما لمهرجان مهتمّ بصناعة سينمائية لبنانية، تشهد غزارة إنتاجية في الآونة الأخيرة، خصوصًا في نوعي الروائي القصير والوثائقي. المشترك بينهما كامنٌ في قدرة الكاميرا ـ التوثيقية والروائية ـ على التقاط اللحظة وتحصينها من تلفٍ يُصيب الذاكرة العامّة. آليتا اشتغالهما مختلفتان، فمع لبكي تتجوّل الكاميرا في متاهات مدينة مفتوحة على أسئلتها المعلّقة ودمارها المدوّي، ومع سرور تتيح الكاميرا لكثيرين أن يُعبّروا عن أنفسهم بطلاقة، فتبدو كأنها تؤرِّخ حدثًا يمزج بين النضال المسلّح والتفكير العلماني والانفتاح الاجتماعي على أسس اشتراكية ديمقراطية، وهذه تعابير متداولة في أوساط مناضلي "جبهة ظفار"، أو بالأحرى هي مفردات تعكس التزامًا ونهجًا وسلوكًا ونمط عيش وانفعالات.

خارج إطار البرنامج الأساسي، يُعرض فيلمان عربيان: "اليوم السادس" (1986) للمصري يوسف شاهين (1926 ـ 2008)، و"زينب تكره الثلج" (2016) للتونسية كوثر بن هنية (1977). القول إن الدورة الـ13 لـ"مهرجان الفيلم اللبناني" معقودة على المرأة يتأكّد هنا أيضًا: فرغم أن مخرج "اليوم السادس" هو شاهين، الذي يُحتفل هذا العام بذكرى مرور 10 أعوام على وفاته (27 يوليو/ تموز 2008)، إلاّ أن الفيلم مقتبس من رواية بالعنوان نفسه (1960) للكاتبة المصرية اللبنانية الفرنسية أندره شديد (1920 ـ 2011)، والحبكة مرتكزة على سيرة امرأة تُدعى صِدِّيقة (داليدا) تعاني جفاء المحيطين بها بسبب إصابة ابنها بمرض الكوليرا زمن الملك فاروق، والمناخ العام منظور إليه بعيني تلك المرأة، التي ستكون آخر ظهور سينمائي لداليدا (1933 ـ 1987)، بملامح حزينة وعينين غائرتين في خراب الروح والذات ونبرة مريرة وقاسية في آن واحد، تقول أشياء الراهن بقلق وارتباك وخوف يشوبها (كلّها) حب ملتبس ورغبة مضطربة في العيش.

أما "زينب تكره الثلج" فسرد روائي بنكهة وثائقية لحكاية فتاة تجد نفسها أمام خيار صعب: والدتها راغبة في الهجرة إلى كندا للارتباط بحبيبٍ تتخلّى عنه سابقًا من أجل زواج وعائلة تقليديين، وذلك بعد غياب الزوج/ الأب. هذا يعني أن الروائي الطويل الثاني لبن هنية يوازن بين امرأة وفتاة في سرد خبرياتهما وأحاسيسهما ورغباتهما وأشواقهما، وهذه كلّها غير متشابهة بينهما، لاختلاف العمر أولاً، لكن أيضًا وأساسًا لاختلاف الأمزجة والنظرة إلى الذات والعلاقة بها وبالآخر، وإلى معنى الوطن والغربة.
دلالات
المساهمون