بسام داود: الحكواتي السوري ينبعث من جديد

23 أكتوبر 2017
يجب استخدام السوشيال ميديا لإيصال أفكارنا (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يتخل الفنانون السوريون الذي يعيشون في المهجر، بسبب حالة الشتات والتهجير القسري الذي مارسه النظام في مرحلة ما بعد الثورة، عن الفنون السورية التراثية. ولا يزال بعض الفنانين السوريين في المهجر متمسكين بالأشكال الفنية السورية، التقليدية منها والأصيلة، ويبتكرون أساليبهم الخاصة للاستمرار فيها، ونشرها على نطاق أوسع. ومنهم الفنان السوري، بسام داود، والذي تمسّك بشكل الحكواتي والإرث السوري الفني، وقام بالعديد من التجارب لتطويع هذا الشكل وإكسابه لغة العصر.
يحاول داود بشكل مستمر أن يعود للأشكال المسرحية العربية، لا سيما "الحكواتي"، لإنتاج عروض وبرامج جديدة. وعن أهمية الأشكال المسرحية العربية في الفنون والبرامج الإذاعية التي يقوم بصياغتها، يقول داود: "نحن أولاد البارحة، ولا نستطيع أن ننكر أبداً تراثنا، ودوره بإنتاج أشكال فنية معاصرة، والتي تستمد قوتها من هذا التراث. وبرأيي، من المهم أن نبني تجاربنا الحالية على الماضي، وألا ننفصل عنه، لأن ماضينا مليء بالتجارب الجميلة. وبعد أن انتشر السوريون في بقاع الأرض، وبعد أن بدأ جيل جديد من السوريين يولد في المهاجر الأوروبية وحول العالم، وبدأ هذا الجيل ينشأ على عادات البلاد التي يولد فيها، مع بعض الذكريات من أهله، بات واضحاً أنه يبتعد عن تراثنا، لا سيما التراث الثقافي، وذلك ما جعلني أفكر بشكل دائم، كيف من الممكن أن نحافظ على هذا التراث ونعيد تقديمه بصورة ملائمة؟ فكل زمن له إيقاعه الخاص، ومن المهم عندما نستحضر أي تجربة من الماضي أو التراث، أن نعيد هيكلتها لتلائم الزمن الحالي، ومن الطبيعي أن نعود بالمستقبل للتجارب التي ظهرت في هذا الوقت الحالي، بعد أن تصبح من الماضي. نعم، أنا يهمّني أن أبقى متصلاً بالماضي، وأن أستفيد منه وأعيد هيكلته ليتناسب مع الزمن الحالي، ليبقى بذهن الجيل الجديد، والذي يعيش بالمنافي السورية، ليعرف الأولاد الذين نقاسمهم الغربة أننا كنا نملك فن الحكواتي، وفن خيال الظل، وفنوناً مسرحية وأدائية متنوعة، كما نملك موسيقانا الشرقية الجميلة، وحتى المسرح الذي أخذناه عن الدول المجاورة، قمنا بتطويره بما يتناسب مع ثقافتنا، وبرأيي من الضروري أن يبقى هذا الإرث الثقافي، وأن ينتقل للجيل الجديد، وأن يقوموا بالمستقبل بتطوير ما ننقله لهم".
خاض داود تجربة "حكواتي سوريالي"، وجرد شكل مسرح الحكواتي من أحد عناصره، وهو الحضور الجسدي، واقتصر البرنامج على القصة والأداء الصوتي. يشير في ذلك: "بالطبع الجمهور هو جزء أساسي من عرض الحكواتي، وذلك ما دفعني لتقديم عروض حية هنا. ولكن بنفس الوقت، فإن حالة الشتات التي يعيشها السوريون جعلتني أجرب إعادة هيكلة هذا النمط الفني، فنحن في الوقت الحالي لا نستطيع إلا أن نواكب العصر، وعلينا أن نستخدم وسائل التواصل الموجودة والسوشيال ميديا لإيصال أفكارنا. وبالنهاية أنا سأبقى رجلاً مسرحياً، وسأبقى مؤمناً بأن التواصل المباشر مع الجمهور هو شيء أساسي. ولكن يتوجب عليّ في الوقت نفسه أن أستخدم المنصات التكنولوجية الجديدة حتى تصل الفكرة لعدد أكبر من الجمهور. فالمسرح مهما كان كبيراً، ومهما استمر العرض، فإن عدد الجمهور سيبقى فيه محدوداً، في حين أن الفيديوهات أو المقاطع الصوتية التي تنشر على الإنترنت، قادرة على الوصول لملايين الناس. بالطبع ذلك لا يعني أنني سأترك المسرح، لحساب الفنون المنتشرة على السوشيال ميديا، بل أنا أسعى للاستمرار في النمطين معاً، فالمسرح له خصائص وميزات لا أرغب في التخلي عنها، وكذلك فإن تطويع الفنون لوسائل التواصل الجديدة له ميزات ونقاط قوة، أرغب في الاستفادة منها".
في الآونة الأخيرة قام داود بإعداد العديد من الفعاليات لإحياء ظاهرة الحكواتي في أوروبا. وعن تفاعل الجمهور الأوروبي مع هذا الشكل المسرحي العربي الأصيل، يضيف: "برأيي، مسرح الحكواتي ليس فناً عربياً أصيل، لأنه مختلف بين الدول العربية، فهو مرتبط بالمنطقة، وحتى نكون أكثر وضوحاً، فإن هذا الشكل الفني موجود في كل العالم، في أوروبا وآسيا وأميركا، ولكنه يختلف بحسب اختلاف المجتمع، فشكل "الستوري تيلير" منتشر على نطاق واسع في أوروبا، وله مهرجانات. ولا تزال مهنة الحكواتي سائدة في أوروبا، في حين أن آخر سوري كان يمتهن مهنة الحكواتي مات منذ ثلاث سنوات. وحتى على المستوى العربي، فإن الحكواتي يختلف شكله بحسب المنطقة، فالحكواتي في سورية ولبنان وفلسطين يختلف عن الحكي الموجود في مصر، والذي يؤدي القصة بشكل مختلف، ويستعين بالغناء، كما يختلف عن الحكواتي في المغرب العربي. فالحكواتي الذي قدمناه هنا، هو شكل الحكواتي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط، والسائد في سورية. وأما عن التعديلات التي قمت بها ليلائم العرض الجمهور الأوروبي، فقد بدأنا بإعداد العرض ليكون بلغتين، حتى يصل للجمهور الأوروبي، ولأحافظ على اللغة العربية أيضاً، وذلك تطلب منا أن نقوم بتقطيع النص لمقاطع عدة، لتتداخل اللغتان من دون أن نحدث مللاً للجمهور، إذ أسرد مقطعاً قصيراً بالعربية، ومن ثم يقوم زميلي الأوروبي بإعادة تقديم المقطع بلغته. والشيء الثاني الذي حاولت أن أقوم به منذ سنة 2012، هو أنني حاولت أن أقدم الحكواتي المعاصر، وفيه أحاول أن أحافظ على الفن التراثي، ولكن أحاول أيضاً أن أقدمه بشكل معاصر للعالم، فالحكواتي اليوم يعايش التكنولوجيا، وهو يستخدم الإنترنت، ومن غير الضروري أن يرتدي الزي التقليدي".



المساهمون