"فوضى"... الخراب موقعاً للتصوير

24 مايو 2018
مشهد من مسلسل فوضى (فيسبوك)
+ الخط -
أصبحت المدن السورية التي سيطر عليها النظام السوري وهجّر أهلها استديوهات للتصوير، حيث يتسابق المخرجون والكتاب الذين يعملون تحت راية النظام لتقديم أعمال مستوحاة من تلك المدن للتصوير فيها، واختراع سيناريوهات تبرر الدراما التي تخصّها، بما يتناسب مع سرديات النظام. بل إن صناع الدراما في سورية باتوا يتباهون بدمار تلك المدن ويتغنون بجماليات الخراب، حيث صرّح المخرج السوري أحمد إبراهيم أحمد لإحدى وسائل الإعلام: "تنفق الشركات العالمية آلاف الدولارات من أجل صناعة ديكور دمار أو تمثيل مشهد حربي ... أما هنا فلا ننفق شيئاً، أرضنا أصبحت مسرحاً درامياً حياً".

وبدوره، فإن مسلسل "فوضى"، الذي يتم تصويره في منطقة داريا، لا يغرد خارج السرب، حيث يقوم المسلسل ببناء حكايته الخاصة ليبرر من خلالها الخراب والدمار اللذين ألحقا بالمنطقة، وتتماشى تلك الحكاية مع رواية النظام، فالعمل يقدم صورة تشوه حقيقة ما جرى في المدينة المدمرة، وذلك من خلال بعدين:
البعد الأول، يتمثل في الحبكة الرئيسية للمسلسل، التي صيغت من خلال سقوط قذيفة هاون على أحد الأحياء، فتتسبب بنزوح أهالي الحي، واستغلال الظرف العام من قبل الأفراد لتصفية الحسابات الشخصية. وأما البعد الثاني؛ فيتمثل في الخلفية الهامشية التي تمر بها الحكاية، والتي ترسم صورة للمدينة المدمرة تتوافق مع رواية النظام، وتمرّر رسائل سياسية، فما بين المَشاهد التي تجمع نجوم العمل، تمر عشرات المشاهد لتستعرض شوارع داريا وأزقتها المدمرة، وجدرانها التي رسم عليها علم النظام السوري، ليعطي انطباعاً بأن الحي مؤيِّد، وكأن أهالي داريا كانوا يؤيدون نظام الأسد، وأن ولاءهم هو الذي تسبب بسقوط الهاون على المدينة من قبل العصابات الإرهابية، وأن خروج الأهالي من المدينة هو فقط بسبب الوضع الأمني غير المستقر، وليس بسبب التهجير القسري الذي مارسه النظام بحق أهالي المنطقة.

فالمسلسل يحاول أن يظهر ولاء أهل المدن المنكوبة للنظام من خلال أبسط وأدق التفاصيل، حيث إن نغمات الرنين للهواتف المحمول التي يملكها أبطال العمل جميعها أغانٍ تشبيحية و"وطنية"، وفي خلفية كل مشهد تظهر ملامح تؤنسن العسكرة من دون أي مبررات درامية، فعندما يتم إسعاف إحدى شخصيات العمل إلى المشفى، يُعرض مشهد للجنود المصابين، لتقدم هذه اللقطات صوراً مناقضة للواقع، فيبدو جنود الأسد وكأنهم ضحايا.

بل إن المسلسل يرسل رسائل سياسية، فتؤكد اندماج الحرس الوطني الروسي وتآخيه مع الشعب السوري! إذ يمر في خلفية المشاهد جنود روس يرتدون على رؤوسهم قبعات خمرية اللون، ويساهمون في تنظيم عملية إخلاء داريا وتأمين السكان، المشهد الذي ينتهي بخروج قوافل للمهجرين من قبل "الإرهابيين"، ويرافق مشاهد خروج الأهالي صوت الشاعر محمود درويش وهو يلقي قصيدة: "سأقطع هذا الطريق"، ليحاول صناع العمل أن يقاربوا بين مأساة الشعب السوري ومأساة الفلسطينيين، ويجمعوا الحكايات كلها في ما يصب في مصلحة رواية دولة الأسد "الممانعة". طبعاً، هنا ثمة تجهل تام لجرائم الجيش الروسي التي يرتكبها بحق السوريين، واستخدام للقضية الفلسطينية عبر أحد رموزها الثقافية، أي محمود درويش، الذي كثيراً ما يجري استخدامه، بسبب جماهيريته الكبيرة، في مختلف الأعمال الدرامية، السورية وغيرها، أو الفنية والموسيقية، بهدف كسب الجمهور.

فالمسلسل الذي يراه البعض محايداً، لا يتوقّف عن تلميع صورة النظام، سواء بحكايته الرئيسية التي تظهر جشع الشعب من خلال انشغال عبد المنعم عمايري بمطامعه الشخصية، في الوقت الذي دمرت فيه المدينة وأخوه مفقود! أو بالحبكة الفرعية التي يظهر بها القضاء السوري بصورة مثالية، وأن الفساد مرتبط ببعض الأفراد، متناسين أن أغلب المعتقلين تمت تصفيتهم من دون أن يخضعوا للمحاكمة. وكذلك الهوامش التي توجه أصابع الاتهام بكل تفاصيلها نحو المعارضة.
دلالات
المساهمون