الرحيل..بحثاً عن وطن يحبنا

01 مايو 2016
اعتدنا هذا اليأس الذي أصابنا(getty)
+ الخط -
“ألا تفكرين بالرحيل؟"، من أكثر الأسئلة التي أسمعها في الفترة الأخيرة. نادراً ما ألتقي صديقاً أو صديقة، إلا ويكون حديثنا عن احتمالات الهجرة النهائية، عن البحث عن وطن لا لنحبه بل ليحبنا. نسأل بعضا إلى أين، وكيف، وهل فعلاً بعد هذه السنوات نملك خيار حزم الأمتعة والرحيل.

لا إجابات حاسمة ولا أحلام بحياة جميلة، كل ما في الأمر أننا نبحث عن حياة عادية في وطن عادي. كل شيء كان مقبولاً خلال السنوات الماضية. عدم الاستقرار الأمني، الاغتيالات السياسية، حرب تموز، اعتداءات 7 أيار، استطعنا التعايش مع كل هذا بالاضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب، وغلاء المعيشة. لكن في مكان ما، كان هناك حلم، ولو كان حلماً "سخيفاً" ببلد أفضل، وبأن لا شيء سيبقى على حاله، وبأنه لا بد لكل هذه الأزمات أن تنتهي.

وخلال كل تلك الفترة، نادراً ما كانت الهجرة موضع نقاش. كان البقاء في هذا البلد ضرباً من ضروب الجنون، لكننا قبلناه ورضيناه، بالأحرى كان خيارنا. منذ أشهر، منذ أن بدأت النفايات تصبح جزءاً من مشهد يومي لدينا، ومنذ أن أصبَحَت رائحتها مرافقة لنا، تغيّر شيء ما، أو بالأحرى تغير كل شيء. شعرنا أننا محاصرون، حرفياً محاصرون بالنفايات، عالقون بينها ولا مجال للنجاة إلا بالهروب. الهروب بعيداً وإلى الأبد.

وهكذا، أصبحنا نسمع أكثر وأكثر عن أشخاص حزموا أمتعتهم ورحلوا. وصرنا نتحدث عن الرحيل كأمر واقع لا مفر منه إذا ما أردنا أن نبقى على قيد الحياة، أو أن يبقى فينا بعض من روح. أكاد أجزم أن أغلبية اللبنانيين حزموا أمتعتهم، وجهزوا كل شيء للرحيل، بعضهم كانت لديه الجرأة الكافية للإقدام على هذه الخطوة الصعبة، ففعلها ورحل، البعض الآخر حزم أمتعته وينتظر "فيزا" أو عقد عمل، ومنهم كحالتي، وحالة الكثيرين، حزمنا أمتعتنا وجهزنا كل شيء، لكن بقينا هنا دون أن يعني هذا البقاء شيئاً سوى أننا جبناء.

بقينا هنا لأننا نخاف من خيبات جديدة، أو لأننا اعتدنا هذا اليأس الذي أصابنا، وأصبح جزءاً من خيباتنا. بقينا دون أن يعني لنا هذا البلد شيئا بعد اليوم، دون أن يعني لنا كل ما يحصل فيه. ماذا يمكن أن يحصل أكثر من النفايات والسموم في مياهنا وطعامنا؟ صحيح أننا بقينا، لكننا بتنا ننظر إلى البلد وكل ما يجري فيه كأننا في قارة ثانية، في بلد آخر لا يعنينا شيء من كل ما يحصل..ننظر إليه كأننا ننظر إلى بلاد بعيدة، صورتها مغبشة ورمادية، ولا تثيرُ فينا إلا الحزن...أعتقد أن هذا أصعب أنواع الرحيل.




المساهمون