هل يكفي شريطٌ ترويجي لمناقشة فيلم؟

23 فبراير 2018
من "بيروت" لبراد أندرسن (فيسبوك)
+ الخط -
أفلام سينمائية عديدة تُعاني مأزق التعليق عليها قبل مشاهدتها. كثيرون يقرأون خبرًا، أو يُشاهدون إعلانًا ترويجيًا، أو ينتبهون إلى ما تنقله وسائل تواصل اجتماعي، أو يسمعون ما يقوله أحدهم بناءً على ما سمعه من أحدٍ، أو على ما قرأه في خبرٍ مُقنَّن، فينهالون على الصنيع السينمائي فتكًا وتمزيقًا، وعلى صانعه قدحًا وتخوينًا. هم، بهذا، لا يعرفون ولا يشاهدون ولا يتابعون، بل إنهم لا يرغبون في معرفةٍ أو مشاهدةٍ أو متابعة، تتيح لهم رأيًا سديدًا أو صائبًا، أو رأيًا له قيمة، يُمكن مناقشته بهدوء.
اختيار الأسهل يُصبح ثقافة حياة وسلوك عيش. استخدام القدح والتخوين سهلٌ ومريحٌ، لانتفاء حاجته إلى جهدٍ للتأكّد قبل سَوْق الاتهامات، وإلى إقناع يُبنى على وقائع وإثباتات. السلبيّ أسهل من إعمال العقل، أو من بحثٍ عن معلومة، يُتيح تأكيدها فيتمكّن المرء من قولٍ مفيد، قبل إطلاق العنان لحملة تشويه وتخوين.



مثلٌ على ذلك: قبل أسابيع قليلة، "حوكم" فيلمٌ أميركي بعنوان "بيروت" (2018) لبراد أندرسن، بناءً على شريطٍ إعلانيّ ترويجيّ له. دُبِّجت مقالات، وكُتبت تعليقات، وأُجريت تحقيقات صحافية، وشُنَّت حملات لمهاجمته بهدف منع عرضه، وأُطلقت اتهامات كثيرة بحقّه، أبرزها أنه "يُشوِّه" صورة المدينة، وأنه لم يكن واقعيًا في لغته ولهجات شخصياته وأمكنة أحداثه. هذا كلّه قبل مشاهدة النسخة الكاملة للفيلم.
هذا مأزقٌ. كيف يُمكن التعليق على عملٍ غير مُشَاهَد؟ هل يكفي شريطٌ إعلانيّ ترويجيّ (لا تتجاوز مدّته 3 دقائق، بينما تبلغ مدّة الفيلم 110 دقائق) لشنّ حملة تهدف إلى منع عرضه؟ هل أن الأسباب المطروحة مُقنعة لانتقادٍ سلبيّ للفيلم؟ في هذه الحالة، كيف يُمكن تحقيق مشروعٍ سينمائيّ يتناول سيرة الاسكندر المقدوني مثلاً، طالما أنّ الأمكنة نفسها لحكايته غير موجودة؟ ماذا عن الأمكنة والفضاءات والأمزجة كلّها المتعلّقة بالحرب العالمية الأولى، مثلاً: هل تنفضّ صناعة السينما عن إنتاج أفلام تاريخية، بسبب عدم وجود الأمكنة واللهجات والمسالك نفسها؟
في ثمانينيات القرن الـ20 (الفترة المختارة لأحداث الفيلم)، كانت بيروت غارقة في خراب وعنف وانهيارات وفوضى وأفعال جرمية. هذا واقعٌ لن يُبدِّله أحدٌ. هذا جزءٌ من تاريخ مدينة، مبتلية بجنون أبنائها، ومن تاريخ شعبٍ، تتحمّل غالبيته الساحقة مسؤولية كبيرة عن خرابٍ وعنف وانهيارات وفوضى وجرائم، مرتكَبة كلّها بألفِ اسمٍ وقضية.
هذا ليس دفاعًا عن فيلمٍ، تبدأ عروضه التجارية الدولية في 13 أبريل/ نيسان 2018 (الذكرى الـ43 لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية). لكن إطلاق حملاتٍ عليه، انطلاقًا من شريط إعلانيّ ترويجي، مثيرٌ لتساؤلاتٍ، تتناول "المآل الهابطة" التي يعانيها هذا البلد، بغالبية ناسه وإعلامه وثقافته، وأشكال عيشه وتعبيره وسلوكه.




دلالات
المساهمون