الفنّ المصري: مقاومة بما تسمح به الأنظمة
يبدو أن مسلسل "النهاية" قد نكأ ــ من دون قصد ــ جراحاً قديمة وفجر الكثير من المسكوت عنه، كما أنه أفشل ما يحاول نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تكريسه، وهو أن العدو الحقيقي هو الإرهاب فقط، لا الاحتلال الإسرائيلي.
بنى مؤلّف المسلسل، الكاتب عمرو سمير عاطف أحداثه على نهاية دولة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير القدس بعد 100 عام، وهو ما تسبب باحتجاج رسمي من الخارجية الإسرائيلية، التي أعلنت رفضها المسلسل التلفزيوني المصري الذي يقوم ببطولته الممثل المصري يوسف الشريف، وقالت إنه "مؤسف وغير مقبول على الإطلاق، خاصة بين الدول التي أبرمت اتفاقية سلام بينها منذ 41 عاماً".
وأوضحت الوزارة، أن المسلسل يصور مستقبلاً دمّرت فيه الدول العربية دولة الاحتلال، ولفتت إلى إن شركة الإنتاج "سينرجي" التي أنتجت المسلسل هي أكبر شركة في مصر ولديها "علاقات حكومية قوية" (في إشارة إلى علاقة الشركة بجهاز المخابرات العامة).
المفارقة أن الشركة المنتجة أصيب مسؤولوها بالارتباك إزاء الاحتجاج الإسرائيلي الذي تسبب بحرج للدولة المصرية التي التزمت الصمت، وحاول كل منهم إلقاء المسؤولية على الآخر في محاولة للتملص من مسؤولية إجازة سيناريو العمل بهذا الشكل.
وبحسب مصدر داخل "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، المملوكة للاستخبارات العامة في مصر (تتبع لها شركة سينرجي) فإن السيناريو مر مرور الكرام، على مسؤول الدراما في الشركة الذي يكتفي بوضع موافقته من دون أن يقوم بدوره الرقابي في تنبيه الضباط ورئيس مجلس الإدارة تامر مرسي بأن هناك مشاهد قد تسبب أزمات سياسية، أو تحرج الدولة المصرية. لذلك ما كان من هؤلاء المسؤولين إلا أن أعطوا الضوء الأخضر لبعض النقاد وصناع الدراما الموالين لهم بفتح النار على مسلسل "النهاية" في محاولة لغسل أيديهم من العمل وما سببه من إحراج، حيث يتم الترويج بأن الكاتب عمرو سمير عاطف موال للإسلاميين ومحسوب على التيار الإسلامي، لدرجة أن كاتب سيناريو آخر هدده على فيسبوك بأنه يملك "سكرين شوت" لمنشور كتبه عند فوز الرئيس الراحل محمد مرسي.
وصدرت أيضاً الأوامر بتكثيف النشر عن مسلسل منافس آخر هو "الاختيار" الذي يروي قصة أحد الضابط الذي سقط أثناء التصدي لهجوم إرهابي في سيناء، في كل وسائل الإعلام التابعة لـ"الشركة المتحدة" وغيرها في محاولة للتشويش على نجاح مسلسل "النهاية "، والحفاوة التي يلاقيها بين رواد مواقع التواصل.
نجاح مسلسل "النهاية" وإثارته للغضب الإسرائيلي أعاد طرح تساؤلات عن علاقة السينما والدراما في مصر عبر العقود الأخيرة في التصدي للتطبيع الفني والثقافي، رغم مواقف الدولة المصرية تحديداً بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر1978، وهل تفاوت الدور الفنيّ وفقاً لما تفرضه الدولة عبر أجهزتها الرقابية؟
اقــرأ أيضاً
ومع المد القومي الناصري زادت النبرة المعادية الرافضة للتطبيع، وكان الحديث واضحاً في كل البلدان العربية عن العدو الواحد الذي يجب أن نقف في مواجهته بل أُنتجت أفلام خصيصاً بأوامر من جمال عبد الناصر، تركز على ضرورة المقاومة والوقوف في وجه العدو الصهيوني ومنها فيلم " الله معنا" (1955). وساعد على تقديم العديد من الأعمال السينمائية، التي تحمل نفس الرسائل بشكل أو بآخر، وجود عدد كبير من المخرجين أصحاب الوعي والرؤى السياسية والمحسوبين على اليسار. إذ شهدت السينما المصرية عدداً من الإنتاجات التي تتناول العلاقة مع العدو، والوقوف مع الحق التاريخي للعرب حيث أنتجت مصر في تلك الفترة أفلامًا عن القضية الفلسطينية وتفاعل مصر معها، أشهرها فيلم "فتاة من فلسطين" (1948) للمخرج محمود ذو الفقار.
أخرجت الأفلام المصرية اليهودي من نسيج المجتمع مثل فيلم "فتاة من فلسطين" الذي نجح لأول مرة في عرض الحالة المؤلمة للجيوش العربية بعد الهزيمة من إسرائيل. بطل العمل هو ضابط طيار مصري يستبسل في الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال، وتسقط طائرته في قرية فلسطينية وتعثر عليه سلمى الفلسطينية مصاباً في قدمه فتستضيفه في منزلها وتعمل على تطبيب جراحه مما يقرب بين القلبين المصري والفلسطيني.
هناك أفلام أخرى مثل "شياطين الجو" (1956)، و"أرض السلام" (1957) الذي تم تصويره على أرض فلسطين لرصد حياة المناضلين ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وطوال فترة الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات كانت هناك أعمال سينمائية تنتج عن رفض التطبيع، لكن الأمر اختلف بعد ذلك وتحديداً بعدما قام الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية السلام حيث اقتصرت الأعمال على مناصرة فلسطين بشكل مباشر على تجارب فردية لمخرجين أو منتجين محسوبين على اليسار. ومن أهم الأعمال الفنية التي جسدت الصراع العربي ــ الصهيوني، فيلم "المخدوعون" (1972) لتوفيق صالح، وفيلم "باب الشمس" (2004) ليسري نصر الله. إضافة إلى أفلام تحدثت عن حالات فردية تمثّل الصراع، تمثل "إسكندرية ليه" (1979) من إخراج يوسف شاهين، الذي يتحدث عن قصة حب في الأربعينيات بين شاب مصري وفتاة يهودية لم يحالفها النجاح، بعد قرار والدها الهجرة من مصر.
بعد اتفاقية كامب ديفيد، لم يكن رفض السينما المصرية للواقع الجديد صريحا بل كان ضمنيا، فأعلن عن تشكيل لجنة المقاومة التي ضمت الناقد كمال رمزي والناقدين الراحلين علي أبو شادي، وسمير فريد والمخرج والمؤلف الراحل محمد كامل القليوبي، التي منعت التعامل مع أي فيلم إسرائيلي أو استقدام أي صانع أفلام عربي تعاون مع إسرائيلي. وحدث ذلك بداية من مهرجان القاهرة السينمائي وتبعه في القرار "الإسكندرية السينمائي"، إلى أن أصبح عادة كل المهرجانات العربية منع التعاون مع إسرائيل سينمائيًا، وانتصر الفن وصناعه لرفض التطبيع.
ولكن الدولة المصرية كشرت عن أنيابها عندما قدم عاطف الطيب ونور الشريف ومحمود الجندي فيلم "ناجي العلي" وهو الفيلم الفاضح للنظام المصري، والأنظمة العربية لذلك تعرّض صناعه لحملة تشويه كبيرة.
ويبدو أن ما حدث مع صناع "ناجي العلي" علّم الكثير من الفنانين الدرس، لذلك كانت المعارضة والحديث عن التطبيع ومقاطعة إسرائيل يتم بشكل أشبه إلى التواطؤ حسب المساحة المسموح بها رقابياً.
ورغم المعارضة التي مثلها الفن المصري بأشكاله المختلفة إلا أنّ أعمالاً برزت في السنوات الأخيرة تحمل رسائل "ناعمة"، ومن بينها مسلسل "حارة اليهود" (2015) إخراج محمد جمال العدل، الذي أثنت عليه السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
بنى مؤلّف المسلسل، الكاتب عمرو سمير عاطف أحداثه على نهاية دولة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير القدس بعد 100 عام، وهو ما تسبب باحتجاج رسمي من الخارجية الإسرائيلية، التي أعلنت رفضها المسلسل التلفزيوني المصري الذي يقوم ببطولته الممثل المصري يوسف الشريف، وقالت إنه "مؤسف وغير مقبول على الإطلاق، خاصة بين الدول التي أبرمت اتفاقية سلام بينها منذ 41 عاماً".
وأوضحت الوزارة، أن المسلسل يصور مستقبلاً دمّرت فيه الدول العربية دولة الاحتلال، ولفتت إلى إن شركة الإنتاج "سينرجي" التي أنتجت المسلسل هي أكبر شركة في مصر ولديها "علاقات حكومية قوية" (في إشارة إلى علاقة الشركة بجهاز المخابرات العامة).
المفارقة أن الشركة المنتجة أصيب مسؤولوها بالارتباك إزاء الاحتجاج الإسرائيلي الذي تسبب بحرج للدولة المصرية التي التزمت الصمت، وحاول كل منهم إلقاء المسؤولية على الآخر في محاولة للتملص من مسؤولية إجازة سيناريو العمل بهذا الشكل.
وبحسب مصدر داخل "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، المملوكة للاستخبارات العامة في مصر (تتبع لها شركة سينرجي) فإن السيناريو مر مرور الكرام، على مسؤول الدراما في الشركة الذي يكتفي بوضع موافقته من دون أن يقوم بدوره الرقابي في تنبيه الضباط ورئيس مجلس الإدارة تامر مرسي بأن هناك مشاهد قد تسبب أزمات سياسية، أو تحرج الدولة المصرية. لذلك ما كان من هؤلاء المسؤولين إلا أن أعطوا الضوء الأخضر لبعض النقاد وصناع الدراما الموالين لهم بفتح النار على مسلسل "النهاية" في محاولة لغسل أيديهم من العمل وما سببه من إحراج، حيث يتم الترويج بأن الكاتب عمرو سمير عاطف موال للإسلاميين ومحسوب على التيار الإسلامي، لدرجة أن كاتب سيناريو آخر هدده على فيسبوك بأنه يملك "سكرين شوت" لمنشور كتبه عند فوز الرئيس الراحل محمد مرسي.
وصدرت أيضاً الأوامر بتكثيف النشر عن مسلسل منافس آخر هو "الاختيار" الذي يروي قصة أحد الضابط الذي سقط أثناء التصدي لهجوم إرهابي في سيناء، في كل وسائل الإعلام التابعة لـ"الشركة المتحدة" وغيرها في محاولة للتشويش على نجاح مسلسل "النهاية "، والحفاوة التي يلاقيها بين رواد مواقع التواصل.
نجاح مسلسل "النهاية" وإثارته للغضب الإسرائيلي أعاد طرح تساؤلات عن علاقة السينما والدراما في مصر عبر العقود الأخيرة في التصدي للتطبيع الفني والثقافي، رغم مواقف الدولة المصرية تحديداً بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر1978، وهل تفاوت الدور الفنيّ وفقاً لما تفرضه الدولة عبر أجهزتها الرقابية؟
تاريخياً كانت السينما المصرية سباقة في تناول القضية الفلسطينية والعلاقة مع العدو الصهيوني رغم أن هناك الكثير من اليهود الذين عملوا على تطوير السينما المصرية، وكان من الطبيعي إنتاج أفلام نرى فيها الشخصية اليهودية كجزء من نسيج المجتمع المصري. فتحفظ الذاكرة الفنية المصرية سيرة المخرج اليهودي توجو مزراحي وفيلمه "خمسة آلاف وواحد" (1932) الذي شارك في بطولته مع الممثل اليهودي شالوم. وشكّلت شخصية "شالوم" الكوميدية في هذا الفيلم نواة للعديد من الأعمال السينمائية على شكل سلسلة منها "شالوم الرياضي"،... لكن هذا الواقع تغيّر بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952.
ومع المد القومي الناصري زادت النبرة المعادية الرافضة للتطبيع، وكان الحديث واضحاً في كل البلدان العربية عن العدو الواحد الذي يجب أن نقف في مواجهته بل أُنتجت أفلام خصيصاً بأوامر من جمال عبد الناصر، تركز على ضرورة المقاومة والوقوف في وجه العدو الصهيوني ومنها فيلم " الله معنا" (1955). وساعد على تقديم العديد من الأعمال السينمائية، التي تحمل نفس الرسائل بشكل أو بآخر، وجود عدد كبير من المخرجين أصحاب الوعي والرؤى السياسية والمحسوبين على اليسار. إذ شهدت السينما المصرية عدداً من الإنتاجات التي تتناول العلاقة مع العدو، والوقوف مع الحق التاريخي للعرب حيث أنتجت مصر في تلك الفترة أفلامًا عن القضية الفلسطينية وتفاعل مصر معها، أشهرها فيلم "فتاة من فلسطين" (1948) للمخرج محمود ذو الفقار.
أخرجت الأفلام المصرية اليهودي من نسيج المجتمع مثل فيلم "فتاة من فلسطين" الذي نجح لأول مرة في عرض الحالة المؤلمة للجيوش العربية بعد الهزيمة من إسرائيل. بطل العمل هو ضابط طيار مصري يستبسل في الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال، وتسقط طائرته في قرية فلسطينية وتعثر عليه سلمى الفلسطينية مصاباً في قدمه فتستضيفه في منزلها وتعمل على تطبيب جراحه مما يقرب بين القلبين المصري والفلسطيني.
هناك أفلام أخرى مثل "شياطين الجو" (1956)، و"أرض السلام" (1957) الذي تم تصويره على أرض فلسطين لرصد حياة المناضلين ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وطوال فترة الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات كانت هناك أعمال سينمائية تنتج عن رفض التطبيع، لكن الأمر اختلف بعد ذلك وتحديداً بعدما قام الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية السلام حيث اقتصرت الأعمال على مناصرة فلسطين بشكل مباشر على تجارب فردية لمخرجين أو منتجين محسوبين على اليسار. ومن أهم الأعمال الفنية التي جسدت الصراع العربي ــ الصهيوني، فيلم "المخدوعون" (1972) لتوفيق صالح، وفيلم "باب الشمس" (2004) ليسري نصر الله. إضافة إلى أفلام تحدثت عن حالات فردية تمثّل الصراع، تمثل "إسكندرية ليه" (1979) من إخراج يوسف شاهين، الذي يتحدث عن قصة حب في الأربعينيات بين شاب مصري وفتاة يهودية لم يحالفها النجاح، بعد قرار والدها الهجرة من مصر.
بعد اتفاقية كامب ديفيد، لم يكن رفض السينما المصرية للواقع الجديد صريحا بل كان ضمنيا، فأعلن عن تشكيل لجنة المقاومة التي ضمت الناقد كمال رمزي والناقدين الراحلين علي أبو شادي، وسمير فريد والمخرج والمؤلف الراحل محمد كامل القليوبي، التي منعت التعامل مع أي فيلم إسرائيلي أو استقدام أي صانع أفلام عربي تعاون مع إسرائيلي. وحدث ذلك بداية من مهرجان القاهرة السينمائي وتبعه في القرار "الإسكندرية السينمائي"، إلى أن أصبح عادة كل المهرجانات العربية منع التعاون مع إسرائيل سينمائيًا، وانتصر الفن وصناعه لرفض التطبيع.
ولكن الدولة المصرية كشرت عن أنيابها عندما قدم عاطف الطيب ونور الشريف ومحمود الجندي فيلم "ناجي العلي" وهو الفيلم الفاضح للنظام المصري، والأنظمة العربية لذلك تعرّض صناعه لحملة تشويه كبيرة.
ويبدو أن ما حدث مع صناع "ناجي العلي" علّم الكثير من الفنانين الدرس، لذلك كانت المعارضة والحديث عن التطبيع ومقاطعة إسرائيل يتم بشكل أشبه إلى التواطؤ حسب المساحة المسموح بها رقابياً.
ورغم المعارضة التي مثلها الفن المصري بأشكاله المختلفة إلا أنّ أعمالاً برزت في السنوات الأخيرة تحمل رسائل "ناعمة"، ومن بينها مسلسل "حارة اليهود" (2015) إخراج محمد جمال العدل، الذي أثنت عليه السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
مواد الملف
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات