جوائز "كانّ" 2018: "سعفتان ذهبيتان" لغودار وكوريدا

19 مايو 2018
"السارقون" لهيروكازو كوريدا فاز بالسعفة الذهبية(الموقع الإلكتروني لمهرجان "كانّ")
+ الخط -
في احتفالٍ يتكرّر سنويًا في اليوم الأخير لكلّ دورة من دورات مهرجان "كانّ" السينمائي، يلتقي صانعو السينما ومشاهدوها ومحبّوها داخل "صالة لوي لوميير" في "قصر المهرجانات"، في المدينة الجنوبية الفرنسية، لمتابعة وقائع الإعلان عن النتائج النهائية للمسابقة الرسمية، التي تُعتَبر الأهمّ، إعلاميًا وجماهيريًا.

كلامٌ كثير يُقال على ألسنة سينمائيين يُعلنون الجوائز ويُقدِّمونها ويستلمونها، خصوصًا في ظلّ أوضاع دولية متفرّقة، في الاجتماع والسياسة والحروب والتمزّقات، كما في استعادة ماضٍ ـ قريبٍ أو بعيد ـ يستمرّ في إحداث تأثيرات عديدة في الوعي والثقافة والسلوك والمعارف، وفي طرح تساؤلات جمّة عنها.

والاحتفال الأخير، المترافق وانتهاء الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) للمهرجان، غير متمكّن من التحرّر المطلق من المشهد الإنساني الدولي العام: طفولة مقموعة ومغيّبة ومكسورة، وعنصرية دائمة، وأحوال يومية غير سارة، ومواجع أفرادٍ يواجهون المهانة والألم والفقر وطغيان الشرور، وصُورٌ مستلّة من وقائع ومشاهدات وتأمّلات.

لكن الأبرز، سينمائيًا، في احتفال توزيع جوائز الدورة الـ71 لمهرجان "كانّ"، يبقى في مزج الذكرى الـ50 لـ"ثورة مايو/ أيار 68" في فرنسا، بمنح أحد أبرز سينمائييها ومثقفيها ومناضليها "سعفةً ذهبيةً خاصّة". ذلك أن كايت بلانشيت، رئيسة لجنة التحكيم الخاصّة بهذه الدورة، غير قادرة ـ وأعضاء لجنتها ـ على تغييب الفرنسي السويسري جان ـ لوك غودار عن لائحة الجوائز، بفضل فيلمه الأخير "كتاب الصورة"، وبسبب العلاقة المعقّدة والملتبسة بينه وبين المهرجان، الذي ينبذه سنين طويلة منذ الثورة الطالبية والعمالية تلك، رغم منحه جوائز وتكريمات، آخرها جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالدورة الـ67 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2014)، عن "وداعًا للّغة".

جديد غودار مثير لسجالٍ حادّ لشدّة غموضه والتباساته، لكن أيضًا لعمق تصوّرات مخرجه بخصوص أحوال العالم والسينما والذات والفنون، تاريخيًا وراهنًا؛ ولمقاربته الاستفزازية، لكن الجميلة والمهمّة، للخريطة العربية المنبثقة من "ثورات بيضاء" و"حروب دموية".

يعلّق بعضهم على النتائج النهائية للمسابقة الرسمية بالقول إن معظمها متأتٍ من تأثيرات الأوضاع الدولية العامة، سياسيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا؛ مشيرين ـ في الوقت نفسه ـ إلى ميل مهرجان "كانّ" إلى التنبّه العميق لوضع المرأة بعد فضيحة المنتج الأميركي هارفي وينستين، ولمكانتها في صناعة السينما الهوليوودية والفرنسية والدولية، خصوصًا أن إدارة المهرجان الأهمّ تُنصِّب الأسترالية كايت بلانشيت على رأس لجنة التحكيم، هي المنشغلة والمناضلة من أجل حقوق المرأة في صناعة الفن السابع، والساعية إلى مساواتها والرجل في الحقوق والاشتغالات.

فهل يمكن القول إن فوز "كفرناحوم" للّبنانية ندين لبكي مثلاً ("العربي الجديد"، 19 مايو/ أيار 2018) بجائزة لجنة التحكيم مرتبطٌ بموضوع المرأة، أو باهتمام الفيلم بأحوال المهمّشين والمضطهدين في حروب الشرق الأوسط وانهياراته ومآسيه؟ أو أن "كفرناحوم" يستحقّ، فعليًا، جائزة من مهرجان يوازن، غالبًا، بين السياسي ـ الإنساني ـ الأخلاقي، والسينما؟

وماذا عن الأميركي سبايك لي، الفائز بالجائزة الكبرى عن فيلمه LACKKKLANSMAN  اقتباس حكاية واقعية عن شرطيّ أسود يتغلغل، عبر الهاتف، في الجهاز الإداري لمنظمة "كو كلوكس كلان" العنصرية، بالتعاون مع زميل له يهودي أبيض، يُقدِّم نفسه أمام مسؤولي الفرع المحلي في "كولورادو سبرينغز"، عام 1978؟ فإلى جانب أهميته السينمائية، يغوص الفيلم في وضع سياسي اجتماعي ثقافي مرتبط بالصراع الأميركي الداخلي بين السود والبيض.

أيًا يكن، فإن الاحتفال الممتد على نحو ساعة كاملة مساء 19 مايو/ أيار 2018، والمنشغل بهموم التحرشات الجنسية لهارفي وينستين (خطاب آسيا أرجنتو) وقضايا العالم، ينتهي بإعلان فوز الفيلم الياباني "السارقون" بـ"السعفة الذهبية" (أحوال عائلة فقيرة تمارس السرقة، وتطرح عبر يومياتها أسئلة المفهوم الثقافي للعائلة وللعلاقات)، وبمنح سبايك لي الجائزة الكبرى، و"كفرناحوم" جائزة لجنة التحكيم (أطفال مغيّبون في مدينة مرتبكة تضطهدهم وتمارس عليهم أبشع أنواع المهانات).

بالإضافة إلى "السعفة الذهبية الخاصّة"، الممنوحة للفرنسي جان ـ لوك غودار عن "كتاب الصورة" (وهو غير حاضر في الاحتفال)، يتقاسم "سعيدٌ مثل لازارو" للإيطالية أليس روهْرواشر (عن الطيبة الفردية في عالم قاس) و"3 وجوه" للإيراني جعفر بناهي (عن التمثيل والاجتماع والعلاقات والصورة في بيئة محافظة) ـ الممنوع من السفر خارج إيران، تمامًا كالروسي كيريل سيريبرينكوف (له "صيف" في المسابقة الرسمية؛ "العربي الجديد"، 14 مايو/ أيار 2018) لأسبابٍ سياسية ـ جائزة أفضل سيناريو. بينما ينال البولوني بافل بافليكوفسكي جائزة الإخراج عن "حرب باردة" ("العربي الجديد"، 14 مايو/ أيار 2018)، والإيطالي مارتشيلّو فونتي جائزة التمثيل الرجالي عن دوره في "دوغمان" للإيطالي ماتّيو غارّوني، والكازاخستانية سامال يسْلياموفا جائزة التمثيل النسائي عن دورها في "أيكا" للكازاخستاني الروسي سيرغي دْفورتسيفوي: الأول عائدٌ إلى بدايات الخروج من الحرب العالمية الثانية في أوروبا، عبر الغناء والموسيقى والحب والعلاقات الصعبة والمعقّدة بين الشرق والغرب؛ والثاني عن بساطة الفرد الخاضع لقسوة الجشع والوحشية لمدمن على المخدرات، قبل أن ينقلب عليه فيُطيحه من الوجود؛ والثالث عن بشاعة الحياة اليومية في ممارسة أقسى ضغوطها على الفرد.


غير أن الأهمّ من هذا كلّه كامنٌ في الاحتفال الفعلي بالسينما. أفلامٌ عديدة مُشاركة في المسابقة الرسمية تعكس جمال الصُوَر في التقاط نبض الحياة والواقع والتفاصيل المهمّشة والجوانب اليومية في مسار أفراد وبيئات ومصائرها أيضًا.

المساهمون