مجدي أبو طاقية... أعمال فنية من مخلفات أسلحة الاحتلال

28 ديسمبر 2018
أبو طاقية في ورشته الفنية (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
التقط الفنان الفلسطيني مجدي أبو طاقية الرصاصة التي أطلقها جندي إسرائيلي خلال مسيرات العودة وكسر الحصار على شقيقه في 30 مارس/ آذار الماضي، بعد أن نجح الأطباء في إخراجها منه، وقام بنحتها وتحويلها إلى مجسم فني صغير، ألبسه لشقيقه المصاب كـ "قلادة".

ذلك المجسم الفني متناهي الصغر، وقد جسد من خلاله جندياً يلبس الزي الكنعاني الفلسطيني، لم يصنعه أبو طاقية عبثاً، إذ أراد من خلاله أن يوصل رسالة مفادها أن الشعب الفلسطيني يحول أدوات القتل الإسرائيلي، إلى مجسمات فنية، وأدوات سلمية.

وأزالت الرسالة الأولى التي حملتها القطعة الفنية الرماد الكامن في حبه لفن "المصغرات"، ما دفعه إلى جمع مخلفات الاحتلال الإسرائيلي، وتحويلها إلى قطع فنية، وقصص تحمل كل واحدة منها رسالة مختلفة.

ولم تغب الحكاية الخرافية الشهيرة "عقلة الأصبع" التي ألفها الكاتب شارل بيرو ونشرت عام 1697، وتعكس مجموعة قصص من الماضي عن مخيلة الفنان أبو طاقية، إذ حَوّلها من خرافة، إلى قصة واقعية، من مخلفات الحرب والموت.

تلك القصة لم تتطرق إلى عقلة الأصبع والحطَّاب وزوجته وباقي أبطال الأسطورة، لكنه قام خلالها بتجسيد كل شيء يراه، وكل قصة يسمعها أو يعايشها إلى "مصغرات" فنية، لا يتجاوز حجمها عقلة الأصبع، أو الأصبع على أكبر تقدير.


(عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)

ويحاول أبو طاقية تمييز القطع الفنية الصغيرة التي ينتجها عبر صنعها بشكل كامل من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي، وشظايا الصواريخ، والقنابل المسيلة للدموع، والرصاص، وأعقاب الرصاص المعدني، وغيرها، إذ يقوم بتجميعها، ونحتها، وتحويلها إلى قطع فنية، تحمل رسائل المحبة والسلام.

ويقول الفنان الفلسطيني مجدي أبو طاقية (38 عاماً) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة لـ "العربي الجديد" إن قصته مع التشكيلات الفنية بدأت عام 1992، حين قام بنحت قطعة زلط صغيرة، وتحويلها إلى خارطة فلسطين معلقة في قلادة، مبيناً أن إعجاب من حوله بذلك العمل، دفعه إلى تكراره مرات عديدة، إلى أن احترفه.

ويوضح أنه قام بصنع العديد من المجسمات الخشبية، والفنية، إلى أن انتقل لفن "المصغرات"، إذ يحاول من خلاله تجسيد كل القصص والقضايا التي يرغب بطرحها، بقطع فنية متناهية الصغر، مضيفاً: "تلك المجسمات تروي حكاية صغيرة، تراها بعينك مجسمات صغيرة، وكأنك تستمع إلى قصة، ولكن بعينيك".

ويجد الفنان أبو طاقية في صناعة تلك المجسمات من مخلفات الاحتلال المعدنية تحدياً كبيراً لكل أقرانه، حيث اتجه منذ البداية لصنع المجسمات الدقيقة، بمواد خام صعبة وغير مألوفة، بهدف رفع سقف التحدي.

ولم يترك أبو طاقية أعماله دون أن تجسد تفاصيل الحياة الفلسطينية، إذ بات يجمع قنابل الغاز، الرصاص، الطلقات القديمة، ويحولها إلى آلات موسيقية، أسلحة صغيرة، مواد بناء، أدوات زراعة وحرث، أدوات منزلية، جرار غاز، بابور كاز، هون فلسطيني، ومجموعة كبيرة من القطع الفنية التراثية والفلكلورية.

وصنع أبو طاقية المجسمات التي تروي حكايات كاملة، إذ صنع مجسماً لمعبر رفح خلال وقت فتحه وإغلاقه، ومجسماً آخر لعملية قتل الاحتلال الإسرائيلي لفتاة فلسطينية في الخليل، صور خلالها فتاة غارقة في دمها، وإلى جانبها أسرتها، كذلك صوّر مذبحة دير ياسين، من خلال أم تحمل طفلها المضرج بدمه.



مسيرات العودة وكسر الحصار
 التي كانت سبباً في انطلاق الفنان أبو طاقية نحو فن المصغرات بعد إصابة شقيقه في يومها الأول كان لها نصيب من المجسمات، إذ صور تفاصيلها في مجسم يضم خيام العودة، الجرحى، الشهداء، الطواقم الطبية، الطواقم الصحافية، أبراج المراقبة الإسرائيلية، الجنود والقناص الإسرائيلي، السواتر الترابية، المتظاهرين، محاولاً محاكاة ما يجري عبر طبق من التفاصيل.

وصوّر أبو طاقية مشهد اجتياح منطقة تل الهوا في حرب 2008/2009، أظهر من خلاله الدبابات، والمباني ومشاهد الدمار، كذلك مجسما لدكان خضروات تعود قصته لعام 1936، وهو لشخص يدعى أبو حسن من مدينة يافا المحتلة، في إشارة منه للمدن الفلسطينية المحتلة، وحنين الفلسطينيين للعودة إليها.

وصنع الفنان مجدي من قطع شظايا صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية، مجسماً للمسجد الأقصى، وجدرانه العتيقة، المصلى المرواني، طائرة F16، قنابل يدوية، طائرة استطلاع، بينما صنع من الرصاص درع صحافة، أدوات فلاحين، فراشات، بابور كاز، كانون نار، آلات موسيقية، أدوات مطبخ، "فوالة" فول، أكسسوارات، وقطعا فنية مختلفة.

ويحاول الفنان الفلسطيني تحويل أدوات القتل إلى رسالة حضارية تحمل معاني المحبة والسلام، ويقول: "نحوّل تلك الأدوات إلى مواد فنية تعكس رغبتنا في الحياة والأمان والسلام بعيداً عن الحرب"، آملاً في الوقت ذاته تنفيذ مشروعه الخاص بتجسيد كل المدن وتفاصيل حياة المدن الفلسطينية المحلية.



(عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
المساهمون