مصادر قوّة قطر

29 ابريل 2015
استغلال حكيم للفوائض المالية الناتجة عن الغاز والبترول
+ الخط -
تتمتع قطر بأعلى ناتج محلي إجمالي للفرد في العالم، ونمو اقتصادي قوي يزداد عاماً بعد عام، إضافة إلى كونها نقطة جذب للاستثمار الأجنبي. في الواقع، سجلت قطر متوسط معدل نمو سنوي ملحوظ تجاوز 14% خلال السنوات الخمس الماضية، فما هي الأسباب وراء هذا النجاح الاقتصادي؟

أولاً، وقبل كل شيء، فإن الازدهار الاقتصادي لدولة قطر جاء، أساساً، نتيجة تركيز الجهود على تطوير المجتمع القطري والتنمية الاقتصادية، كونه هدفاً استراتيجياً رئيسياً مستمراً. ومن خلال تنمية متأنية لاحتياطيات النفط والغاز، أصبحت قطر، اليوم، أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، حيث يقدّر إنتاجها السنوي من الغاز بنحو 80 مليون طن. رغم ذلك، فمن الخطأ أن نقول إن نجاح قطر، ببساطة، ناتج عن صادراتها من الغاز وحده.

استغلت قطر بحكمة الفوائض المالية الناتجة عن عائدات النفط والغاز، لتطوير وتحفيز الاقتصاد على نطاق أوسع، لا سيما من خلال تخصيص موارد مالية كبيرة في مجالات التعليم والصحة والنقل، إضافة إلى إنفاقها الضخم على البنى التحتية الأساسية. وأدركت قطر، في مرحلة مبكرة، محدودية مواردها الطبيعية، وأن التنويع الاقتصادي، بالتالي، أصبح أمراً ضرورياً لتحقيق النمو المستدام على المدى الطويل.

محلياً، توسّع القطاع الخاص في قطر بسرعة في السنوات الأخيرة، فأصبح مساهماً قوياً في الناتج المحلي الإجمالي، المتوقع أن ينمو بواقع 7% في عام 2015، يرجع الفضل، في جزء كبير منه، إلى النمو الملحوظ في القطاعات غير النفطية. دولياً، تعتبر قطر لاعباً رئيسياً في الأسواق العالمية، فهي تدير محفظة متنوعة من الاستثمارات في جميع أنحاء العالم، وتمتلك مشاريع عقارية مرموقة ترفد الخزينة القطرية بعوائد سخية.

وفي حين تلقى الاستثمارات القطرية في الخارج اهتماماً عالمياً متزايداً، إلا أن ما قد يكون انعكاساً أكبر لقوتها الاقتصادية هو تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى داخل البلاد، حيث تعتبر قطر واحدة من الوجهات الاستثمارية الأكثر جاذبية لرأس المال في الشرق الأوسط، مع عدد كبير من الفرص الاستثمارية، ومناخ استثماري فريد، واقتصاد مزدهر.

ينجذب المستثمر الأجنبي الى قطر لما تتمتع به من استقرار سياسي واجتماعي، واقتصاد قوي، وفرص نمو مرتبطة، إلى حد كبير، بالارتفاع الحاد في عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكان قطر حالياً حوالي 2.2 مليون نسمة، بمعدل نمو مرتفع بلغ 6% في عام 2013، وبمعدل مذهل، للعشرة أعوام الأخيرة، تجاوز 14%. وقد أنشأت قطر، أيضاً، بيئة استثمارية جاذبة للشركات الأجنبية من خلال منحها مجموعة من المزايا، مثل الإعفاء من الضرائب، وحرية تحويل الأموال، والقدرة على فتح فروع للمصارف وشركات التأمين في مركز قطر للمال، مع نسبة تملّك تصل إلى 100% لرأس المال. وليس مستغرباً أن يضع تقرير التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي قطر في طليعة الدول العربية، في ما يتعلّق بجاذبيتها الاستثمارية.

ومنذ فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022، تدفق العديد من المستثمرين الأجانب من أجل اغتنام الفرص الاستثمارية الهائلة والمشاريع المرتبطة، خصوصاً بالبنية التحتية، بما في ذلك ميناء الدوحة الجديد، ومترو الدوحة، ومعبر الشرق، ومدينة لوسيل، وشبكة من الطرق السريعة الجديدة، علاوة على ملاعب كرة القدم، نفسها، المنوي إنشاؤها. وتشير الدلائل إلى أن الاستثمارات في قطر، خلال السنوات العشر المقبلة، ستتركز على النقل والبناء والصناعات السياحية، التي تنطوي على مزيج من الاستثمار الأجنبي والمحلي.

ويمكن رؤية الاستثمارات الأجنبية تتدفق إلى بورصة قطر بعد قيام مؤسسة "مورجان ستانلي"، العام الماضي، بترقية تصنيف البورصة من درجة "الأسواق المبتدئة" إلى درجة "الأسواق الناشئة"، ما سينعكس إيجاباً على البورصة القطرية من خلال جذب أنظار الصناديق الاستثمارية العالمية، ويساهم، بالتالي، بتدفق إضافي ضخم من الأموال الأجنبية إلى الشركات القطرية التي أصبحت مؤهلة لإدراجها في هذا المؤشر.

وبفضل علاقات قطر الجيدة مع العالم، استفاد الاقتصاد القطري بشكل كبير من التجارة عبر الحدود. على سبيل المثال، تعتبر العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية بين قطر وتركيا مميّزة وفريدة من نوعها، اذ تعتبر تركيا شريكاً استراتيجياً ولاعباً رئيسياً في قطاع البناء والتشييد في قطر، حيث يصل إجمالي رأس مال الشركات التركية في قطر إلى نحو 1.5 مليار دولار، في حين تسهم الشركات القطرية، بدورها، في تطوير ودعم الاقتصاد التركي.
(خبير اقتصادي أردني)

إقرأ أيضا: 20 % نمو المزارع الكويتية في 5 سنوات
المساهمون