ذكرى ميلاد: الطاهر شريعة.. فضاءات لسينما مختلفة

05 يناير 2019
+ الخط -
لم يُقدِم السينمائي التونسي الطاهر شريعة (1927 - 2010) الذي تحلّ اليوم ذكرى ميلاده، على إخراج أو إنتاج أفلام تحمل توقيعه، وهو الذي تقاطع مع مختلف ما صدر من أفلام في تونس طوال مسيرته من مواقع مختلفة. رغم ذلك يعتبر أحد أبرز أسماء السينما في بلاده، وحين كان يعسر على النقاد والصحافيين أن يجدوا له صفة يدلّون بها عليه كان يكتفي بأنه "محبّ للسينما" Cinéphile.

تعود أهمية شريعة في الأساس إلى سببين على الأقل، أحدهما أخفى الثاني، فمن المعروف أنه مؤسس "أيام قرطاج السينمائية"، لكن يبقى عمله التأسيسي الأبرز هو "الجامعة التونسية لنوادي السينما" التي صارت لاحقاً الرافد الرئيسي لسينما تونسية ذات مفردات بصرية ونصية خاصة بها.

لم يكن للسينما التونسية أن تحقّق ذلك لولا المسافة التي اتخذتها من السلطة، ولم تكن هذه المسافة ممكنة لولا "الجامعة التونسية لنوادي السينما". ورغم أن شريعة كان موظفاً في وزارة الثقافة التونسية، حيث أدار لسنوات مصلحة السينما إلا أنه فهم بأن أي سينما تابعة للدولة هي سينما فاشلة بالضرورة، كما فهم أن البنية التحتية للثقافة في تونس، من قاعات ودور عرض، لا يمكنها أن تفرز شريحة من الفنانين قادرة على التعبير عن الهواجس الحقيقية للمجتمع التونسي.

لاحقاً، لعبت نوادي السينما دوراً أبعد من السينما، فقد كانت منطقة لجأ إليها معارضو النظام البورقيبي حين ضيّق على مختلف فضاءات الثقافة الأخرى، حيث أن هذه النوادي كانت منتشرة في كل مدن وبلدات تونس، تقدّم إلى جانب أفلام تفتح على ثقافات العالم نقاشات حيّة حول القضايا الوطنية الأساسية. ورغم ارتفاع وتيرة التضييق على نوادي السينما في سنوات حكم زين العابدين بن علي، إلا أنها لا تزال إلى اليوم تستقطب فئات مختلفة من الشعب التونسي، ولعلها عرفت حياة جديدة بعد الثورة التونسية، وهو ما تشهد عليه موجة الأفلام الجديدة التي بدأت تظهر بعد 2011، خصوصاً من شباب تلقوا أبجديات السينما في هذه النوادي.

في 1966، أسّس الطاهر شريعة "أيام قرطاج السينمائية". كان طموحه مجابهة "الاستعمار الثقافي" حيث تهيمن السينما الأميركية والفرنسية على ما يعرض في القاعات، وكذلك الوقوف أمام صعود سينما تجارية لا تهدف إلا لتحقيق الأرباح في الشبّاك.

ضمن هذا المنظور، هندس شريعة مهرجاناً يربط بين الدوائر الثقافية التي يمكن أن تتحرّك فيها تونس وتكون نقطة لقاء بينها، أي العالم العربي وأفريقيا، وقد كانت هذه التركيبة سبباً في إشعاع المهرجان في ما كان يُعرف في النصف الثاني من القرن العشرين بـ"العالم الثالث". كما ساهم المهرجان في ربط علاقات سينمائية كثيرة أوصلت الفيلم العربي أبعد من دوائره القديمة.

بمرور العقود، ومع انسحاب المؤسس ثم دخول ما عُرف بالعولمة، بدا المهرجان وقد قلّ حضوره خصوصاً وأنه بدأ يبحث عن هوية جديدة وجعل نماذجه بعيدة عن الأصل الذي فكّر فيه شريعة، فأصبح "قرطاج" محاولة ليكون مثل "مهرجان كان" بعد أن كان مرجعية في حدّ ذاته. وفي الدورات الأخيرة، كثيراً ما قيل إن هذا المهرجان "ولد كبيراً وأصبح صغيراً".

المساهمون