ذكرى ميلاد: أحمد أمين.. ضدّ مثالية عصره

01 أكتوبر 2018
(أحمد أمين)
+ الخط -

لم يتبنّ الكاتب المصري أحمد أمين (1886 – 1954) الذي تمر ذكرى ميلاده اليوم، مواقف حادة تجاه عدد من القضايا التي شغلت مجايليه مثل أحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق وطه حسين في النصف الأول من القرن العشرين، حيث سادت سجالات فكرية عديدة كانت الكفّة فيها تميل لأصحاب الرؤى والميول الليبرالية.

اختار صاحب "الشرق والغرب" منهجاً عقلانياً، وإن بدا توفيقياً في بعض مؤلّفاته، ولم يتخلّ عن واقعيته وهدوء شخصيته مقابل نزعات مثالية ومتطرفة طغت على معظم رموز تلك المرحلة، لكن هذه السمات اقترنت لديه بجلد وصبر شديدين ساعداه على إنجاز المشاريع التي آمن بها ولم يحل دون تحقيقها سوى تراجع بصره ثم فقده أواخر حياته.

في كتابه "الحب والحقد المقدس: حوار الجد والحفيد" (2018)، بشير عبد الباسط سلامة هيكل إلى ذلك في معرض حديثه عمّا أسماها "اليقظة الفكرية" في عشرينيات القرن الماضي، إذ يذكر أن طه حسين وعبد الحميد العيادي اجتمعا في منزل أحمد أمين، ليرسما معالم مشروع ضخم حول الحضارة الإسلامية يختصّ الأول بالحياة الأدبية والثاني بالتاريخ السياسي، والثالث بالحياة العقلية والفكرية.

انكبّ أمين على العمل لتخرج تباعاً ثلاثتيه الشهيرة "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، و"ظهر الإسلام" بأجزائها الثمانية، بينما انشغل العيادي وحسين بحياتهما الأكاديمية والشأن العام وربما لم يرد الأخير أن يفتح معارك جديد بعد الجدل الذي أثير قبلها بسنوات حول كتابه "في الشعر الجاهلي".

تعدّ هذه الثلاثية من أولى المحاولات لإعادة قراءة التاريخ الإسلامي في العصر الحديث عبر تسليط الضوء على مصادر متعدّدة ومتباينة في تناول الأحداث وتحليلها، والتي لم ترق في كثير من خلاصاتها لأصحاب الرواية السائدة حول نشأة الإسلام وانتشاره والذين يهاجمونها إلى اليوم، باعتبارها "تزويراً لبعض الحقائق وطعناً برموز إسلامية".

اعتمد صاحب "الأخلاق" على العديد من كتابات المستشرقين ما أثار الانتقادات حول أعماله، رغم أنه سعى إلى بناء رواية موضوعية منطقية ولم يذهب إلى الحطّ والازدراء من شخصيات أو حقبة تاريخية بأكملها، إلى جانب ملاحظات العديد حول نظرة الاستشراق الأوروبي إلى تاريخ الإسلام، وهي تبدو واضحة في كتابه اللاحق "يوم الإسلام".

يُحسب لأحمد أمين تناوله الحالتين الاجتماعية والعقلية بالتفصيل والتحليل، من خلال استعراض التيارات والفرق والمدارس منذ عهد المتوكل حتى أواخر القرن الهجري الرابع، وهي الحقبة التي شهدت معظم ضروب المنازعات الفكرية والانشقاقات الاجتماعية والدينية باختلاف ما استتدت إليه من نصوص وما وصلت إليه من تأويلات.

ربما يبدو من الصعب تصنيف أعماله في حقل التاريخ تماماً، وهذه سمة يشترك فيها مع مؤلّفات أخرى مشابهة قدّمها أبناء جيله، لكن يمكن النظر إليها في إطار انحياز صاحبها إلى مشروع نهضوي يمكن أن يجد ضالته في من خلال تجديد التراث الإسلامي لا القطيعة معه. وبغض النظر عن طروحاته، لكنها تبدو الأكثر تماسكاً والتزاماً بنفس المقاربة والروحية والرؤية النقدية.

دلالات
المساهمون