استمع إلى الملخص
- أطلقت مجموعة من طلاب "جامعة غوته" حملة "مكتبة فلسطين" لتعريف الجمهور بالثقافة الفلسطينية من خلال فعاليات ثقافية متنوعة، مثل مهرجان ثقافي ومعرض بديل للكتاب.
- تهدف "مكتبة فلسطين" إلى تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية في ألمانيا عبر التعاون مع ناشرين ومترجمين، وتوفير فضاءات ثقافية للنقاش وتشكيل خطاب سياسي واعٍ.
ليس الاحتلال وحده من يوقع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عقاباً جماعياً على كل ما هو فلسطيني، بل يفعل ذلك كلّ حلفائه حول العالم، وعلى رأسهم ألمانيا، التي دمَّرت خلال أشهر قليلة السمعة التي كانت تحاول اكتسابها من خلال تجمّعات ثقافية وفنّية تحظى بشهرة عالمية، كـ"بينالي برلين" و"معرض فرانكفورت الدولي للكتاب"، هذا الأخير الذي أعلن دون مبرّر في نسخة العام الماضي "تأجيله" تكريم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي، حتى "لا يجرح مشاعر" الصهاينة من الحضور الذين يُفزعهم كلّ ما هو فلسطيني مهما كان السياق أو المناسبة.
هذا التأجيل لا يزال قائماً حتى بعد مرور عام كامل، وبدء فعاليات نسخة جديدة من المعرض، الأمر الذي يُفسّره ناشطون بأنه "إلغاء غير معلن" وتحايُل. هؤلاء الناشطون الذين فطنوا مبكِّراً لضرورة إنشاء فضاءات جديدة تكون بديلاً عن تلك الرسمية التي تفرض أجنداتها عليهم، وتحاسبهم بناءً على شعورها تجاههم.
وضمن هذا السياق، بادرت مجموعة من طلاب "جامعة غوته" بفرانكفورت، الصيف الماضي، إلى إطلاق حملة "مكتبة فلسطين" لتجميع أكبر قدر ممكن من إصدارات متعلّقة بفلسطين من دراسات تاريخية وأبحاث ثقافية وروايات ودواوين شعر وحتى أدب الطفل، وقد تواصلوا مع عدد من الكتّاب والناشرين الذين بادروا إلى التبرّع بما أمكن من كتب، ليجمعوا في فترة قصيرة ما يقرب من مئتين وخمسين كتاباً.
شملت أنشطتها مهرجاناً ثقافيّاً ومعرض كتاب ومخيّماً طلابياً
وبينما تبحث "مكتبة فلسطين" عن مكان تُتاح فيه الكتب ويُفتح للزوّار، فقد شاركت المجموعة بالكتب المتاحة حتى الآن في ثلاث فعاليات، الأولى رافقت انطلاق المكتبة، وكانت ضمن "المهرجان الثقافي" الذي عُقد وسط المدينة للتعريف بالثقافة الفلسطينية، وقد عُرضت مجموعة من الكتب مع إتاحة أماكن للقراءة والنقاش.
أما المرّة الثانية فقد كانت الفعالية التي أطلقها القائمون على المكتبة مع مجموعات أُخرى، وكانت عبارة عن "معرض بديل" لـ"معرض فرانكفورت للكتاب"، إذ نُصبت خيام في الحديقة المقابلة للمدخل الرئيسي للمعرض وذلك يومَي التاسع عشر والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تضمّنت منصَّات لعرض الكتب ومساحات للقراءة ومعرضاً للصور إضافة إلى برنامج ثقافي متنوِّع، تضمَّن لقاءً مُسجَّلاً مع المؤرّخ رشيد خالدي ولقاء عبر الإنترنت مع الكاتب محمد زقزوق من قطاع غزّة، كما دُعيت كل من الكاتبة أحلام بشارات والشاعرة أسماء عزايزة لقراءة شعرية وجلسة حوارية.
تجنَّب القائمون على المكتبة إطلاق حملات لمقاطعة "معرض فرانكفورت للكتاب" والدخول في سجالات حول جدوى الحضور والمقاطعة، واختاروا، كما أكّدت كوثر، وهي إحدى الناشطات القائمات على المهرجان في حديثها مع "العربي الجديد"، أن يبادروا بتكوين بديل وأن تحضر فلسطين بالصورة المطلوبة، ودون رقابة واشتراطات.
وقد رصدت "العربي الجديد" إقبال أعداد كبيرة من الزوّار على المعرض البديل، والذين تحدّث بعضهم إلينا حول أهمية هذه الفعالية التي عرَّفتهم على النتاج الثقافي والأدبي للفلسطينيِّين وإصرارهم على تثبيت سرديتهم، رغم الأهوال التي يلاقونها داخل فلسطين، والمنع الذي يُجابَهون به خارجها، وكان لافتاً توقّف الكثيرين عند اللوحات التي نُصبت في مواجهة المدخل الرئيسي لـ"معرض فرانكفورت للكتاب"، والتي حملت صوراً ومعلوماتٍ عن كتّاب وشعراء فلسطينيين قتلتهم آلة الدمار الإسرائيلية في عدوانها المتواصل على غزّة، مثل هبة أبو ندى ورفعت العرعير وغيرهما.
المساهمة في تشكيل خطاب سياسي واعٍ بفلسطين داخل ألمانيا
وقد أشارت كوثر في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى تعاوُن مجموعة "ناشرون من أجل فلسطين"، وهي مجموعة دولية تضم أكثر من أربعمئة ناشر حول العالم، وكانت المجموعة قد بعثت برسالة مفتوحة لإدارة المعرض تُطالبه بالتضامن مع الحقّ الفلسطيني، وتتّهمه بالتورّط بحرب الإبادة، وممّا جاء فيها: "إن 'معرض فرانكفورت للكتاب'، وهو أكبر وأقدم معرض دولي للكتاب في العالم، متواطئ أيضاً في تورّط ألمانيا العميق في جرائم إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من أن المعرض يُفترض أنه يرمز إلى الاحترام والتنوّع والتسامح، إلا أنه من خلال عملياته المالية وحضوره الثقافي متورّط في دعم ألمانيا المالي والعسكري والدبلوماسي للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وقد شارك العام الماضي في قمع مُخزٍ للتضامن مع فلسطين".
وقد شاركت رغم ذلك بعض دور النشر المنضوية تحت هذا التجمّع في "معرض فرانكفورت للكتاب"، لكن العاملين فيها نشطوا، بحسب كلام كوثر، في التدليل والدعاية للمرور بالمعرض البديل، وساهموا في نشر ملصقات إعلانية. كذلك تحدّث منسِّق فعاليات المعرض البديل خليل بيار إلى "العربي الجديد"، حول أهمية مواجهة "معرض فرانكفورت للكتاب"، وعدم الاكتفاء بمقاطعته: "علينا أن نواجههم وأن نحضُر فيزيائياً أمام المعرض ليرانا الوافدون ويمُرَّ بنا الزوَّار"، ولفت إلى قيام المجموعة بعمل بحثي مطوَّل حول تاريخ معرض فرانكفورت للكتاب "كشف أسراراً كثيرة"، حسب تعبيره.
وقد واصلت المجموعة عملها بعد انتهائها من هذه التجربة في مشاركة ثالثة ضمن مخيّم طلّابي جديد في ساحة "جامعة غوته"، إذ عرضت مزيداً من الكتب، وجدَّدت نداءها إلى متبرِّعين من قرّاء وكتّاب وناشرين لتوفير مزيد من الكتب. والهدف في نهاية المطاف إتاحتها في مكتبة خاصة في مدينة فرانكفورت، وحتى تحقُّق هذا الأمر فقد قرّرت المجموعة تجربة إعارة الكتب لأشخاص تعرفهم وتثق بهم مع محاولة الحصول على برنامج إدارة مكتبات يُسهِّل العملية.
وتستقبل "مكتبة فلسطين" كتباً باللغات الألمانية والإنكليزية والعربية، ويحاول القائمون عليها أن يكونوا حلقة وصل بين ناشرين ومترجمين، وقد بدأوا بالفعل العمل على ترجمة كتاب صدر بالإنكليزية للكاتبة الفلسطينية المقيمة في نيويورك آية غنمة بعنوان "شجرات الزيتون هذه"، وهو كتاب مصوّر للأطفال، تتم ترجمته إلى الألمانية، بهدف توعية الناشئين بالقضية الفلسطينية.
وتضع المجموعة أربعة أهداف أساسية لمشروعها "مكتبة فلسطين"، وهي: التوعية بالقضية الفلسطينية، وتعزيز النقاش وتبادل الأفكار، وإيجاد فضاءات ثقافية للتلاقي والعمل، والمساهمة في تشكيل الوعي والخطاب السياسي المتعلّق بفلسطين داخل ألمانيا.
لا يبحث الفلسطيني اليوم فقط عن بدائل للسلع الاستهلاكية الي تُنتجها شركات تشارك في إبادته، ولا عن منصَّات بديلة لتلك التي تُقيِّد محتواه وتمنعه من الوصول، بل يشعر بحاجته لإيجاد بدائل لكل ما تُنتج وتتحكم به مؤسسات الدول الاستعمارية مهما حملت من تسميات وشعارات، فهو يعلم أنها في أي لحظة تستطيع تحييده ومنع صوته.