ذكرى ميلاد: محمد لطفي جمعة.. السياسة والترجمة والحب

18 يناير 2019
(محمد لطفي جمعة)
+ الخط -
لربما ليس ثمة وسيلة للتعبير عن التماهي مع ذات الآخر الذي نحب أكثر قوة من الكتابة باسمه، وتصبح هذه الطريقة أكثر تأثيراً حين يكون الكاتب معروفاً وناشطاً في السياسة والحقوق والترجمة والتأليف، وهذا ما فعله الكاتب المصري محمد لطفي جمعة حباً بأوجستا فيليبوفنا دامانسكي الكاتبة الروسية التي جمعته بها علاقة حب أفلاطونية كانت تتغذى على مراسلاتهما.

تحل اليوم ذكرى ميلاد جمعة (1886 - 1953)، ولا شك أن أهم ما في سيرته ليست هذه العلاقة بدامانسكي، بل كتابته باسم مستعار هو أوجست فيليبوف، إذ نشر في مجلتي "البلاغ الأسبوعي" و"الرابطة العربية" مجموعة من المقالات التي تكشف عن شخصية تحمل من الرقة بقدر ما تحمل من الصلابة.

إلى دامانسكي أهدى جمعة ترجمته لكتاب "الأمير" لمكيافيلي، ولها خصص جزءاً كاملاً من مذكراته وعنوانها "تذكار الصبا، ذكرى 19 مارس" وهو تاريخ تعرّفه إليها، كما كتب لها مسرحية "قلب المرأة". ونشر بعض رسائلها إليه على أنها موجهة إلى شاعر منتحر وهو بوبوف لدوفسكي، وهذا الاسم هو الذي اختارته له الحبيبة لتخاطبه به أحياناً.

وُلد الكاتب والمترجم والمحامي في حي كوم الدكة بالإسكندرية لعائلة من الطبقة المتوسطة، وهو أخ بالرضاعة لسيد درويش، أرسله والده بعد وفاة أمه إلى بيروت لدراسة الفلسفة في الكلية الأميركية عام 1903، ثم سافر إلى فرنسا ودرس الحقوق في جامعة ليون عام 1908 وانتهى من أطروحة الدكتوراه فيها عام 1912.

لدى عودته إلى القاهرة التحق بالجامعة المصرية عام 1917 أستاذاً في القانون الجنائي وطبع محاضراته التي ألقاها للطلاب في كتاب بعنون "مقدمة قانون العقوبات ومبادئ العلوم الجنائية".

كتب جمعة آلاف المقالات في معظم المجلات والصحف التي كانت تصدر آنذاك في القاهرة، مثل "الأهرام" و"البيان" و"المساء" و"المقتبس"، إلى جانب عمود ثابت بعنوان "لعل وعسى" ظل يكتبه طيلة حياته في صحيفة "البلاغ"، كما كتب في مجلة "المجمع العربي" في سورية، ومجلة "الأدب والفن" في لندن.

حضر مؤتمر الشبيبة المصرية الذي أقيم في جنيف عام 1909، وألقى خطبة رد فيها على كير هاردي الذي مدح كرومر والاحتلال الإنكليزي، يقول عنها: "ألقيت خطبة من نار ورددت عليه كل آرائه كلمة كلمة، وقلت له أنت جئت تُسمعنا مدحاً في كرومر ومدحاً في الاحتلال وليس هذا أملنا فيك، هذه صورة طبق الأصل من كلام الإنكليز في مصر وأنت زعيم حزب العمّال تقول الحق وتدافع عن الحرية، وهنا لم تقل الحق ولم تدافع عن الحرية، بل قويت ساعدهم علينا".

ويضاف: "نحن لا نقبل هذا الكلام، وإن الذين صفقوا لك لم يفهموا الإنكليزية ولا يمكنني أن أترك هؤلاء الناس في حيرتهم، نحن نطلب الحرية والاستقلال كاملاً ولا نرضى بهما بديلاً، وإذا كنا نقبل النصح بالصبر والرضا فلما إذاً عقدنا هذا المؤتمر؟ وهل نسيت حادثة دنشواي سنة 1906 وتقييد الصحافة وحبس الزعماء وفيهم جاويش الذي في السجن؟ فحدثت موجة من الجنون في المؤتمر وهللوا وصفقوا وحدث اضطراب شديد وهرب هاردي بدعوى أنه غضبان".

التقى جمعة بغاندي بعد أن ظهر اهتمامه بالوطنيين في الهند الذين التقاهم في بريطانيا، وقابل المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون أكثر من مرة، وكانت بينهما مراسلات انتقده فيها على طريقة تحقيقه وجمعه للحلاج مع إعجابه بمجهوده.

وضع جمعة كتاب "حياة الشرق" عام 1932، وفيه يتحدث عن ما يسمى اليوم التعددية الثقافية، ويدعو إلى الحوار وليس الصدام بين الحضارات، كما وضع "الملاحن" وهو أول قاموس مصري للغات السرية.

بالنسبة إلى أفكاره الإصلاحية المتعلقة بالمجتمع المصري، فقد سبق الراحلُ طه حسين في المطالبة بمجانية التعليم في مقالاته المختلفة، وفي روايته "عائدة" كان يتناول إجحاف قانون الأحوال الشخصية في حقوق المرأة ولا سيما وضع قرار الطلاق في سلطة الزوج فقط، كما تكلّم بضرورة تقييد تعدد الزوجات بالقانون إلى جانب مطالباته بتعديلات إجرائية في قاعات المحاكم المصرية وسلك القضاء، وطالب بإنشاء نقابة للمسرحيين وتأسيس وزارة للفنون الجميلة.

تعددت ترجمات جمعة بتعدد اهتماماته، ففي القانون نقل كتاب "تعليمات بتاح حتب" الوزير المصري القديم، وفصول من كتاب "الواجب" لجون سيمون، و"الأمير" لميكيافيللي و"المائدة" لأفلاطون و"روضة الورد" (الكلستان) للشاعر الفارسي سعدي الشيرازي، والعديد من روايات كونان دويل في سلسلة "مسامرات الشعب".

المساهمون