استمع إلى الملخص
- **دور العمل الإبداعي:** ترى هدى أن العمل الإبداعي هو شكل من أشكال المقاومة والنضال، حيث يحفظ القصص ويكتب تاريخاً مغايراً يتصدى للتاريخ الرسمي، ويكشف كذبة المشروع الصهيوني.
- **التطلعات والتمنيات:** تعبر هدى عن رغبتها في نهاية المجازر بحق أهل فلسطين، وتوجه رسالة حب ودعم لأطفال فلسطين، مؤكدة أن لا مستقبل لنا إلا بحماية حق كل طفل فلسطيني بالطفولة والحياة.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "الإبادة في غزّة هي نهاية العالَم كما نعرفه"، تقول الكاتبة والأكاديمية اللبنانية هدى فخر الدين في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- يرعبني أنّنا في الشهر التاسع من الإبادة الجماعية في غزّة والعالَم صامتٌ متواطئ حقير، ويؤرقني أن أتخيَّل ما سيكون عليه العالم بعد انتهاء هذه الإبادة الجماعية. لقد كشفت لنا غزّة فشل كلّ مؤسّساتنا السياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعية وفضحت عهرها ونفاقها. كلّ لحظة من لحظات هذه الأشهر التسعة الماضية جعلت منّا شهوداً على إبادة غزّة. لن يعمّدنا هذا الدَّم الفلسطيني المهدور ولن يخلِّصنا من ثقل ذنوبنا، بل سيُبعث حيّاً وسيسكننا. لا خلاص لنا، نحن الذين لم نمت، إلّا بالوفاء لفلسطين وغزّة وبحفظ ما قدّمتاه لنا من دروس في الكرامة والحياة.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- منذ بداية العدوان الهمجي على غزّة وأنا، وشريكي الشَّاعر الفلسطيني أحمد الملاح، نتعرّض للمضايقات والتهديدات وحملات تشهير، وأُخرى تطالب بطردنا من الجامعة حيث نعمل. ذلك بسبب مشاركتنا في التحرّكات المناهضة للعدوان على غزّة في حرم الجامعة وفي مدينة فيلادلفيا، مناصَرةً لأهلنا في فلسطين ورفضاً للوحشية الإسرائيلية. ولكن هذا كلّه ليس إلّا طريقة لترهيب كلّ من ينتقد الكيان الإسرائيلي وكلّ من ينتصر للقضية الفلسطينية المحقّة، كما تهدف هذه الحملات التي نشهدها في الكثير من الجامعات الأميركية إلى تشتيت الانتباه عن غزّة. الوسيلة الأنجع للتصدّي لهذا التهديد هي التركيز على غزّة في كلّ ما نفعله: الكتابة والترجمة والتدريس...
■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- العمل الإبداعي لا يُوقف المجازر، ولكنّه شكلٌ من أشكال المقاومة والنضال، والأهمّ من هذا أنّ الفن يحفظ القصّة ويكتب تاريخاً مغايراً يتصدّى للتاريخ الرسمي الذي عادةً ما يكتبه المستعَمر والمُحتَل. الاحتفال بالأدب الفلسطيني ووضعه في مكانه وسياقه في التراث العربي الغنيّ والطويل أنجع سلاح لكشف كذبة المشروع الصهيوني وخرافاته. والاحتفال بالأدب الفلسطيني والعربي هو أيضاً تأكيد لدور اليهودية دينا وثقافة في تراثنا العربي. وهذا تهديد كبير يقوّض أسس الفكر الصهيوني الذي أخذ الثقافة اليهودية رهينةً منذ انطلاقه في أواخر القرن التاسع عشر. الصهيونية شوّهت الثقافة اليهودية وما زالت ترتكب أفظع الجرائم باسمها.
■ لو قُيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أم مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- المجال الذي اخترتُ أن أكرّس له حياتي هو الشعر. والشعر عمل إنساني نضالي سياسي بالضرورة، لا بل هو أكثر من هذا. الشعر يحتضن القضايا السياسية والإنسانية والاجتماعية ويتجاوزها، يعيد خلقها بطريقة مغايرة، ويفتح أقنية جديدة للتفكير فيها وفهمها.
لا مستقبل ولا خطط ولا أحلام حتى تنتهي المجازر
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- في هذه اللحظة بالذات، لا أنتظر سوى نهاية المجازر بحقّ أهلنا في فلسطين. لا أريد شيئاً إلا نهاية هذه الإبادة الجماعيَّة. الإبادة الجماعية في غزّة هي نقطة تحوُّل في التاريخ، نهاية العالم كما نعرفه - ولا ينبغي أن يعود شيء إلى ما كان عليه قبلها. سيقف الزمن ساكناً، لا مستقبل، ولا خطط ولا أحلام حتى تنتهي المجازر ويستعيد الزمن بعضاً من صوابه، ويكمل مسيرته نحو فلسطين حرّة.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟
- في هذه اللحظة سأختار أن ألتقي بغسّان كنفاني، وأحبّ أن يكون هذا اللقاء في بيروت. أشعر أنّه حاضر جدّاً هذه الأيام. فالإنسان، كما قال كنفاني، قضية، والفنّ لا يكون فنّاً إلّا لأنّه ملتزم أصلاً بتخيّل العالَم على غير ما هو. لن أقول له شيئاً، سيكفيني أن أستمع إليه.
■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
- نشأنا ونحن نسمع عن المقاومة والنضال والبعث، وها أنتم يا أهل غزّة تقدّمون لنا مثالاً حيّاً على هذه الأفكار. سنظلّ شاكرين وممتنّين لغزّة الأبيّة التي فضحت كلّ منافق ذليل وعلّمتنا العِزّة والصبر والحياة.
■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم... فإنّي إلى قوم سواكم لأميلُ.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
- أقول لدارين: أنا من "الناس اللي بحبّوا دارين" وأنا أيضاً أتمنّى أن آتي إليكِ في غزّة حين ينتهي هذا العدوان البشع. كلّ الأحرار في العالم "أهلك وسندك". لدارين ولأطفال فلسطين أقول: أنتم من سيتكلّم بعد هذا ونحن علينا أن نستمع. لا مستقبل لنا ولأولادنا في هذا العالم إلّا إذا كان عالماً نحمي فيه حقّ كلّ طفل فلسطيني بالطفولة والحياة.
بطاقة
كاتبة ومترجمة لبنانية وأستاذة مشاركة في الأدب والنقد العربيَّين في "جامعة بنسلفانيا" بالولايات المتحدة الأميركية. من مؤلّفاتها النقدية بالإنكليزية: "الميتاشعرية في التراث العربي: من شعراء الحداثة إلى المحدثين العباسيين" (2015)، و"قصيدة النثر العربية بين النظرية والتطبيق" (2021). شاركت مع سوزان ستتكيفينش في تحرير "دليل روتلدج للشعر العربي" (2023). صدرت لها بالعربية نصوص إبداعية بعنوان: "زمنٌ صغيرٌ تحت شمس ثانية" (2019)، ولها إصدارات عديدة في ترجمة الشعر العربي القديم والحديث إلى الإنكليزية، منها: "منارة للغريق" (2017)، لجودت فخر الدين، و"تعالي إلى طعنة هادئة: مختارات من شعر سليم بركات" (2021)، إضافةً إلى "فلسطيني: أربع قصائد" لإبراهيم نصر الله، الذي يصدر قريباً عن "ورلد بوتري بوكس".