ونددت المظاهرات بما وصفته بـ"الأحكام الجائرة" الصادرة ضد الناشطين الموقوفين، ودعت إلى إقامة دولة مدنية لا يهيمن فيها الجيش على القرارات والخيارات السياسية.
وخرج آلاف الطلاب من الجامعات والكليات على مستوى العاصمة الجزائرية في مظاهرة بدأ التجمع لها في ساحة بورسعيد، ثم ساحة الشهداء وانطلقت نحو البريد المركزي، وسط العاصمة الجزائرية، في ظل انتشار أمني لافت.
ورفع الطلبة والناشطون الذين يشاركون في المظاهرات شعارات تجدد الموقف الرافض لإجراء الانتخابات الرئاسية في ظل بقاء الحكومة الحالية ورئيسها نور الدين بدوي، وطالبوا برحيل النظام والتغيير الجذري للنظام السياسي واقامة دولة الحريات، كما رفعوا لافتات كُتب عليها "لا لن انتخب ضد وطني" و"سوف ننتخب على رحيلكم"، كما رفعت احدى المتظاهرات لافتة أخرى تقول "انتخابات العصابات، لا لمقاطعتها، نعم لإسقاطها"، في إشارة إلى ضرورة تصعيد الموقف من مقاطعة الانتخابات والعمل على إسقاطها بكل الوسائل السلمية الممكنة، وهاجم الطلاب والمتظاهرون المرشحين الخمسة وهتفوا" جابوا (أتوا) بخمس عرايس وحبو يديرو (يعينوا) رايس".
ورفع الطلبة والمتظاهرون شعار "دولة مدنية وليست عسكرية"، كما رددوا شعارات مناوئة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وحرصت الشعارات على وضع خط فاصل بين الجيش وقائد الأركان، وهو ما يظهر من خلال لافتة كُتب عليها "الجنود أبناء الشعب" و"الجيش جيشنا والقائد مع العصابة".
وقال الطالب حسين ضيف الله لـ"العربي الجديد" إن الجزائريين توحدوا وإن زمن العسكر قد ولى وهم المسؤولون عن وصول البلد إلى هذه النهايات الكارثية.
ورفعت خلال المظاهرات الطلابية صور الناشطين الموقوفين، وطالب المتظاهرون بضرورة إطلاق سراح الناشطين في الحراك الشعبي، مع إعلان التضامن التام معهم.
وفي ولاية البويرة قرب العاصمة الجزائرية، شارك المئات من الطلبة في مظاهرة اتجهت نحو مجلس القضاء، وهتفوا شعارات تضامنية مع الموقوفين في الحراك الشعبي، وفي عاصمة الشرق الجزائري، رفع المتظاهرون من طلبة كليات ولاية قسنطينة، لافتات تدعو إلى التغيير السياسي واستقالة رموز النظام وبقاياه من العصابة.
وقالت الطالبة سهيلة زراري من جامعة منتوري بقسنطينة لـ"العربي الجديد" إن "الاحتجاجات تؤكد تمسك الحراك الشعبي بموقفه ضد بقاء رموز نظام بوتفليقة، ورفض المشاركة في المسرحية الانتخابية وعودة وجوه قديمة للمشهد السياسي بعد مكسب تخلي بوتفليقة عن الحكم".
وفي ولاية بجاية شرق العاصمة الجزائرية، خرج الآلاف من الطلبة والأساتذة وعمال من جامعة بجاية في مسيرة سلمية حاشدة، مطالبين برحيل رموز النظام السابق قبل إجراء الانتخابات، وشاركت في المسيرة تنظيمات مستقلة ونقابات ومواطنون من المجتمع المدني، كما احتشد الآلاف من الطلبة في مدينة تيزي وزو عاصمة منطقة القبائل، رافضين إجراء الانتخابات، ورفعوا شعارات مناوئة لقائد الجيش وصور الناشطين المعتقلين.
وشهدت مدن البليدة والمدية قرب العاصمة الجزائرية، ووهران وباتنة وسكيكدة وعنابة شرقي الجزائر، ووهران وتلمسان غربي البلاد مظاهرات طلابية رافضة للانتخابات، طالبت بتحقيق استقلالية العدالة، ورفض الأحكام ضد النشطاء من الطلبة والمواطنين سواء الذين اعتقلوا سابقا أو الذين تم اعتقالهم قبل يومين خلال تجمعات مناوئة لتجمعات المرشحين.
وتأتي المظاهرات الطلابية في الثلاثاء الـ39 في خضم اليوم الثالث من الحملة الانتخابية التي يشارك فيها المرشحون الخمسة للرئاسيات، والتي تشهد منذ بدايتها احتقانا شعبيا بين الرافضين للانتخابات والمؤيدين لها.
قائد الجيش يثني على التظاهرات المؤيدة
من جهة أخرى، وصف قائد أركان الجیش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح المظاهرات التي شهدتها بعض الولايات لدعم الجيش والانتخابات "بالهبة الشعبية"، على الرغم من ضعف عدد المشاركين فيها وإخفاق منظميها في التعبئة لها، في مقابل مظاهرات الحراك الشعبي الحاشدة التي تشهدها العاصمة والمدن الجزائرية يومي الجمعة والثلاثاء.
وقال قائد الجيش في خطاب جديد، تعود إلقاءه كل أسبوع منذ بداية الأزمة السياسية والحراك الشعبي في فبراير/شباط الماضي، إن الھبة الشعبیة الداعمة للانتخابات تؤكد أن الشعب خرج للالتفاف حول الجيش، مضيفاً أن "اللحمة بین الشعب والجیش كاملة الأركان لا انفصام لها".
وكشفت تسريبات ومراسلات رسمية من قبل محافظين ومسؤولي أحزاب وجمعيات موالية عن حشد ودعوات للبلديات لإرسال العمال والموظفين للمشاركة في المسيرات الداعمة للجيش والانتخابات، كما طُلب من المؤسسات والشركات الاقتصادية العمومية أو الخاصة إرسال العمال وتوفير حافلات لهم لنقلهم الى الميادين السبت المقبل لتنظيم هكذا مظاهرات.
وتعيد هذه المظاهرات إلى أذهان الجزائريين ما عُرف بالمظاهرات "العفوية" التي نُظمت بنفس الطريقة عام 1995، دعماً لإجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز بها في تلك السنة رئيس الدولة حينها ليامين زروال، ولمهاجمة المعارضة الجزائرية التي كانت قد اجتمعت في روما للتوافق على حل سياسي للأزمة السياسية والأمنية التي كانت قد تفجرت في الجزائر عقب انقلاب الجيش وتوقيفه المسار الانتخابي في يناير 1992.
من جهة أخرى، زعم قائد الجيش أن هناك ما وصفها بـ "الأطراف الحاقدة" التي يعتقد أنها تقف وراء المؤامرة على الجزائر، موضحا أن "الشعب الجزائري أدرك خلفیات الأطراف الحاقدة وتفطن لھا".
وأكد قايد صالح أن الجيش يقوم بعمل جدي لصالح الشعب، مضيفا "نتعامل دوما مع شعبنا بالفعل والعمل ولیس بالقول فقط"، وجدد عدم وجود أية طموحات سياسية بالنسبة لقادة الجيش".
وقال الناشط السياسي ناصر حداد لـ"العربي الجديد" إن تصريحات قايد صالح بشأن المسيرات الداعمة للسلطة تقرأ في اتجاهين؛ إما أنه يعلم حقيقة محدودية حجم المظاهرات المؤيدة للانتخابات، أو أنه ضحية للمغالطات والتقارير الزائفة من قبل المحيطين به، مضيفاً أنه "وفي الحالتين، فإن قائد الجيش يتحدث عن بلد غير الجزائر، وثمة مشكلة كبيرة".
ويضيف نفس المتحدث أن تصريحات قائد الجيش جزء من منطق الإنكار الذي تعتنقه السلطة، ورفض واضح للإقرار بالواقع والهروب إلى الأمام وتجاهل مجمل المطالب الشعبية التي ترفع في مظاهرات الحراك الشعبي كل يوم جمعة وفي كل الولايات.