وقال البيان، الذي حمل اسم كل من مليشيا "العصائب"، و"الخراساني"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، و"سرايا عاشوراء"، و"كتائب الإمام علي"، و"الأوفياء"، و"جند الامام"، وهي من أبرز الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، إنه "بعد قرار البرلمان بالخروج الفوري للقوات الأجنبية، ومن ثم استجابة الحكومة لذلك، وما أعقبه من تظاهرات تطالب بخروج تلك القوات، وجدنا بالدليل القاطع أن القوات الأميركية ازدادت عتواً وطغياناً وقامت بمزيد من الاعتداءات، لذا اجتمع الغيارى من أبناء فصائل المقاومة الوطنية لتثبيت موقفهم التاريخي باعتبار القوات الأميركية قوات احتلال، ولن تستطيعوا تحمل ردّ فصائل المقاومة مجتمعة ضدكم، ولن تستطيعوا الاستمرار في التواجد، وستتحول أرض العراق وسماؤه جحيماً عليكم".
وأكد البيان أن الفصائل ذاتها ترفض مرشح الاستخبارات الأميركية عدنان الزرفي، وتطلب من أعضاء البرلمان إفشال المؤامرة الأميركية.
ويعكس التطور حدة الخلافات بين القوى السياسية الشيعية حول ملف تشكيل الحكومة، وأيضاً فشل الحكومة في إخضاع الفصائل المسلحة للقانون في ما يتعلق بالوجود الأميركي واختيارها التصعيد العسكري.
وفي أول تصريح حول البيان، قال القيادي في "الحشد الشعبي"، علي الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إن "الضربة الجوية التي استهدفت قادة النصر أبو مهدي المهندس والجنرال الإيراني قاسم سليماني، عجلت من اتخاذ القرارات الهامة بشأن هذا الوجود الأميركي بالعراق".
وبيّن أن "التعامل بالقوة مع الاحتلال الأميركي في العراق خطوة تأخرت الفصائل في تبنيها، بسبب اتباع الطرق القانونية والسياسية، وبالتالي فهي خطوة لم تُعمَّم لغاية الآن بأي شكل من أشكالها، ولكن هي كافية لردع الوجود الأجنبي وإجباره على الانسحاب".
في المقابل، قال عضو في ائتلاف "النصر" الذي يقوده رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي، وينتمي إليه رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، لـ"العربي الجديد"، إن "خيار الفصائل باللجوء إلى القوة في التعامل مع القوات الأميركية، يمثل الرؤية السياسية لتحالف "الفتح" الذي يرتكز على البعد العسكري لتحقيق المكاسب السياسية".
وأوضح أن "زعيم منظمة بدر هادي العامري، يؤمن بآلية تبادل الأدوار ما بين الجناح السياسي من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى، والمسبب الحقيقي في إعطاء هذه الفصائل المساحة الكبيرة للتأثير بالقرار السياسي، رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي".
من جهته، رأى إحسان الشمري، وهو رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، أن "إصدار البيان يأتي بالتزامن مع زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني لبغداد، وهو على ما يبدو يمثل امتداداً للموقف الإيراني الرافض لتولي عدنان الزرفي لرئاسة الحكومة العراقية، وبكل الأحوال، فإن هذا البيان سيشكل مصداً أمام قضية التكليف، ولكن مقابل ذلك لا يشكل الفيتو الشيعي على الزرفي، على اعتبار أن هناك أطرافاً شيعية لا تزال تدعم وجود الزرفي".
وأكمل في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة التي وقّعت البيان الأخير، قد تستهدف الوجود الأميركي في حال تمرير الزرفي عبر البرلمان العراقي، الأمر الذي سيُشكل إرباكاً للحكومة الجديدة، خصوصاً أن الزرفي يُعوّل كثيراً على التوازن الذي فقده العراق في العلاقات ما بين واشنطن وطهران في عهد المستقيل عادل عبد المهدي".
ولفت إلى أن "الفصائل المسلحة أكدت من خلال البيان أن قضية رئاسة الوزراء في العراق أخذت مساحة أخرى، وارتباطها وثيق بدائرة الصراع الإيراني الأميركي في البلاد، الذي يشير بوضوح إلى أن كثيراً من الأطراف العراقية لا تزال رهينة للمحاور الخارجية".
يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان إخلاء قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، خامس قاعدة عسكرية عراقية، في غضون أقل من شهر واحد، وذلك ضمن عملية إعادة تموضع واسعة تجريها في البلاد، تتضمن الانسحاب من قواعد ومعسكرات متقدمة واختصار وجودها على قاعدتي "حرير"، و"عين الأسد"، في محافظتي أربيل والأنبار شمال وغربي البلاد، التي تحتضن منظومة الباتريوت الأميركية الجديدة. يأتي ذلك مع استمرار الطيران الأميركي الحربي والمسير طلعاته في الأجواء العراقية وفوق مناطق تصنفها بغداد عسكرية، وتضم مواقع ومعسكرات تابعة لمليشيات مسلحة تعتبرها واشنطن مرتبطة بإيران ومتورطة باستهداف قواتها.
وقال المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، الكولونيل مايلز كيغنز، السبت، إن قوات التحالف تغادر قاعدة التقدم الجوية"، (الحبانية 25 كم غرب الفلوجة).
وأضاف كيغنز أنه "نُقلَت معدات ومبانٍ بما يقرب من مبلغ 3.5 ملايين دولار إلى الحكومة العراقية"، مؤكداً أنه "سيغادر 500 منتسب من أفراد التحالف"، مستدركاً بالقول إن "قوات الأمن العراقية كانت وما زالت قادرة على التصدي لداعش في محافظة الأنبار".
Twitter Post
|
وقاعدة التقدم المشار إليها في إعلان الانسحاب، هي قاعدة الحبانية الجوية العراقية، وتقع على بعد 25 كم غرب الفلوجة، وتعتبر من بين أضخم القواعد العسكرية الجوية العراقية، وشيدت عام 1936، ويعتبر انسحاب التحالف منها هو الأكبر من بين سلسلة الانسحابات التي نفذها من قواعد عراقية سابقة منذ منصف الشهر الماضي، بدأت بقاعدة "القائم"، ثم قاعدة "القيارة"، ومعسكر "القصور الرئاسية في الموصل"، وأخيراً قاعدة "كي وان" في كركوك.
وأبلغ مسؤول عسكري عراقي في الأنبار غربي البلاد، مراسل "العربي الجديد"، بأن "القوة الموجودة في القاعدة أغلبها أميركية، وهناك جنسيات أخرى من قوات مشاركة بالتحالف الدولي"، واصفاً ذلك بأنها "عمليات انتقال من قاعدة إلى أخرى وليس انسحاباً، فالقوات الموجودة في قاعدة التقدم انتقلت إلى قاعدة عين الأسد، التي خضعت في الفترة الأخيرة لإنشاءات وتوسعة من قبل الأميركيين".
يأتي ذلك مع استمرار الحضور الأميركي في الأجواء العراقية عبر طلعات جوية مستمرة بواسطة مقاتلات وطائرات مسيَّرة، بعضها حلّق على ارتفاعات يمكن رصدها من قبل المواطنين، خاصة في جنوب وغرب بغداد، والأنبار.
ووفقاً للمصادر، فإن "طيراناً أميركياً مكثفاً رُصد ليل أمس والليلة التي قبلها في عدد من مناطق البلاد، ومنها قرب السفارة الأميركية في بغداد، ومناطق في محافظات بابل وصلاح الدين والأنبار"، مبينة لـ"العربي الجديد"، أن "الطيران ركز على مناطق توجد فيها مقارّ تابعة لفصائل للحشد الشعبي، وحلّق بارتفاعات منخفضة فوق تلك المقارّ".
وأكد أن "الطيران استمر طوال الليل ببعض المناطق ولم يكن على فترات"، مشيراً إلى أن "الطيران لم يكن منسقاً مع الجانب العراقي، الذي لا يعلم أسبابه ودواعيه، الأمر الذي قد يكون محاولة استهداف جديدة قد تطاول مقارّ لفصائل الحشد".
وأكد شهود عيان في عدد من مناطق البلاد، أن الطيران الأميركي يستمر حتى ساعات الصباح، وأن أصوات المروحيات التي تحلق بعلو منخفض باتت مقلقة للغاية.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، عادل عبد المهدي، قد تحدث أخيراً عن طيران "غير مرخص" فوق مناطق عسكرية عراقية، محذّراً من أي استهداف قد يطاول تلك القواعد، معتبراً إياه "مساساً بأمن الدولة".
الطيران الأميركي جدد المخاوف لدى قيادات الفصائل العراقية المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، التي واصلت إخلاء مقارها، وعدم الحضور فيها، وفقاً لما قاله مسؤول قريب من "الحشد" لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن "أغلب مقارّ الحشد أُخليت، منذ الضربات التي وجهت إلى معسكر التاجي في الـ11 من مارس/ آذار الفائت".
وأكد أن "قيادات الفصائل المسلحة لا توجد في تلك المعسكرات، وتتحرك بشكل غير معلن، والاجتماعات التي تعقدها تكون اجتماعات سرية وغير محددة الأماكن، وفقاً لإجراءات احترازية كانت قد اتخذتها خشية من الاستهداف الأميركي".
بدوره، قال النائب عن "تحالف الفتح"، الجهة السياسية الممثلة لـ"الحشد الشعبي"، كريم المحمداوي، إن "الإدارة الأميركية تخطط لشن هجمات على مقارّ الحشد الشعبي والفصائل وقياداتها، وإن عملية سحب بعض جنودها من بعض القواعد في البلاد تأتي ضمن هذا المخطط".
وحذّر من "ردّ فعل الفصائل العراقية، التي ستواجه أي تصرف أميركي ضدها في أي منطقة من البلاد"، داعياً الولايات المتحدة الأميركية إلى توخي "الحذر من أي تصرفات، وأن تعلم أن لكل فعل ردة فعل، وأن العراقيين مستعدون للخيارات كافة، في حال وقوع الاعتداء عليهم من أي طرف".