وقالت صحيفة "معاريف" إن شهر مايو/ أيار الحالي سيدخل التاريخ بوصفه الشهر الذي شهد اندلاع نوع جديد من الحرب الباردة بين إيران وإسرائيل في ساحة "السايبر". وفي تقرير أعده ألون بن دافيد، أشارت الصحيفة إلى أن هجمات "السايبر" التي كان يُنظر إليها على أنها "قرصنة" باتت "مشروعة" في إطار الحرب الدائرة بين الجانبين. ولفت بن دافيد إلى أن هذه الحرب التي تخاض من دون جنود على الأرض باتت تهدد الجبهة الداخلية والعمق المدني، على اعتبار أن جميع البنى التحتية التي تخدم الإسرائيليين أصبحت هدفاً. وأوضح أن محاولة إيران المسّ بخدمة إمداد المياه عبر شن هجمات إلكترونية، وتسميم هذه المياه عبر محاولة زيادة كمية الكلور التي تستخدم عادة في التعقيم، تمثّل تهديداً مباشراً وغير مسبوق لحياة الإسرائيليين.
وأشار إلى أن الردّ الإسرائيلي باستهداف مرافق ميناء بندر عباس الإيراني مثّل نقطة تحول فارقة في الحرب الإلكترونية بين تل أبيب وطهران، لافتاً إلى أن "السلاح" الذي استخدم في الهجوم على الميناء الإيراني تم تطويره منذ وقت بعيد، إلى جانب أنواع أخرى من "الأسلحة" التي تخطط إسرائيل لاستخدامها في الفضاء الإلكتروني.
وأشار إلى أن الحرب الإلكترونية بين إسرائيل وإيران كانت تتم بشكل سري، وتقتصر على ضرب الأهداف العسكرية، موضحاً أن هذه الحرب هدفت إلى الحصول على معلومات استخبارية أو المسّ بمرافق عسكرية حيوية، مثل استخدام فيروس "ستكسنت"، الذي استهدف منظومة أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم في المرافق الذرية الإيرانية.
وادعى بن دافيد أن إسرائيل صمّمت الهجوم على الميناء الإيراني بحيث لا يفضي إلى مسّ بالأرواح، ويسفر فقط عن أضرار كبيرة جداً بالبنى التحتية المدنية الإيرانية، لإرسال رسالة مفادها بأن من يحاول المسّ بالبنى التحتية المدنية لإسرائيل يعرّض بناه المدنية لخطر أكبر.
وشدد على أن إسرائيل حرصت على تعزيز الرسالة الردعية في الهجوم على الميناء الإيراني، من خلال تسريب خبر مسؤولية تل أبيب عنه لصحيفة "واشنطن بوست" وأن الولايات المتحدة لعبت دوراً فيه.
ولم يستبعد بن دافيد أن تكون الهجمات الإلكترونية الإيرانية قد طاولت أهدافاً أخرى، وأنها تمكنت بالفعل من اختراق بعض منظومات المعلومات الحسّاسة في إسرائيل. وأشار إلى أن ما يفاقم الأمور خطورة حقيقة أن كل المرافق والبنى التحتية الحيوية ذات الارتباط بالمواطن الإسرائيلي باتت عرضة للاستهداف بالهجمات الإلكترونية، مثل: المياه، الكهرباء، المستشفيات، الاتصالات، الحواسيب، منظومات الإشارة الضوئية، محطات القطار، والطائرات. وضرب مثالاً للمخاطر الكبيرة التي يمكن أن تنجم عن الهجمات الإلكترونية التي تستهدف المرافق المدنية، مشيراً إلى أن هجوم إلكتروني يمكن أن يقود إلى تصادم قطارين، مما سيؤدي إلى خسائر في الأرواح تفوق بكثير عدد القتلى في هجوم بصاروخ باليستي.
وزعم بن دافيد أن ميزان القوى في الفضاء الإلكتروني يميل لصالح إسرائيل، التي تملك قدرات تقترب من قدرات الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وبريطانيا، في حين أن قدرات طهران أقل بكثير في المجالين الهجومي والدفاعي. واستدرك أنه يتوجب عدم الاستخفاف بقدرات إيران في المجال السيبراني، على اعتبار أنها يمكن أن تتطور من دون استثمار موارد كبيرة.
من ناحيته، حذّر ينيف لويتان، المختص في مجال حرب المعلومات في جامعة حيفا، من أن الهجمات الإلكترونية المتبادلة يمكن أن تقود إلى اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن لويتان قوله إنه على الرغم من أن الهجوم الإيراني لم يحقق نجاحاً، إلا أن المسّ بالبنى التحتية الاستراتيجية، مثل مرافق المياه، يُعدّ تجاوزاً للخطوط الحمراء.
وأشار إلى أن الهجوم على مرافق المياه كان يمكن أن ينتهي بكارثة في إسرائيل، متسائلاً: "تخيلوا لو توقفت إمدادات المياه في هذه الأيام الحارة تحديداً"، موضحاً أن لدى إيران قدرات كبيرة في مجال الحرب الإلكترونية.
وفي السياق، كشفت الصحيفة عن أن مرافق المياه والمجاري في إسرائيل قد استعدت منذ وقت طويل لإمكانية التعرض لهجوم إلكتروني، يمكن أن تنفذه العديد من الجهات، وضمنها إيران. وأشارت الصحيفة إلى أن الاستعدادات المسبقة ساعدت في احتواء الهجوم الإيراني بحيث إنه لم يؤثر على تشغيل مرافق المياه والمجاري.
وبحسب أحد الموظفين الذي يعمل في أحد مرافق المياه التي تعرضت للهجوم الإلكتروني الإيراني، فإن كل مرفق منها مزود بمنظومة مراقبة، تقوم بتقديم تقارير دورية للأشخاص الذين يديرون المرفق، بحيث تسمح هذه التقارير بمعالجة الخطر قبل أن يسفر الهجوم الإلكتروني عن أضرار. ولفت إلى أن هناك منظومة مراقبة مركزية أخرى تسمح بمتابعة أنشطة كل المرافق على مدار الثانية والدقيقة، بحيث يتم التأكد باستمرار ما إذا كان العمل يتم بشكل معتاد أم لا.
وفي السياق، ذكرت قناة التلفزة 13 أن إسرائيل تستعد لمواجهة ردّ إيراني على الهجوم الذي استهدف ميناء بندر عباس. وأوضحت القناة أن تل أبيب تستعد حالياً لتوجيه ضربة على أي هجوم إلكتروني يمكن أن تنفذه إيران رداً على الهجوم الذي استهداف الميناء. وأشارت إلى أن المخاوف من توسع دائرة الحرب الإلكترونية بين طهران وتل أبيب تأتي على خلفية سجال التهديدات الذي دار أخيراً بين المرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.