هل كان على الجزائريين والأفارقة انتظار أزمة كورونا وتصريحات أطباء فرنسيين بشأن إجراء تجارب لقاح مضاد لفيروس كورونا أولاً على الأفارقة، لاكتشاف هذا الجزء القبيح من العقل الفرنسي المتخم بالكولونيالية وبازدراء الآخر والتفوّق العرقي الذي يضع الأفريقي في مصاف أدنى من الرجل الغربي النبيل؟
قبل الطبيبين، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى بباريس جان بول ميرا، ورئيس قسم الأبحاث فى مجموعة "أنسرم" الطبية كاميل لوكت، كان طبيب نابليون بونابرت، جورج كوليي. وقبل الأفارقة المراد تجريب اللقاحات عليهم، كانت سارة بارتمان، وسارة هذه سيدة من قبيلة أفريقية اقتُلعت من قبيلتها ونُقلت إلى باريس لتكون محل أبحاث حول شكل الإنسان الأفريقي. كانت تُعرض في السيرك للجمهور، قبل أن ينتزع طبيب نابليون مخها وأعضاء من جسدها لإجراء البحوث، وحُنط جسدها لوضعه في متحف بشري. وفي عام 2002 انتزع الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا من الفرنسيين جسد "سارة بارتمان" انتزاعاً ونُقلت لتدفن في موطن قبيلتها في جنوب أفريقيا.
يوجد في باريس نفسها متحف "الإنسان"، معرض يجسد سادية المستعمر ودناءة رصيده الأخلاقي، يتيح للجمهور جماجم لقادة ومقاومين جزائريين، وهياكل وجماجم حقيقية لأشخاص من كل البلدان والقارات التي كان لفرنسا فيها موطئ قدم وماضٍ كولونيالي، فقد كان إنسان مناطق متعددة من أفريقيا وآسيا محل تجارب طبية للأدوية وتجارب بيولوجية وبحوث أركيولوجية.
في الجزائر أيضاً، تركت فرنسا تاريخاً أسود من التجارب الطبية والعلمية والعسكرية على الأرض والإنسان، وما زالت الصور توثق كيف ربطت فرنسا الاستعمارية في رقان بصحراء الجزائر، عشرات الأهالي على أعمدة لقياس مدى تأثر الإنسان بتفجير القنابل النووية، بل إن ضحايا هذه التجارب ما زالوا يولدون حتى الآن مشوهين بسبب الفضلات النووية.
هذا فيض من غيض، فيما مشكلة قطاع من النخب الفرنسية العلمية والسياسية والاقتصادية، والإعلامية حتى، أنها لم تتجرع بعد الهزيمة الثانية للفكر الكولونيالي بعد هزيمته على الأرض (الاستقلال) وفراغ رصيده من القيم الواهمة، ولا تريد هذه النخب أن تستوعب بعد حجم التغيرات الإيجابية الحاصلة في المجتمعات الأفريقية، خصوصاً تلك التي يتصاعد فيها الفكر المحلي المناهض للماضوية الاستعمارية، وفي الدول التي بدأت تتسلم زمام أمورها بأدواتها المحلية وتطارد أدوات الكولونيالية الجديدة، مثل الجزائر وتونس ورواندا وغيرها.
تجد هذه النخب الفاشية التي تريد أن تُمدد في الزمن الاستعماري ساعة أخرى، نوافذ مشرعة في جزء من الإعلام الفرنسي تلقي منها أفكارها الفاسدة، وتتعرى من خلالها فرنسا الأخرى التي تقيم مجدها على أنقاض الآلاف من الضحايا الأفارقة، ونورها من ظلماء أوضاعهم. يجدر تذكير هذا النوع من النخب الفرنسية بهذا القبح دائماً وبعارها التاريخي وعريها الأبدي، فهي تكره ذلك كما تكره تذكيرها أنه لولا المجندون من شعوب المستعمرات والحلفاء لكانت اللغة الألمانية سائدة الآن (احتلال أدولف هتلر لباريس عام 1940).
حتى لا يسقط أي استقراء في التعميم، كان هناك دائماً إعلام فرنسي مناهض للكولونيالية، ونخب مناهضة أيضاً لها مواقف مشرفة، سواء تجاه الجزائر أو تجاه القضايا الأفريقية والتحررية في العالم، وتحظى بالتقدير وأفردت لها ساحات بأسمائها في هذه البلدان.