خلافات الحزب الاشتراكي الإسباني: استقالة سانشيز تفتح صفحة جديدة

03 أكتوبر 2016
ازداد الضغط على سانشيز في الأيام الأخيرة(خافيير سوريانو/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش الحزب الاشتراكي الإسباني على إيقاع أزمة داخلية مفتوحة بعدما قدم الأمين العام للحزب، بيدرو سانشيز، استقالته إثر تصويت برلمان الحزب ضده في جلسة مغلقة، انعقدت بعد تقديم نصف أعضاء اللجنة التنفيذية استقالاتهم، الأربعاء الماضي، من أجل إجباره على مغادرة منصبه، ما قد يمهّد لتغيير جذري في موقف الحزب، من تشكيل حكومة جديدة بقيادة حزب الشعب اليميني، تملأ الفراغ السياسي الذي تعاني منه البلاد منذ تسعة أشهر.
وكان سانشيز (44 عاماً) قد قدم استقالته إلى أعضاء المجلس الفيدرالي (برلمان الحزب)، بعدما أيدته أقلية خلال تصويت توّج يوماً طويلاً من المناقشات الساخنة، في اجتماع مغلق، نظم بعد أيام قليلة على الاستقالة الجماعية لـ17 عضواً باللجنة التنفيذية للحزب. وهي الاستقالة التي أتت كرد مضاد على محاولات سانشيز إسكات المعارضة الداخلية لتوجهاته السياسية، وفرض انتخابات تمهيدية داخل الحزب في 23 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، من أجل تعزيز موقعه على رأس الحزب وبسط سيطرة مطلقة على أجهزته. وهذا ما رفضته القيادات المستقيلة التي تمثل شريحة واسعة من مناضلي ومناصري الحزب الاشتراكي المناهضين لسانشيز، والذين نجحوا في النهاية بإرغامه على الرحيل.

وصوت برلمان الحزب ضد سياسة سانشيز بنسبة 132 صوتاً مقابل 107. وعيّن البرلمان لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الحزب في انتظار تنظيم مؤتمر استثنائي قبل نهاية العام الجاري لانتخاب أمين عام جديد. وحسب العديد من المتتبعين للاشتراكي فإن النائبة البرلمانية، رئيسة البرلمان الإقليمي لإقليم الأندلس، سوزانا دياز، ستكون المرشحة الأوفر حظاً لتولي منصب الأمين العام. 

وتفاقمت الأزمة داخل الاشتراكي الإسباني، بسبب الخلاف حول طبيعة الاستراتيجية التي يجب اتباعها في مواجهة النفق السياسي الذي تسير فيه البلاد. فكان هناك انقسام شديد، بين فريق يرى بأنه على الحزب أن يسمح للرئيس المنتهية ولايته، زعيم الحزب الشعبي اليميني، ماريانو راخوي، بتشكيل حكومة جديدة، بعدما حل أولاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، على الرغم من أنه لا يملك الغالبية المطلقة في البرلمان. وهناك فريق آخر بزعامة الأمين العام المستقيل يعتبر أنه يتعيّن على "الاشتراكي" أن يعرقل جهود راخوي في تشكيل الحكومة ويؤدي دور القوة المعارضة الرئيسية، بدل ترك الساحة فارغة لحزب بوديموس اليساري الراديكالي، المعادي لسياسة التقشف والذي قد يتحول إلى الحزب المعارض الوحيد في حال تحالف "الاشتراكي" مع راخوي.

كذلك هناك معضلات أخرى تطرحها الأزمة السياسية، وتتعلق بقدرة الحزب الاشتراكي على تشكيل حكومة يسارية بديلة بالتحالف مع تنسيقية "بوديموس" (التيار اليساري الاجتماعي) والاستقلاليين في إقليم كتالونيا، علماً بأن الحزب يعارض مبدئياً أي مفاوضات أو تحالفات مع الاستقلاليين الذين يطالبون بانفصال كتالونيا عن الدولة المركزية. وهناك من يرى بأن على الاشتراكي أن يتحالف مع "بوديموس" وحزب "ثيوديدانوس" الوسطي الليبرالي، على الرغم من الخلاف الجوهري بين هذين الحزبين الجديدين.



غير أن استقالة سانشيز لن تحل كل مشاكل الاشتراكي بالنظر إلى نتيجة تصويت برلمان الحزب الأخير، أي 132 ضد 107 أعضاء، فالخلاف حول طبيعة التوجه السياسي للحزب والموقف من أزمة الشغور السياسي لن يتوقف، بل وقد يستفحل. في المقابل هناك من يرى بأن رحيل سانشيز قد يفتح الباب أمام بروز غالبية داخل الحزب، تذهب به تجاه حلحلة الأزمة السياسية والسماح لراخوي بتشكيل حكومة عبر اللجوء الى تكتيك الامتناع عن التصويت خلال جلسة مقبلة للبرلمان، تخصص للتصويت على حكومة جديدة بقيادة حزب الشعب اليميني.

كل هذه المعضلات المتعلقة بالمستقبل السياسي لإسبانيا والفشل في حصول أي حزب على الغالبية المطلقة في اقتراعين انتخابيين متتاليين، يزيدان من حدة الانقسام داخلياً وتضاعف الضغوط على أجهزة الحزب الاشتراكي الإسباني. والواقع أن الاشتراكي الإسباني بات حزباً مريضاً، ويعاني منذ مدة من أزمة غير مسبوقة تهدد تماسكه ووحدته الداخلية. كما أنه يتعرض منذ عام إلى نكسات انتخابية متتالية وقاسية. ومني بست هزائم في غضون عام واحد منذ الانتخابات المحلية في مايو/أيار 2015، وصولاً إلى الانتخابات الإقليمية الأخيرة في إقليمي الباسك وغاليسيا الأحد الماضي، مروراً باستحقاقين تشريعيين وطنيين حصد فيهما أسوأ خسارة انتخابية في تاريخه.

هكذا تحول الاشتراكي من الحزب المؤسس عام 1879، وصاحب أطول مدة حكم فيها إسبانيا بعد انتهاء عهد الديكتاتورية وبدء فترة الحكم الدستوري عام 1978، إلى ماكينة للفشل الانتخابي والسياسي. وبدأت إخفاقاته مباشرة بعد نهاية ولاية رئيس الحكومة الاشتراكي السابق، خوسيه لويس ثاباتيرو، عام 2011. وتفاقمت بسبب انتهاجه سياسات التقشف الاقتصادي التي اتبعها وبسبب فضائح فساد لاحقت أعضاء في حكومته. وتفاقمت حالة الفشل مع تفشي الصراعات الداخلية بين الأعضاء حول المناصب القيادية والحسابات الانتخابية والشخصية. غير أن الضربة الموجعة للحزب تمثلت في صعود حزب بوديموس الراديكالي الذي استقطب الآلاف من مناصري الحزب الاشتراكي وقاعدته الانتخابية.

دلالات