تفاهمات سوتشي تحصّن إدلب مؤقتاً

01 اغسطس 2018
يعمل دي ميستورا على تهيئة الأجواء لإطلاق اللجنة الدستورية(Getty)
+ الخط -
خرجت الدول الفاعلة في الملف السوري، الضامنة لمسار أستانة، أي تركيا وإيران وروسيا، أمس الثلاثاء، بالحدّ الأدنى من التفاهمات، إن في ما يتعلق باللجنة الدستورية التي تستعد لبدء مهامها، بعدما دعا المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمس الثلاثاء، الدول الضامنة إلى اجتماع في جنيف، مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل لوضع اللمسات الأخيرة على آلية عمل اللجنة، أو في ما يتعلق بمحافظة إدلب، التي يبدو أنها ستبقى ضمن مناطق خفض التصعيد، ولو مؤقتاً.

وبينما تطرّق البيان الختامي الذي صدر عن الدول الضامنة في ختام الاجتماعات، التي عقدت على مدى يومين بمدينة سوتشي الروسية، وتلاه المبعوث الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، بشكل واضح، إلى قضايا اللجنة الدستورية، والنازحين واللاجئين، والمعتقلين، ووحدة سورية، غاب موضوع إدلب عن البيان الختامي. إلا أن "العربي الجديد" علم من مصادر مطلعة على المفاوضات بين الدول الضامنة في سوتشي، أن محافظة إدلب ستحافظ على وضعها الحالي كمنطقة خفض تصعيد، في وقت يسعى فيه الضامن التركي للحصول على تعهدات إضافية لحماية المحافظة من أي تصعيد محتمل. وأوضحت المصادر أن الدول الضامنة اتفقت على بقاء إدلب منطقة خفض تصعيد، على الأقل في المرحلة الحالية، على أن الجانب التركي يسعى للحصول على مزيد من الالتزامات الروسية حيال ذلك، في حين قال مصدر تركي مطلع إن "إدلب بخير"، من دون مزيد من التفاصيل. ولفتت المصادر إلى أن الأمم المتحدة أيضاً أبلغت المعارضة أنه ليس من مصلحة روسيا إثارة الوضع في إدلب وتخريب العلاقات مع تركيا، وبالتالي فإن مصير إدلب متجه إلى الاستمرار على ما هو عليه بالفترة الحالية، ما يجعل المحافظة تتنفس الصعداء مؤقتاً، من تهديدات النظام بالهجوم عليها، وتهجير مليوني سوري على الأقل منها.

بدوره، قال رئيس وفد المعارضة السورية، أحمد طعمة، إن الوفود المشاركة ناقشت وضع مدينة إدلب السورية، مؤكداً استمرار اتفاقية خفض التصعيد فى المدينة. كذلك أعرب عن أمله في الوصول إلى وقف إطلاق نار شامل. ولفت إلى أن العمل يجري على استقرار إدلب من خلال فصائل الجيش السوري الحر.


ولا تكاد آلة النظام الإعلامية تهدأ، متوعدة ومهددة بعملية عسكرية في شمال غربي سورية تشمل كامل محافظة إدلب، شبيهة بالعملية العسكرية التي شنتها قوات النظام في جنوب سورية، وانتهت بإنهاء وجود فصائل المعارضة السورية في المنطقة. وقالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الثلاثاء، إن قوات النظام قصفت، أول من أمس، مواقع للجيش السوري الحر في مدينة خان شيخون في ريف إدلب. كذلك نقلت الصحيفة عن مصادر إعلامية روسية قولها إن القصف ربما يتطور إلى هجوم بري في ريف إدلب الغربي وصولاً إلى مدينتي جسر الشغور وأريحا. وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد أشار في تصريحات صحافية، أخيراً، إلى أن محافظة إدلب من أولويات قواته، وهو ما تسبب بظهور قلق كبير لدى نحو 3 ملايين مدني يعيشون في محافظة إدلب، غالبيتهم جاؤوا من مختلف المحافظات السورية نتيجة عمليات تهجير مباشر وغير مباشر قام بها النظام، وتنظيم "داعش"، والوحدات الكردية. وبرغم هذه التهديدات، نقلت وكالة "رويترز"، أول من أمس، عن مصدر في تحالف يقاتل دعماً للأسد، إنه من المستبعد أن يكون الهجوم على إدلب وشيكاً. وقال المصدر إن "الجانب التركي سيتابع إمساكها أكثر لأن الورقة بيده". وأضاف "العمل العسكري هو بعد خلط الأوراق والخروج من الاتفاق التركي الروسي الإيراني لتلك المنطقة".




اللجنة الدستورية

وفي موازاة المساعي الجارية للحفاظ على التهدئة في إدلب، كان المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، يعمل على تهيئة الأجواء لإطلاق اللجنة الدستورية، إذ عقد أمس اجتماعاً رباعياً ضمن وفود الدول الضامنة مع الأمم المتحدة، تناول موضوع اللجنة الدستورية. وتعكف الأمم المتحدة على إنهاء لائحة المستقلين التي تعدها، وتسعى للحصول على موافقة الضامنين عليها، قبيل الإعلان عن التشكيلة النهائية لأسماء اللجنة، ليتم بحث آلية عملها في مرحلة لاحقة، لتعود بعدها عجلة المفاوضات من جديد في جنيف في سبتمبر/ أيلول المقبل إذا سارت الأمور كما تشتهيها سفن الأمم المتحدة، من دون تغييرات ميدانية. وهو ما أشار إليه دي ميستورا، الذي أصدر بياناً، عقب اللقاء الرباعي، أوضح فيه أن الاجتماع ركّز على آلية عمل اللجنة الدستورية، ودعا الدول الضامنة إلى عقد اجتماع مطلع سبتمبر/ أيلول في جنيف، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اللجنة الدستورية. وأوضح البيان أن "المبعوث الخاص للأمم المتحدة أجرى مناقشات مثمرة مع الدول الضامنة بشأن تشكيل اللجنة الدستورية المستقبلية وعملها". وأضاف "شهد اللقاء تبادلات مفيدة حول تشكيل اللجنة الدستورية، تمشياً مع المعايير المبينة في القرار 2254 وبيان سوتشي النهائي، بالإضافة إلى مجموعة من القضايا الأخرى المتعلقة بتشكيل وعمل اللجنة الدستورية".

وفي السياق، نقلت وكالة "نوفوستي" عن مصدر من الوفد الإيراني قوله إن دي ميستورا سلم ممثلي الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، قائمة غير نهائية للجنة السورية لصياغة دستور جديد، وأنه ناقش معهم طرق تعيين ممثلين عن الحكومة والمعارضة وكذلك المجتمع المدني في اللجنة الدستورية. وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي حول سورية، ألكسندر لافرنتييف، قد قال، أول من أمس، إن "المحادثات تمحورت حول إيلاء اهتمام أكبر لتشكيل اللجنة الدستورية السورية، ويتم على وجه الخصوص مناقشة لائحة المرشحين من المجتمع السوري". وأعلنت الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، في البيان الختامي، ليومين من الاجتماعات في سوتشي، الذي تلاه لافرنتييف، أنها ستواصل جهودها المشتركة التي تهدف إلى "دفع عملية التسوية السياسية التي يقودها السوريون من أجل تهيئة الظروف لتسهيل بدء عمل اللجنة الدستورية في جنيف في أقرب وقت ممكن، بما يتماشى مع قرارات مؤتمر الحوار السوري في سوتشي (نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي)، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254". وأعربت عن "ارتياحها لإجراء مشاورات مفيدة مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، واتفقت معه على عقد الجولة المقبلة من المشاورات، في جنيف خلال سبتمبر/ أيلول المقبل".

المعتقلون واللاجئون

وإلى جانب موضوع خفض التصعيد في إدلب واللجنة الدستورية، لم يغب ملفا المعتقلين وعودة اللاجئين إلى بلدهم. ورحّبت الدول الضامنة باستعداد النظام والمعارضة السورية، لمشروع تجريبي، ضمن إطار إجراءات بناء الثقة لتبادل المحتجزين فيما بينهما. وأوضحت أن "هذا الترحيب بالاتفاق جرى بعد الاجتماع الرابع لمجموعة العمل الخاصة بالمعتقلين". وأشار البيان الختامي إلى أن الدول الضامنة "ستواصل الجهود المشتركة الرامية إلى بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة في سورية، بما في ذلك ضمن مجموعة العمل المعنية بالإفراج عن المعتقلين والمختطفين وتسليم الجثث، وكذلك تحديد هوية الأشخاص المفقودين، بمشاركة خبراء الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر". ورحبت "بالاستعداد الذي أبدته الأطراف المتصارعة لتنفيذ مشروع تجريبي"، من دون إضافة تفاصيل حوله. وكانت مصادر مطلعة على اجتماع سوتشي حول سورية قالت، أول من أمس، إن الدول الضامنة اتفقت على "مشروع تجريبي" يتضمن تبادلاً لعدد محدود من المحتجزين من النظام والمعارضة، ضمن إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، من دون أن يتقرر بعد عدد المحتجزين الذين سيتم تبادلهم، ضمن إجراءات بناء الثقة، فضلاً عن عدم إقرار الأماكن التي ستجرى فيها عملية التبادل هذه. من جهتها، تحدثت مصادر مطلعة عن عشرة محتجزين من كل طرف، الأمر الذي أثار استياء المعارضة للمعاملة بالمثل بين الطرفين، إذ إن النظام يعتقل مئات الآلاف ويحتجزهم في معتقلاته.

وفي ما يتعلق بموضوع اللاجئين، الذي توليه روسيا اهتماماً كبيراً، شددت الدول الضامنة، التي قررت عقد الاجتماع المقبل في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، على الحاجة إلى "تشجيع الجهود التي تساعد جميع السوريين على استعادة الحياة الطبيعية والسلمية، وبدأت المناقشات بالتنسيق مع المجتمع الدولي، والوكالات الدولية المتخصصة، من أجل تهيئة الظروف اللازمة للعودة الآمنة والطوعية للنازحين داخلياً، واللاجئين إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سورية، بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين". وكانت قد تردّدت أنباء عن تجاوب تركي بشأن هذا الملف، لكن ضمن معايير وشروط محددة، وسعي روسي للدفع فيه، في وقت يتم نقاش الموضوع بين الدول الضامنة ومفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. كذلك أجرى وفد المعارضة السورية، برئاسة أحمد طعمة، اجتماعات مع الوفدين التركي والروسي، ومع الوفد الأممي. وأكدت تركيا وإيران وروسيا، بحسب البيان، "التزامها القوي بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي سورية"، وكررت "عزمها مكافحة الإرهاب من أجل القضاء عليه". كذلك ناقشت الأطراف الضامنة "الوضع الحالي على الأرض، وقامت بتقييم التطورات الأخيرة، ووافقت على مواصلة التنسيق الثلاثي في ضوء اتفاقياتها". وأعربت عن عزمها على "الوقوف ضد جداول الأعمال الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سورية وسلامة أراضيها، وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة".

المساهمون