منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قواته من سورية في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية نواتها الأساسية، لا تزال تعمل على ترتيب أوراقها لفترة ما بعد الانسحاب. يحصل ذلك خصوصاً لأن قرار الانسحاب تزامن مع توافق تركي أميركي أعطى من خلاله ترامب الضوء الأخضر للعدو اللدود لمليشيا "قسد"، أي تركيا بأخذ الدور الأساسي في منطقة شرقي الفرات، حتى بما يخص محاربة تنظيم "داعش"، الأمر الذي وضع المليشيا أمام مجموعة من الخيارات الصعبة، والتي كان أفضلها التفاوض مع النظام على تسليمه مناطق سيطرتها، ضمن أسوأ الشروط، كبديل عن دخول القوات التركية، التي كانت تتوعد تلك المليشيا، "التي تصنفها كمنظمة إرهابية"، بعملية عسكرية تنهي وجودها.
إلا أن التحولات في الخطاب الأميركي التي تلت قرار الانسحاب من تمديد فترة الانسحاب والتعهد بضمان عدم التعرض إلى "قسد"، بالإضافة إلى الموقف الأوروبي الداعم لها، وما تلاه لاحقاً من طرح مشروع "منطقة آمنة" على طول الشريط الحدودي بعرض 20 ميلاً، أعاد للمليشيا الكردية بعض التوازن، ومنحها بعض أوراق القوة في تفاوضها مع النظام، فعاودت فتح قنوات حوار معه حول انضمامها إلى جيش النظام وتسليمه منطقة شرق الفرات، لكن بشروط، منها أن يضمن أي اتفاق سياسي خصوصية "قوات سورية الديمقراطية" التي قاتلت "داعش" وأن من حقها أن تستمر في حماية المنطقة، وأيضاً اشتراط استمرار المفاوضات مع النظام بالتوصل إلى اتفاق على إقامة نظام ديمقراطي لامركزي في سورية المستقبل، يضمن احترام كافة الثقافات والمساواة بين جميع المكونات، وضمان حرية التعبير والحقوق السياسية.
والمكون الرئيسي في "قسد"، أي "وحدات حماية الشعب" وهي الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي لعب سابقا دور الأداة بيد النظام في قمع الثورة السورية، تحاول الآن أن تلعب دور المفاوض معه، وتضع شروطاً لم تكن في فترة سابقة لتتوقع أن تقبل بها. إلا أن تلك القوات، التي تمثل حالياً أداة الولايات المتحدة في المنطقة، لا يمكنها التفاوض مع النظام من دون ضوء أخضر من واشنطن، التي يبدو أنها تستخدمها كورقة للضغط على كل من تركيا والنظام وروسيا إلى حين انتهاء دورها والتخلي عنها نهائياً فور الوصول إلى تفاهمات نهائية بشأن الحل السياسي.