السباق على شرقي الفرات: مصير المنطقة ينتظر التفاهمات الدولية

23 أكتوبر 2019
طال اللقاء بين أردوغان وبوتين لساعات (Getty)
+ الخط -
قبيل ساعات من المهلة التي حددتها أنقرة وفق اتفاقها مع واشنطن لاستئناف عمليتها شرقي الفرات في حال لم تلتزم "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) به وتنسحب من المنطقة المزمع أن تكون "منطقة آمنة"، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يزور سوتشي ويلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ظل آمال بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول المسائل العالقة في سورية، وذلك فيما كان رئيس النظام السوري بشار الأسد يزور قبل اللقاء ريف إدلب موجّهاً العديد من الرسائل.

وبدا المشهد السياسي والعسكري السوري أمس مقبلاً على تطورات دراماتيكية، في ظل سعي روسي وغربي وإيراني لمنع الجانب التركي من الاستفراد لوحده في الشمال الشرقي من سورية، لتصبح قمة بوتين - أردوغان حاسمة في سياق تحديد مسار الأمور في سورية.
وأعلن الرئيس الروسي، في بداية اللقاء الذي طال لساعات، أن الوضع في سورية صعب والجميع يدرك ذلك، والمشاورات بين روسيا وتركيا بشأن هذه المسألة ضرورية جداً، مضيفاً أن "لقاءنا اليوم في مكانه، ومشاوراتنا مطلوبة بشدة". وأعرب بوتين عن أمله في أن "يلعب مستوى العلاقات الروسية التركية، التي تم تحقيقها والتي بلغت مستوى رفيعاً، دوراً مثالياً في تسوية كل المسائل العالقة في المنطقة، وستتيح لنا إيجاد حلول مشتركة للمسائل العالقة لتركيا ولكل دول المنطقة، وبما فيها مصلحة لكل الأطراف".

من جهته، أعرب أردوغان عن أمله في التوصل إلى اتفاق مفيد لكل الأطراف، مضيفاً "أعتقد أن هذا اللقاء سيكون مفيداً لبلدينا، وسيساهم في تعزيز العلاقات والاتصالات بيننا، وأعتقد أننا سنتمكن من التوصل إلى اتفاق اليوم... هذا اللقاء سيمكننا من البحث بالتفاصيل لكل المسائل التي نواجهها، ونحن سنواصل عملية نبع السلام".

وكان أردوغان قد هدّد، قبيل توجّهه إلى سوتشي، بمواصلة العمليات العسكرية التي توقفت في شرقي الفرات "إذا لم تفِ الولايات المتحدة بوعودها لتركيا". وحذّر من أن الهجوم سيُستأنف "بعزم أكبر" إذا لم يستكمل الأكراد انسحابهم قبل الساعة السابعة مساء بتوقيت غرينتش، رافضاً دعوة وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الإثنين إلى تمديد وقف النار. وكانت أنقرة وواشنطن قد أعلنتا، الخميس الماضي، عن اتفاق ينصّ على تعليق كل العمليات العسكرية في شرق الفرات لـ120 ساعة، وانسحاب القوات الكردية من منطقة بعمق 32 كيلومتراً، من دون أن يحدد طولها، تتحوّل في النهاية إلى "منطقة آمنة". وأكد الرئيس التركي أنه لا مكان للوحدات الكردية في مستقبل سورية، معرباً عن أمله في إنقاذ المنطقة من آفة الإرهاب الانفصالية بالتعاون مع روسيا. وتابع قائلاً: "تم تحييد 775 إرهابياً منذ 9 أكتوبر/ تشرين الأول، واستشهد 7 من جنودنا الأبطال، و79 من إخوتنا في الجيش الوطني (التابع للمعارضة السورية)، و20 مدنياً من مواطنينا جراء هجمات التنظيم الإرهابي".

وفيما يخص انسحاب "قسد" من مناطق في شرقي الفرات بموجب الاتفاق التركي الأميركي، قال أردوغان: "حتى الآن انسحب نحو 800 إرهابي من المنطقة، وهناك نحو 1300 آخرين يواصلون الانسحاب بسرعة، ونحن نراقب الوضع عن كثب". وأوضح أنه تم حتى الآن "تطهير مساحة ألفين و200 كيلومتر مربع من الإرهابيين في مناطق عمليتها في سورية". كذلك دعا الرئيس التركي نظيره الإيراني حسن روحاني إلى إسكات "الأصوات المزعجة" التي تصدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين حيال العملية التي أطلقتها تركيا ضد "قسد".

في المقابل، كانت وكالة "إنترفاكس" للأنباء قد نقلت عن نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف قوله إن التوغل التركي في شمال سورية ينتهك وحدة وسلامة الأراضي السورية. وقال المسؤول إن القوات الروسية والإيرانية فحسب هي التي يحق لها قانوناً أن تكون في سورية. ونقلت الوكالة عنه أيضاً أنه يتوقع أن يوضح اجتماع بوتين وأردوغان الجانب الذي يسيطر على مناطق شمال شرق سورية.

في غضون ذلك، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أمس، إن المبادرة الألمانية حول إمكانية إنشاء منطقة آمنة دولية على الحدود السورية التركية، تشرف عليها كذلك موسكو وأنقرة، هي مبادرة جديدة وليس لموسكو حتى الآن أي موقف منها، ويجب دراستها. وفي معرض جوابه عن سؤال ما إذا كانت روسيا ستسمح للقوات التركية بالبقاء في سورية أو لا، قال بيسكوف إن "السماح للقوات التركية بالبقاء في سورية فقط الحكومة الشرعية السورية يمكن أن تقرره". واقترحت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور، أمس، إنشاء منطقة آمنة تحت رقابة دولية شمالي سورية. وقالت إن المستشارة أنجيلا ميركل وافقت على المقترح، وإنهم نقلوه لحلفائهم الغربيين. ومن الواضح أن الجانب الأوروبي يحاول لعب دور أكبر في الشمال الشرقي من سورية لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة.


مقابل ذلك، كان رئيس النظام السوري بشار الأسد يتفقّد أمس قواته في منطقة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، موجهاً العديد من الرسائل، فشنّ هجوماً لاذعاً على أردوغان، واتهمه بـ"سرقة الأرض السورية". وقال الأسد إن الرئيس التركي "لص سرق المعامل والقمح والنفط، وهو اليوم يسرق الأرض". وأشار إلى "أن كل المناطق في سورية تحمل نفس الأهمية، ولكن ما يحكم الأولويات هو الوضع العسكري على الأرض"، وفق زعمه. وأضاف: "كنا وما زلنا نقول إن معركة إدلب هي الأساس لحسم الفوضى والإرهاب في كل مناطق سورية... إدلب كانت بالنسبة لهم مخفراً متقدماً... والمخفر المتقدم يكون في الخط الأمامي عادة، لكن في هذه الحالة المعركة في الشرق والمخفر المتقدم في الغرب لتشتيت قوات الجيش العربي السوري". كما شنّ الأسد هجوماً مبطناً على "قسد"، متهماً إياها بـ"المراهنة على الخارج"، مضيفاً: "قلنا لهم لا تراهنوا على الخارج بل على الجيش والشعب والوطن... ولكن لا حياة لمن تنادي... وحالياً انتقل رهانهم إلى الأميركي". كذلك اتهمها بالتخاذل أمام الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية بقوله "ما رأيناه أخيراً هو أن التركي يحتل مناطق كبيرة، كان المفروض أنها تحت سيطرتهم، خلال أيام كما خطط له الأميركي".

ويأتي اختيار الأسد لريف إدلب الجنوبي مكاناً لتوجيه رسائل في كل الاتجاهات تأكيداً لنيّته توتير الجبهات في شمال غربي سورية في حال عدم حصوله على مكاسب في شمال شرقي البلاد الذي يبدو اليوم ميداناً نهائياً لتصفية الحسابات بين مختلف الأطراف.

لكن مقابل ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة مسؤولين أتراك لم تسمهم، أن أنقرة والنظام السوري أقاما قنوات اتصال، سواء في شكل اتصالات عسكرية ومخابراتية مباشرة أو بطريق الرسائل غير المباشرة عبر روسيا للحد من خطر المواجهة. وقال مسؤول أمني تركي لـ"رويترز": "نحن على اتصال مع سورية بشأن المسائل العسكرية والمخابراتية منذ فترة لتجنب أي مشاكل في أرض الميدان". وأضاف أن أول اتصال جرى كان بشأن حالة تصعيد في شمال غرب سورية، وهي حالة منفصلة عما يجرى في الشمال الشرقي الآن. وأضاف المسؤول "التواصل مع سورية يتم إلى حد كبير عبر روسيا، لكن هذا الاتصال كان يجرى بشكل مباشر بين تركيا وسورية في بعض الأحيان لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة بين الجنود السوريين والأتراك".

وتشهد منطقة شرقي الفرات سباقاً مع الزمن بين جميع الأطراف، إذ يحاول كل طرف فرض إرادته في المنطقة الأكثر أهمية في الجغرافية السورية. ويحاول النظام السوري إفشال المخطط التركي بجعل الشمال الشرقي من سورية منطقة نفوذ جديدة لأنقرة، من خلال متابعة إرسال وحدات عسكرية من قواته إلى مناطق حدودية في محافظة الحسكة السورية. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن عناصر تابعين لقوات النظام دخلوا أمس بحافلات تحمل أعلامه إلى مناطق عدة تخضع لسيطرة "قسد" في محافظة الحسكة، عقب اتفاق هذه القوات مع النظام على دخول مناطقها في محاولة للتصدي للجيش التركي. وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام وصلت إلى محيط قرية تل تمر الواقعة جنوب شرق مدينة رأس العين ودخلت قرية الكوزلية الواقعة غرب تل تمر على الطريق الدولي "أم 4" الذي يربط مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري بمدينة الحسكة.

وكانت مصادر مطلعة في الحسكة قد أكدت الإثنين أن 50 جندياً روسياً وصلوا إلى مطار القامشلي الخاضع لسيطرة قوات النظام في ريف الحسكة. وكان النظام قد احتفظ بالسيطرة على مربعين أمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة بعد أن سلّم كامل محافظة الحسكة في عام 2012 للوحدات الكردية في سياق تفاهم بين الطرفين للقضاء على الحراك الثوري في المحافظة الأهم اقتصادياً في سورية.

من جهتها، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن "مصدر ميداني" قوله إن "قوات النظام استمرت بإرسال التعزيزات إلى مناطق سيطرته، التي انتشر فيها سابقاً في تل تمر وعين عيسى ومحيط عين العرب، على حين تابع انتشاره في المناطق الحدودية بمحافظتي الرقة والحسكة ومناطق الجزيرة السورية المختلفة". وزعمت أن مدينتي منبج وعين العرب أصبحتا بالكامل تحت سيطرة النظام. كذلك ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن قوات الأخير دخلت قرى: الكوزلية وشويش والنوفلية والمحل والبدران والحزام وكهفة المراطي في الريف الجنوبي الغربي لتل تمر. من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدداً كبيراً من أهالي بلدة الدرباسية في ريف الحسكة غير بعيد عن الحدود السورية التركية نزحوا باتجاه مدينة الحسكة مركز المحافظة، في خطوة تعكس قلقاً شعبياً من انهيار الاتفاق التركي الأميركي.